ارشيف من :آراء وتحليلات
فيما جعجع الحالة الشاذة الوحيدة: المصالحة خطوة مهمة تنتظر خطوات مكملة

كتب مصطفى الحاج علي
مع عقد وفد حزب الله برئاسة النائب محمد رعد لقاء تصالحيا مع النائب سعد الحريري، يكون مشوار المصالحة بين الأطراف المعنية مباشرة، وعلى نحو رئيسي، بالمواجهات التي دارت في السابع من أيّار، قد اكتمل، وهذه مسألة جوهرية، لأنها تضع هذه المصالحات في إطارها السياسي الطبيعي، أي بوصفها خطوة في مسار يستهدف معالجة ذيول وآثار وانعكاسات هذه المواجهات، ولا سيما في البيئات الحاضنة شعبياً لهذه الأطراف، وهذا ما يفسر طبيعة الخطوات والإجراءات التي اتخذت حتى الآن، والتي تنطلق من القواعد التحتية خاصة في الأماكن التي تجمع هذه الأطراف بحكم الضرورة كالجامعات والمدارس وسواها، اضافة إلى وضع الآليات المناسبة لمعالجة أي احتكاك ذي طابع أمني أو اجتماعي، إلا أن فاعلية هذه الخطوات تبقى ناقصة ما لم تستكمل باجراءات أخرى أبرزها: وقف الشحن الداخلي في الغرف المقفلة، والتخلي نهائياً عن استخدام اللعبة المذهبية في الصراعات الداخلية، والتأكيد على الطابع السياسي للخلافات، التي تبقى حقاً مشروعاً وديموقراطياً، وهنا تحديداً يأتي دور وسائل الاعلام باعتبارها أكثر الأدوات استخداماً اليوم في عملية الشحن والحقن المذهبيين.
باختصار ان المصالحات تبقى خطوة ناقصة ومعزولة اذا لم تستكمل بخطوات أفقية كما أشرنا، وبخطوات عمودية، تتوخى المصارحة الشفافة، ليقول كل طرف ما لديه، وليكشف عن مخاوفه وقلقة الحقيقيين، بعيداً عن أي مواربة أو تورية. لا شك، أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين الأطراف قياساً على حجم ونوعية التجارب التي خاضتها مجتمعة بمعزل عن أحقية كل طرف بها، وهذا ما يفرض بدوره البحث عن آلية مناسبة لإعادة بناء هذه الثقة، تستند بدورها إلى آلية موازية للتشاور المستمر، قبل اتخاذ أي موقف يمكن أن يفضي إلى تأزيم الأمور.
في هذا الإطار، يصبح مفهوماً حرص كل طرف على تأكيد السقف السياسي الحالي للمصالحة، وعدم انفتاحه على تحالفات جديدة، وذلك، أيضاً لاعتبارات إضافية أبرزها:
أولاً: إن القانون الجديد للانتخابات لا يفرض تحالفات كالتي كان يحتمها قانون الـ2000، إلا في حدود جد نسبية.
ثانياً: إن الانقسام السياسي الداخلي بات من العمق والوضوح، ما يجعل امكانيات التوافق على قواسم مشتركة، وعلى نحو استراتيجي لا يخضع للمناورات السياسية، أمراً بالغ الصعوبة، إلا إذا تصورنا، أن هذه الأطراف قامت بمراجعة شاملة ودقيقة لتحصي من خلالها أخطاءها وصحيحها، وتكون لديها القدرة على التزام ما هو صحيح، وهذا لا يبدو ممكناً على الأقل في المدى المنظور.
ثالثاً: ان التفاهمات السياسية لها شروطها الداخلية والخارجية، وحتى الآن لا يبدو هذه الشروط ناضجة، فكل المنطقة تمر اليوم في مرحلة انتقالية، وإذا سلمنا أن وجهتها هو التفاوض والتسويات، فهذا لا يعني اطلاقاً أن هذه المرحلة ستكون هادئة، بل على العكس، فاحتمال أن تشهد محاولات لاحتواء الخسائر، وتنظيم الأوراق، وتحسين الشروط، وحتى الإمساك بأوراق اضافية احتمال كبير، للذهاب إلى التفاوض من موقع الند، أو موقع يكون فيه الطرف الأضعف أكثر توازناً مع الطرف الأقوى.
