ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: الأرابيسك الأصيل

نقطة حبر: الأرابيسك الأصيل
كتب حسن نعيم 
نحتاج في قراءتنا للفنون الاسلامية الممعنة في التاريخ والحضارة إلى ما هو أبعد من النظرة التزيينية الضيقة التي تتباهى بها الطبقة المترفة, والى ما هو أعمق من نظرة الاستخفاف, التي يرمقها دعاة التماهي مع مقتضيات العصر ومتطلباته.
ربما نكون بحاجة الى رؤية جمالية تنطوي على معايير فنية تقارب الفنون الاسلامية وتحاورها كما انبثقت في منبعها, وتبلورت في بيئتها، وانتظمت في تراثنا كحبّات عقد مع انتظام العصور على تنوع مفردات الفنون الاسلامية, فالعربي ليس كما يتوهم البعض لم يتقن الا فن القول الشعري, فحياة الصحراء لم تؤثر بإيقاعها المتكرر والمتدرج الرتيب بقوانينه وأوزانه الشعرية فحسب، وإنما أمدّته بذلك الصمت والهدوء المفعم بالتأمل والسحر والغموض الذي يكتنف مختلف الفنون التشكيلية, وقد تنبه الغربيون الى فرادة المنتج الفني العربي، وأطلقوا عليه عبارة فن "الأرابيسك"، وهي تعني الفن العربي الذي هو جزء من الفن الاسلامي الأشمل بمراحله التاريخية المتعاقبة والمتزامنة التي تنضوي تحت لوائها فنون الخزف الفارسي والعثماني والمجوهرات الهندية والمغولية والرسوم والصور والاشكال الفاطمية والسلجوقية.
فالارابيسك والزجاج المعتّق, والحفر على الخشب, والطَّرق على النحاس, والقوارير والشمنديات وفنون النسيج والنقش وغيرها من الفنون, هي فنون عربية بامتياز. صحيح انها لم تكن وليدة العدم أو المصادفة, وصحيح انها استفادت من فنون أخرى سبقت ظهور الاسلام مثل الفن البيزنطي والصيني، لكنها تطورت في أحضان العصور الإسلامية متخذة شكلها الخاص بنكهة خاصة حداثية لها هويتها الخاصة التي تدعى اليوم في الغرب "الأرابيسك". ولم يكن الاقتباس من فنون سابقة وتطويرها الا عاملاً من عوامل تأصيل هذا الفن المتعدد الروافد الشرقية, والذي لن تضيره تاريخيته في شيء اذا ما أردنا تأسيساً فنياً للمرحلة الراهنة، وهو وإن كان عابقاً برائحة التاريخ فإنه يشف عن ماض عريق ويستعيد ذاكرة تكاد تندثر.
الانتقاد/ العدد 1302 ـ 26 أيلول/ سبتمبر 2008
2008-09-26