ارشيف من :أخبار عالمية

البوصلة السياسية لتركيا تعود الى اصالتها.. علاقات استراتيجية مع سوريا وتوازنات اقليمية جديدة في المنطقة

البوصلة السياسية لتركيا تعود الى اصالتها.. علاقات استراتيجية مع سوريا وتوازنات اقليمية جديدة في المنطقة

يبدو ان صفحة جديدة من العلاقات الاستراتيجية التركية السورية، قد بدأت تشق طريقها نحو النمو في هذه المرحلة، في وقت بدت فيه تركيا وكأنها تطوي صفحة مشينة من علاقتها بالكيان الصهيوني، ما يؤسس لواقع اقليمي جديد على صعيد المنطقة ككل، ويبشر بانقلاب المعادلات والتوازنات التي كانت قائمة حتى الأمس القريب، خصوصا وان هذا الخيار الاستراتيجي اتخذ من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن قناعة كاملة، ما أعاد البوصلة الى اتجاهها الصحيح من خلال تفعيل علاقات انقرة بدول الجوار بعدما ضاقت السبل أمامها بالانضمام الى الاتحاد الاأوروبي.

لم تكن حرب غزة بالنسبة الى خيار أردوغان هذا سوى نقطة الفصل بين مرحلة وأخرى، فهو اتخذ عن سابق تصميم وارادة وبما يتلاءم مع ارادة الشعب التركي المتعاطفة مع القضايا العربية ولا سيما الفلسطينية منها، وهذا ما توضحه التطورات السياسية والديبلوماسية والعسكرية التي ظهرت الى العيان في الأيام الماضية.

فقد شهدت الاسابيع الاخيرة سلسلة أحداث وتطورات سياسية هامة اعتبرت بمثابة مؤشرات للتحولات الكبرى في العناوين العريضة للسياسة التركية ، ابتدأت بالاعلان عن الغاء المناورات التركية الاميركية الصهيونية "نسر الاناضول"، اثر قرار انقرة منع الطائرات الاسرائيلية التحليق في اجوائها.

وفي هذا الاطار أشارت تركيا الى ان اسباب الغاء المناورة، هو أن الطائرات التي سترسلها "اسرائيل" هي على الأرجح الطائرات نفسها التي تم استخدامها خلال عملية "الرصاص المصبوب" التي تعرض لها قطاع غزة مطلع العام الجاري.

والجدير ذكره ان الكيان الغاصب اعتاد المشاركة في هذه المناورة التي تجرى کل عام منذ عام 2001 .

وكانت الاذاعة العسكرية الاسرائيلية قد أشارت الى ان الغاء هذه المناورات التي كانت ستشارك فيها طائرات اميركية ومن دول في الحلف الاطلسي، يعكس تدهور العلاقات بين "اسرائيل" وتركيا منذ العدوان العسكري الذي شنه الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة في نهاية السنة الماضية وبداية السنة الجارية والذي استمر 22 يوما وأوقع اكثر من 1400 شهيد فلسطيني، وفقا لمصادر طبية فلسطينية.

وكان قد سبق ذلك، الغاء وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو، في مطلع ايلول/ سبتمبر، زيارة كان يزمع القيام بها الى فلسطين المحتلة في تشرين الاول/اكتوبر الحالي وذلك في اعقاب رفض "اسرائيل" السماح له بزيارة قطاع غزة عبر معبر "ايريز" الاسرائيلي لاجراء محادثات مع قادة حركة المقاومة الاسلامية (حماس).

وفيما يشبه الرد على الغاء مناورة "نسر الاناضول"، اكد مسؤولون في وزارة الحرب الصهيونية انه سيتم اعادة النظر في مبيعات الاسلحة الى تركيا في ظل التغير في العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.

وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية قد ذكرت في وقت سابق أن خبيرا بارزا في العلاقات الاسرائيلية الترکية تكهن بأن توقف "اسرائيل" دعمها لتركيا في واشنطن فيما يتعلق بقضية المذبحة الأرمينية، اذا ما استمر التدهور في العلاقات بين البلدين، الا ان هذا الامر اصبح دون جدوى بعد تحقق المصالحة التركية الارمنية نهاية الاسبوع الماضي.

ووفقا لمسؤولي وزارة الحرب الصهيونية فان ثمة العديد من الطلبات الترکية لشراء أسلحة تخضع للنظر من قبل شعبة التعاون الخارجي وتصدير الأسلحة بوزارة الحرب الاسرائيلية دون أي ذكر عن طبيعة الاسلحة التي طلبتها تركيا.

على الضفة الاخرى ، اي على صعيد العلاقات العسكرية السورية التركية، فقد اتفق الطرفان على اجراء مناورات عسكرية مشتركة. وفي هذا الاطار، اعلن وزير الدفاع السوري علي حبيب ان دمشق وانقرة اتفقتا على اجراء مناورات عسكرية مشتركة.

وقال وزير الدفاع السوري علي حبيب في مؤتمر صحفي بمدينة حلب شمال سوريا أمس الثلاثاء إن بلاده أجرت أول مناورات عسكرية برية مشتركة مع تركيا في الربيع الماضي، وإنه اتفق "اليوم" على إجراء مناورات أكثر شمولا وأكبر حجما.

