ارشيف من :آراء وتحليلات

محمود عباس والمسجد الأقصى.. قصة حزن

محمود عباس والمسجد الأقصى.. قصة حزن

محمد الحسيني

عاد محمود عباس من واشنطن.. حزيناً ومنكسر الخاطر.. يجر وراءه أذيال حقيبته الدبلوماسية وأوراقه التي تمزّقت على طاولة المباحثات مع غريميه بنيامين نتنياهو وباراك أوباما.. عاد إلى أرضه المحتلة فلسطين وظلال خيبته (الأكيدة) تلاحقه طيفاً ممتداً من واشنطن إلى القدس، وتنعكس أسىً على وجهه المتجهّم أبداً المحتضن آهاتٍ وأناتٍ لرجل كابد طوال حياته ولا يزال دفاعاً عن الوطن والقضية..

الكل شاهد محمود عباس في واشنطن يقاتل بضراوة ويواجه بشراسة ويناقش بعناد.. ومن لم يشاهده بعينه فقد شاهده بقلبه آملاً أن يعود هذا الرجل التاريخي بارّاً بوعده في تحرير فلسطين المحتلة.. من واشنطن. ولكن أنّى لسفن أبو مازن وفريقه الأشوس أن يجد مرسى عند مرافئ الأميركيين والإسرائيليين؟!!

محمود عباس حزين هذه الأيام.. وما زاد حزنه أن "إسرائيل" شريك السلام وقسيم المفاوضات والطرف الذي يجدر التعايش معه جنباً إلى جنب أمعن في دفع عملية الاستيطان قدماً وبشكل متسارع فيما الراعي الأميركي الضنين برعيته لم يستطع أن يفعل شيئاً (في الظاهر) حيال وقف شيطنة الصبي وأترابه (نتنياهو وفريق حكومته)، لا بل وصل الأمر إلى حد تكرار انتهاك حرمة المسجد الأقصى وعلى مرأى من العيون العربية العمياء، ومسمع من آذانهم الصماء، فما سيكون حال ألسنتهم الخرساء؟!

هي قصة حزن مشتركة بين محمود عباس، الحانق على عجزه (الطبيعي) عن مواكبة قدسية القضية والتصدي لتحديات المراحل الفلسطينية (السابقة والحالية والمستقبلية)، ومداه بنظره واستراتيجيته بات لا يتجاوز حدود أريحا.. أما المسجد الأقصى فهو بدوره يئن حزناً على غربته وسط البحر العربي ويصرخ ألماً من جرّاء الجراحات التي تعمّقت بفعل الحفريات تحت الأرض، وكادت تفرغ كل شيء تحت أساساته وتحفر الخنادق والأنفاق وتبني غرف الهيكل اليهودي المزعوم..

بالمناسبة.. لم نسمعْ ولم يُنمَ إلينا أن أحداً من أشاوسة الأنظمة العربية قد تدخل فعلياً أو ميدانياً (اللهم إلا من بعض البيانات والمواقف المنافقة) لوقف حفر الخنادق والأنفاق تحت المسجد الأقصى، فيما "الشقيقة الجارة" لا تألُ جهداً في متابعة واستقصاء أخبار الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون على الحدود بين الرفحين الغزاوية والمصرية، وتوفّر كل المعلومات الكفيلة بضرب هذه الأنفاق وتهديمها على رؤوس المتسللين لمنع تهريب علب الحليب وأكياس الحنطة و"معلّبات" القهر المطبوخة بالذل.. العربي.

هذه هي قصة الحزن المشتركة بين محمود عباس والمسجد الأقصى.. وشتان ما بين الحزنين..
الانتقاد/ العدد 1366 ـ 2 تشرين الاول/ أكتوبر 2009

2009-10-06