وفي هذا الإطار، لا يتوقع أن تسمح الولايات المتحدة لحلفائها في لبنان بالقيام بخطوات كبيرة، بل ستقيد حركتهم، رابطة خطواتها بطاولة التفاوض الأكبر التي تزمع اقامتها على امتداد المنطقة، لأن من شأن ذلك تحويل لبنان إلى ورقة تفاوضية بيدها في مواجهة خصومها.
رابعاً: إن الانتخابات النيابية هي المحطة التي يعتبرها كثيرون مفصلية لإعادة تظهير التوازنات الداخلية، وإحداث تعديل في معادلة الأكثرية والأقلية، ما يعني أن كل طرف سيحافظ على تموضعه السياسي الحالي، ولن يسمح بأي لعبة تتيح للطرف الآخر استغلاله لتحقيق هذا الإنجاز.
كل ما تقدم، يؤكد خلاصة أساسية، وهي أن المصالحات تقف في نقطة وسطية ما بين تأسيس مناخات التقارب، وإعادة بناء أسس الاستقرار الداخلي، والسلم الأهلي، عبر تسييس الخلاف، ورد الاعتبار لما هو سياسي، على حساب ما هو مذهبي وطائفي ومناطقي، فالمصالحات تشكل المدخل الضروري، والشروط الكافية لإعادة بناء الحياة السياسية، وسحب فتائل الصراعات البدائية، إن المصالحات هي المعبر الضروري للخروج من محورة العلاقات حول الولاءات الأولية والعصبوية، لمصلحة الولاءات العليا من سياسية ووطنية، وما بين التفاهمات السياسية الكبيرة التي يبقى لها شروطها الخاصة غير الناضجة حتى الآن على الأقل.
إلا أن هذه المصالحات تبقى معطوبة وطنياً ما لم تشمل باقي الساحات والأطراف لا سيما داخل الساحة المسيحية، وهنا، يأتي الموقف النافر لسمير جعجع، الذي شكل حالة اعتراضية على مساعي المصالحة التي كانت تقوم بها أطراف مسيحية، فلماذا هذا الموقف النافر؟
إن الإجابة الوحيدة عن هذا السؤال هي أن من يرفض المصالحة إنما يرفضها لأنه متضرر منها، ولاعتبارات عدة أبرزها:
ـ ان جعجع لا يستطيع إثبات حضوره إلا من خلال السلبية، أي من خلال تظهير نفسه دائماً كقوة سلبية، نافية لمن عداها، كل تاريخ جعجع يقوم على هذا الدور حتى عندما كانت القوات جزءاً من الكتائب، والأمر عينه يثبته تاريخه الإجرامي.
ـ ان جعجع يدرك اليوم في أي زاوية ضيقة هو محشور، لا سيما بعد تخلي حلفائه عنه، وبعد تموضعه الاضطراري في مواجهة حتى مع حلفائه المسيحيين، ولذا هو يحتاج أن يقول أنا هنا، بكلمة أخرى، إن لسان حال جعجع: أنا أعترض إذاً أنا موجود.
ـ إن جعجع يريد قطع الطريق على أن تأخذ الانتخابات النيابية في المناطق المسيحية مسارها الديموقراطي، وتحويلها إلى منطقة الاعتراض على الانتخابات النيابية برمتها، عبر ابقائها مفتوحة على توترات أمنية مستمرة.
ـ ان جعجع يحاول إعادة انتاج الانعزالية المسيحية التي سبق للمارونية السياسية ان روجت لها تحت مسميات مختلفة أبرزها الكيانية المسيحية، والثوابت المسيحية، ولذا لم يكن مفاجئاً أن يعمد جعجع في سبيل انجاز هذا الهدف، إلى تحويل مكوّن اجتماعي وسياسي كبير كحزب الله إلى عدو، متجاهلاً ذكر الكيان الإسرائيلي كعدو، لما يعنيه ذلك حينئذٍ من ضرورة البحث والكلام، والدعوة إلى الثوابت الوطنية، والكيانية الوطنية.
في مطلق الأحوال، فإن جعجع يعيد انتاج نفسه كحالة اعتراضية على الوطن بأسره، وكعبء على هذا الطريق، وهو يبدو كمن يعيش في مقطع زمني يعود عشرات السنين إلى الوراء، ويرفض الخروج منه، والنظر اليه بموضوعية، لأنه بذلك، لن يكون هو هو.