وجاءت تصريحات الوزير السوري عقب انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي بين سوريا وتركيا بمشاركة أكثر من عشرين وزيرا من البلدين لتدشين إلغاء تأشيرات دخول مواطنيهما وسط التأكيد على إستراتيجية العلاقة والتعاون في شتى المجالات.

وفي هذا السياق، اتفقت سوريا وتركيا في ختام اعمال المجلس على ابرام اتفاقيات عدة في مجالات امنية وعسكرية، مبدية انفتاحها على تشكيل مجلس مماثل مع اي دولة عربية تعلن رغبتها في ذلك.

كما تم التحضير خلال اعمال المجلس لعقد ما يزيد عن 30 اتفاقية و10 بروتوكولات ومذكرة تفاهم، تشمل مجالات الدفاع والامن والاقتصاد والصحة والزراعة والري والبيئة والكهرباء والنفط والنقل، ويسعى الطرفان الى ان "تكون جاهزة للتوقيع" خلال زيارة رئيس الوزراء التركي الى سوريا في كانون الاول/ ديسمبر.

وقد أشاد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي أحمد داود أوغلو بقرار أنقرة إلغاء المناورات التي كانت ستشارك فيها "إسرائيل"، وقال إن القرار يعكس الطريقة التي تنظر فيها تركيا إلى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.

يذكر ان وزارتي الداخلية في البلدين قد بدأتا بتنفيذ قرار إلغاء سمات الدخول بينهما اعتباراً من الثامن عشر من الشهر الماضي، بعد توقيعها من قبل وزيري الخارجية وليد المعلم وأحمد داوود أوغلو، وقد نصت الاتفاقية على إلغاء سمات الدخول لحاملي جوازات سفر البلدين الذين يرغبون في زيارة البلد الآخر لمدة لا تزيد على 90 يوماً.

من جهة أخرى، كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اكد أن العلاقات التي تربط تركيا مع سورية مميزة جداً وهي مثال يحتذى من قبل جميع دول المنطقة وقال: إنه بإمكاني الآن الذهاب إلى سورية دون أي مقدمات.

وأشار أردوغان في مقابلة مع قناة العربية أمس الثلاثاء إلى أنه لا بد من تكثيف اللقاءات والزيارات والتواصل بين مختلف دول الشرق الأوسط وخاصة الزيارات دون تأشيرات الدخول ضارباً المثل بالتجربة السورية التركية حيث ألغى الطرفان تأشيرات الدخول وقال: سعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق (شان غان) ونحن مع سورية سنعمل (شام غام).

وحول إلغاء المناورات التركية المشتركة مع إسرائيل قال أردوغان: نحن أخذنا بعين الاعتبار عندما قررنا ذلك ضمير شعبنا وكان علي أن أكون صوتا ناطقا بوجدان شعبي لأن شعبي يرفض مشاركة "إسرائيل" ولذلك تشاورنا مع الجهات المسؤولة وقلنا نعم.. المناورات سوف تجري.. ولكن "إسرائيل" لن تشارك فيها.. وعرض المقترح وقبل.. وستكون مناورات هذه السنة من دون "إسرائيل".

وأضاف: إن إسرائيل لا تنظر إلى تركيا بشكل إيجابي بعد مواقفي في منتدى دافوس وخطابي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة واجتماعات قمة الدول العشرين والتي شكلت نقطة انطلاق وانعطاف حيث حاولت في دافوس أن أكون الناطق بلسان الحق لافتا إلى أنه ما كان علينا أيضا أن نسكت عن أحداث غزة والأطفال والنساء الذين قتلوا وهم أبرياء.

وأضاف أردوغان إن لدينا موقفاً حساساً فيما يتعلق بإثارة تقرير غولدستون حول الانتهاكات الإسرائيلية خلال العدوان على غزة وموظفونا والمسؤولون المكلفون في مجلس الأمن يتابعون الموضوع عن كثب ونحن نكلمهم ونحثهم على متابعة الموضوع ولا بد من طرح التقرير للنقاش ويجب أن يكون على جدول أعمال الجمعية العمومية واعتقد أن الخطوات اللازمة اتخذت.

وقال أردوغان: إن هناك مسؤولية تقع على مجلس الأمن ولكني أرى انه فقد صلاحياته التنفيذية فأي معنى للقرارات التي تتخذ فيه.. فتقرير غولدستون يحتوي أدلة على أن "إسرائيل" استخدمت أسلحة محظورة وأسلحة دمار شامل وارتكبت جرائم ضد الإنسانية وهذا موثق بأدلة وإثباتات واضحة جدا بالتقارير ونحن ما كان بوسعنا أن نغض الطرف وأن نتغاضى وكأن هذه الجرائم لم تقع.. نحن نطمح لعالم يسود فيه السلام ولا نريد أن يكون فيه القوي دائماً يظلم الضعيف والقوي هو الذي يسود.

وقال: إن في غزة مستشفيات ومباني أخرى كلها قصفت وهدمت يعرفها الناس وهي مكشوفة أمام الجميع والأمين العام للأمم المتحدة يعرف ذلك فلماذا نغض الطرف عن هذا الشيء موضحاً إن "إسرائيل" تمنع إعادة إعمار القطاع عبر حصارها المستمر وتمنع دخول الدبلوماسيين والعامة إلى غزة حتى لا يشاهدوا آثار جرائمها وعدوانها هناك.

كتب علي عوباني 


2009-10-14