ارشيف من :أخبار عالمية

رئيس البرلمان العراقي دعا من طهران الى إقامة تعاون استراتيجي بين دول المنطقة للتخفيف من حدة التوتر ونزع فتيل الازمات

رئيس البرلمان العراقي دعا من طهران الى إقامة تعاون استراتيجي بين دول المنطقة للتخفيف من حدة التوتر ونزع فتيل الازمات


اطلق رئيس مجلس النواب العراقي اياد السامرائي طهران مبادرة لاقامة تعاون استراتيجي بين دول المنطقة للتخفيف من حدة التوتر بينها، ونزع فتيل الازمات.

اطلاق المبادرة من طهران، ومن قبل رئيس البرلمان العراقي، الذي يزورها للمرة الاولى منذ توليه هذا المنصب قبل خمسة شهور خلفا لمحمود المشهداني الذي استقال رغما عنه مطلع العام الجاري، يمكن تفسيرها بأكثر من معنى، فمن جانب انها تمثل اشارة الى استعداد عراقي لتقريب وجهات النظر بين الاطراف الاقليمية التي تمتلك معها بغداد علاقات جيدة وايجابية، كطهران، وعواصم عربية عديدة، ومن جانب اخر تمثل المبادرة اقرار بمكانة ايران المؤثرة والفاعلة في محيطها الاقليمي، والدور الذي يمكن ان تضطلع به في ارساء وترسيخ اجواء ومناخات هادئة ومستقرة.


وقد اطلق السامرائي مبادرته التي يفترض ان تكون نواتها رؤساء برلمانات كل من العراق وايران وسوريا وتركيا، خلال لقائه رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني.


وكما هو متوقع فأن طهران رحبت بالفكرة على لسان لاريجاني، الذي اعرب تحمسه لها، معتبرا انها تشكل مدخلا مناسبا لحل ومعالجة الكثير من النقاط الخلافية بين الاطراف الاقليمية.


وبالفعل فأن اجواء التشنج والاحتقان الذي طغت على مشهد العلاقات الاقليمية في الاونة الاخيرة اوجدت قدرا من التوجس والقلق لدى الاطراف المعنية، التي اندفعت لاحتواء المواقف والاتجاهات المتشنجة،سواء ما يتعلق منها بالارهاب او قضية المياه، او تواجد الجماعات المسلحة المعارضة لهده الدولة في الدولة المجاورة.


ولعل بغداد ومعها طهران ودمشق وانقرة وعواصم اقليمية اخرى تدرك ان تصاعد وتيرة الخلافات فيما بينها سيتح لاطراف خارجية بعيدة الدخول على خط الازمات ليس لاحتوائها وتطويقها وانما لاستغلالها واستثمارها لتحقيق مكاسب سياسية وامنية خاصة.

وما بين بغداد وطهران الكثير من المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، وفي ذات الوقت هناك قضايا خلافية ذات طابع امني وسياسي واقتصادي، تحتاج الى معالجات مقبولة ومرضية لكلا الطرفين، من بينها قضية مياه شط العرب، وترسيم الحدود بشكل نهائي، وازالة مخلفات حرب الثمانية اعوام بكل اشكالها،والتعويضات والديون، وضوابط تنظيم حركة الزوار بين البلدين وغيرها.


والامر المهم في زيارة رئيس البرلمان العراقي لايران انها جاءت في خضم اجواء تأزم وتصعيد وارباك في المشهد الاقليمي بين اطراف مختلفة، من بينها العراق وسوريا على خلفية تفجيرات الاربعاء الدامي في التاسع عشر من شهر اب-اغسطس الماضي، وتداعيات النقص الحاد في مياه نهري دجلة والفرات وتأثيرها على واقع العلاقات بين الدول الثلاث (العراق وسوريا وتركيا)، وكذلك جاءت في سياق جولة للسامرائي شملت دول عديدة من بينها مصر وفرنسا والكويت، واسهمت في حلحلة بعض العقد، وتوضيح جملة من الملابسات والغموض حول اخر المستجدات السياسية.


ومعروف ان العلاقات العراقية-الايرانية شهدت خلال الاعوام الستة والنصف المنصرمة التي اعقبت الاطاحة بنظام صدام تحولات ايجابية ومهمة للغاية، رغم القضايا العالقة بين الطرفين، ورغم وجود تحفظات ومؤاخذات عديدة لطهران على الوجود العسكري الاميركي في العراق، وهيمنة واشنطن على جانب كبير من مقاليد الامور في العراق.


والحراك السياسي والدبلوماسي بين البلدين وعلى اعلى المستويات، والحضور الاقتصادي والتجاري الايراني في الاسواق العراقية، عكس طبيعة وجوهر تلك التحولات والمتغيرات الايجابية.


ورغم جهود ومساعي اطراف مختلفة لخلط الاوراق وتأزيم العلاقات بين بغداد وطهران الا ان اصحاب القرار في العاصمتين اظهروا حرصا كبيرا على الموازنة بين ضرورات ومقتضيات المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة من جهة، والقضايا الخلافية وخصوصيات السياسات والعلاقات الخارجية والاوضاع والظروف الداخلية لكل منهما من جهة اخرى.


ولعل الملتقى السنوي الدولي المتثمل باجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك مثل مناسبة وفرصة جيدة للتأكيد على متانة العلاقات بين بغداد وطهران.


ففي الوقت الذي اكد فيه رئيس الجمهورية العراقي جلال الطالباني، اهمية ايران بالنسبة للعراق، والحرص على اقامة افضل العلاقات معها. وصف الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد العلاقات بين بلاده والعراق بأنها عقائدية، معتبراً أن بلاده تعتبر أمن العراق ووحدته وازدهاره من أمنها، وأن أمن وتطور البلدين مترابطا، ونفس المعنى شدد عليه كبار الساسة الايرانيين في لقاءاتهم مع السامرائي، وفي مناسبات سابقة.


ولاشك ان اطرافا وقوى اقليمية تدرك رغم خلافاتها وتقاطعاتها مع طهران ان اختلاق الازمات وفتح جبهات مواجهة وصراع واعادة اجواء عقد الثمانينات لن يعود بالنفع والفائدة على مجمل الوضع الاقليمي، وهي انطلاقا من مصالحها الاقتصادية والتجارية -وحتى الامنية والسياسية-مع ايران، ووفق قراءات واقعية ترى ان ممارسة الضغط الدولي والاقليمي على الاخيرة ربما كان نافعا بمقدار معين، لكن المواجهة ليست كذلك بالمرة.


وبغداد تتصرف وتتعاطى مع طهران من هذا المنطلق، وهي تدرك اكثر من غيرها بحكم التجارب السابقة المريرة، ان لاخيار افضل من الحوار والبحث عن نقاط الالتقاء، وتعزيز فرص وامكانيات الحلول والخيارات الدبلوماسية لاحتواء ومعالجة المشاكل والازمات، لا مع طهران فحسب، بل مع الجميع.

وزيارة السامرائي الى طهران اطلقت مرة اخرى هذه الرسالة بكل وضوح.


خاص " الانتقاد.نت"

2009-10-02