الانتقاد/ العدد1302 ـ 26 أيلول/ سبتمبر 2008
مع عقد وفد حزب الله برئاسة النائب محمد رعد لقاء تصالحيا مع النائب سعد الحريري، يكون مشوار المصالحة بين الأطراف المعنية مباشرة، وعلى نحو رئيسي، بالمواجهات التي دارت في السابع من أيّار، قد اكتمل، وهذه مسألة جوهرية، لأنها تضع هذه المصالحات في إطارها السياسي الطبيعي، أي بوصفها خطوة في مسار يستهدف معالجة ذيول وآثار وانعكاسات هذه المواجهات، ولا سيما في البيئات الحاضنة شعبياً لهذه الأطراف، وهذا ما يفسر طبيعة الخطوات والإجراءات التي اتخذت حتى الآن، والتي تنطلق من القواعد التحتية خاصة في الأماكن التي تجمع هذه الأطراف بحكم الضرورة كالجامعات والمدارس وسواها، اضافة إلى وضع الآليات المناسبة لمعالجة أي احتكاك ذي طابع أمني أو اجتماعي، إلا أن فاعلية هذه الخطوات تبقى ناقصة ما لم تستكمل باجراءات أخرى أبرزها: وقف الشحن الداخلي في الغرف المقفلة، والتخلي نهائياً عن استخدام اللعبة المذهبية في الصراعات الداخلية، والتأكيد على الطابع السياسي للخلافات، التي تبقى حقاً مشروعاً وديموقراطياً، وهنا تحديداً يأتي دور وسائل الاعلام باعتبارها أكثر الأدوات استخداماً اليوم في عملية الشحن والحقن المذهبيين.
باختصار ان المصالحات تبقى خطوة ناقصة ومعزولة اذا لم تستكمل بخطوات أفقية كما أشرنا، وبخطوات عمودية، تتوخى المصارحة الشفافة، ليقول كل طرف ما لديه، وليكشف عن مخاوفه وقلقة الحقيقيين، بعيداً عن أي مواربة أو تورية. لا شك، أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين الأطراف قياساً على حجم ونوعية التجارب التي خاضتها مجتمعة بمعزل عن أحقية كل طرف بها، وهذا ما يفرض بدوره البحث عن آلية مناسبة لإعادة بناء هذه الثقة، تستند بدورها إلى آلية موازية للتشاور المستمر، قبل اتخاذ أي موقف يمكن أن يفضي إلى تأزيم الأمور.
في هذا الإطار، يصبح مفهوماً حرص كل طرف على تأكيد السقف السياسي الحالي للمصالحة، وعدم انفتاحه على تحالفات جديدة، وذلك، أيضاً لاعتبارات إضافية أبرزها:
أولاً: إن القانون الجديد للانتخابات لا يفرض تحالفات كالتي كان يحتمها قانون الـ2000، إلا في حدود جد نسبية.
ثانياً: إن الانقسام السياسي الداخلي بات من العمق والوضوح، ما يجعل امكانيات التوافق على قواسم مشتركة، وعلى نحو استراتيجي لا يخضع للمناورات السياسية، أمراً بالغ الصعوبة، إلا إذا تصورنا، أن هذه الأطراف قامت بمراجعة شاملة ودقيقة لتحصي من خلالها أخطاءها وصحيحها، وتكون لديها القدرة على التزام ما هو صحيح، وهذا لا يبدو ممكناً على الأقل في المدى المنظور.
ثالثاً: ان التفاهمات السياسية لها شروطها الداخلية والخارجية، وحتى الآن لا يبدو هذه الشروط ناضجة، فكل المنطقة تمر اليوم في مرحلة انتقالية، وإذا سلمنا أن وجهتها هو التفاوض والتسويات، فهذا لا يعني اطلاقاً أن هذه المرحلة ستكون هادئة، بل على العكس، فاحتمال أن تشهد محاولات لاحتواء الخسائر، وتنظيم الأوراق، وتحسين الشروط، وحتى الإمساك بأوراق اضافية احتمال كبير، للذهاب إلى التفاوض من موقع الند، أو موقع يكون فيه الطرف الأضعف أكثر توازناً مع الطرف الأقوى.
