ارشيف من :آراء وتحليلات
بدون تعليق:اصمتوا.. "الرئيس" على حق

محمد الحسيني
أطرق الرئيس برأسه حزيناً، وهو لما يخرج من حزنه على نكبات المسجد الأقصى، منذ احتلاله وحرقه وصولاً إلى جروحاته التي تعمقت وأنينه الذي ارتفع بفعل معاول الحفريات الإسرائيلية تحت أساساته المتداعية.. وليس سبب حزنه هذه المرة لأنه استعاد صور المجازر التي ارتكبتها آلة الموت الإسرائيلية منذ ما قبل العام 1948 في كل فلسطين وحتى كانون الأول 2008 في قطاع غزة، بل هو حزين لأن قومه لا يفقهون، وأبناء شعبه لا يعقلون، وكل ما حوله يزخر بالسطحية والعناوين الفارغة فيما هو يرمق من تحت نظارته الأفق البعيد البعيد، وهو أفق لا يراه أصحاب الأنوف القصيرة ومطلقو الشعارات العنترية ودعاة العنف وعبّاد القوة..
ماذا أفعل بقومي لا يتسامون إلى عبقريتي؟ ماذا أفعل ببلدي وهو منقسم بين "ضفة" و"قطاع" و"إسرائيل" ومخيّمات لاجئين داخل أرضهم؟ ماذا أفعل بحكومتي وقد أصبحت اثنتين بنظامين وحدودين جغرافيتين؟ ماذا أفعل بموارد وطني وقد أصبحت رهينة متنفذين وأبناء وزراء ومسؤولين أمنيين وعسكريين وأصحاب العلاقات مع "الشريك" الاحتلالي؟ ماذا أفعل بمنظمة التحرير التي تركها "الختيار" عبءاً على كاهلي وها هي باتت مشرذمة بين الداخل والداخل وبين الداخل والخارج وبين الخارج والشتات؟ ماذا أفعل بشعبي الذي سئم مواطنيته والتبست عليه هويته بفعل ممارسات مسؤوليه الذين يبررون الهزيمة بالدبلوماسية والجريمة بالحلول السياسية؟
الرئيس حزين لأنهم، بعيدون وقريبون، أخصام ومقرّبون، أعداء وحلفاء، أصدقاء وغرباء.. لاموه على قراره بسحب التصويت على تقرير "ريتشارد غولدستون"، وشنّوا عليه الهجمات وجرّدوا عليه الحملات، وهو في قرارة نفسه "الحكيمة دوماً" يقول: "اللهم اغفر لهم فإنهم لايعلمون".. هم لا يروا ما أراه، ولا يعلمون ما أعلم، بل يتلهّون بتقرير أعدّه يهودي حاقد، زرع لهم فيه الأفخاخ، واستدرجهم لكي يجعلوا من قضية فلسطين محصورة بتقرير يتيم جاء بعد عقود من القهر والنفاق الدولي، ويصوّت عليه مجلس لحقوق للانسان لا إلزامية لقراراته..؟!
هكذا يكون الرؤساء.. ينظرون بعين استراتيجية، ويفكرون بمستوى فوق مستوى العامة من الشعب، فهو قد سحب التقرير من المناقشة عن قصد، لأنه ينشد طرح القضية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأن هناك يكون بيت القصيد ومربط الخيل، وهناك تكون المعركة الحقيقية، وهناك يستطيع "بطل القضية" أن يكمل فصول حرب التحرير التي بدأها من واشنطن، وهزم فيها كلاً من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو ومن لفّ لفّهما.. وهو سيجدد نصره في محفل الشرعية الدولية عندما يلزم العالم بأسره أن ينصر قضية فلسطين ويقهر "إسرائيل" المجرمة..
اصمتوا.. يا كل الذين عارضوا "الرئيس" فهو على حق.. إن تاريخه المناضل يشهد بـ "بعد نظره"، فلولا أن ثارت في وجهه الهجمة الرعناء بسبب تنكّره لجراحات ونكبات بلده وقومه، فهو كان ليطلب تأجيل التصويت على أي قرار يخص قضية فلسطين لعشرين سنة، وسيعلم الجمع كله أن هذا القرار سيكون حكيماً وقمة في العبقرية، لأنه في ذلك الوقت ستكون القضية المركزية للعرب والمسلمين قد وجدت طريقها إلى الحل... لأنه باستمرار سياسة "الرئيس" لن يكون بعد هناك قضية اسمها فلسطين.. بل خراب وأطلال.. وطين.