وفي هذا الإطار، لا يتوقع أن تسمح الولايات المتحدة لحلفائها في لبنان بالقيام بخطوات كبيرة، بل ستقيد حركتهم، رابطة خطواتها بطاولة التفاوض الأكبر التي تزمع اقامتها على امتداد المنطقة، لأن من شأن ذلك تحويل لبنان إلى ورقة تفاوضية بيدها في مواجهة خصومها.
رابعاً: إن الانتخابات النيابية هي المحطة التي يعتبرها كثيرون مفصلية لإعادة تظهير التوازنات الداخلية، وإحداث تعديل في معادلة الأكثرية والأقلية، ما يعني أن كل طرف سيحافظ على تموضعه السياسي الحالي، ولن يسمح بأي لعبة تتيح للطرف الآخر استغلاله لتحقيق هذا الإنجاز.
كل ما تقدم، يؤكد خلاصة أساسية، وهي أن المصالحات تقف في نقطة وسطية ما بين تأسيس مناخات التقارب، وإعادة بناء أسس الاستقرار الداخلي، والسلم الأهلي، عبر تسييس الخلاف، ورد الاعتبار لما هو سياسي، على حساب ما هو مذهبي وطائفي ومناطقي، فالمصالحات تشكل المدخل الضروري، والشروط الكافية لإعادة بناء الحياة السياسية، وسحب فتائل الصراعات البدائية، إن المصالحات هي المعبر الضروري للخروج من محورة العلاقات حول الولاءات الأولية والعصبوية، لمصلحة الولاءات العليا من سياسية ووطنية، وما بين التفاهمات السياسية الكبيرة التي يبقى لها شروطها الخاصة غير الناضجة حتى الآن على الأقل.
إلا أن هذه المصالحات تبقى معطوبة وطنياً ما لم تشمل باقي الساحات والأطراف لا سيما داخل الساحة المسيحية، وهنا، يأتي الموقف النافر لسمير جعجع، الذي شكل حالة اعتراضية على مساعي المصالحة التي كانت تقوم بها أطراف مسيحية، فلماذا هذا الموقف النافر؟
إن الإجابة الوحيدة عن هذا السؤال هي أن من يرفض المصالحة إنما يرفضها لأنه متضرر منها، ولاعتبارات عدة أبرزها:
ـ ان جعجع لا يستطيع إثبات حضوره إلا من خلال السلبية، أي من خلال تظهير نفسه دائماً كقوة سلبية، نافية لمن عداها، كل تاريخ جعجع يقوم على هذا الدور حتى عندما كانت القوات جزءاً من الكتائب، والأمر عينه يثبته تاريخه الإجرامي.
ـ ان جعجع يدرك اليوم في أي زاوية ضيقة هو محشور، لا سيما بعد تخلي حلفائه عنه، وبعد تموضعه الاضطراري في مواجهة حتى مع حلفائه المسيحيين، ولذا هو يحتاج أن يقول أنا هنا، بكلمة أخرى، إن لسان حال جعجع: أنا أعترض إذاً أنا موجود.
ـ إن جعجع يريد قطع الطريق على أن تأخذ الانتخابات النيابية في المناطق المسيحية مسارها الديموقراطي، وتحويلها إلى منطقة الاعتراض على الانتخابات النيابية برمتها، عبر ابقائها مفتوحة على توترات أمنية مستمرة.
ـ ان جعجع يحاول إعادة انتاج الانعزالية المسيحية التي سبق للمارونية السياسية ان روجت لها تحت مسميات مختلفة أبرزها الكيانية المسيحية، والثوابت المسيحية، ولذا لم يكن مفاجئاً أن يعمد جعجع في سبيل انجاز هذا الهدف، إلى تحويل مكوّن اجتماعي وسياسي كبير كحزب الله إلى عدو، متجاهلاً ذكر الكيان الإسرائيلي كعدو، لما يعنيه ذلك حينئذٍ من ضرورة البحث والكلام، والدعوة إلى الثوابت الوطنية، والكيانية الوطنية.
في مطلق الأحوال، فإن جعجع يعيد انتاج نفسه كحالة اعتراضية على الوطن بأسره، وكعبء على هذا الطريق، وهو يبدو كمن يعيش في مقطع زمني يعود عشرات السنين إلى الوراء، ويرفض الخروج منه، والنظر اليه بموضوعية، لأنه بذلك، لن يكون هو هو.
الانتقاد/ العدد1302 ـ 26 أيلول/ سبتمبر 2008