ارشيف من :آراء وتحليلات
المصالحات: خيار تكتيكي أم استراتيجي وفي حسابات من؟

كتب مصطفى الحاج علي
هل نحن أمام حلم اسمه المصالحات، أم أن ما يحدث هو حقيقة ملموسة؟ مبرر طرح هذا السؤال عميق ويتجاوز حالة الخوف العصابي لدى اللبنانيين، الناجمة عن تجارب سابقة في غاية المرارة، والصادمة لهم بقوة. لا شك في أن اللبنانيين يشتهون عودة الوئام إلى صفوفهم، ويرجون بشدة الخروج من دوامة عدم الاستقرار، والتمترس المتوتر عند خطوط تماس الحروب البينية، لكنهم في الوقت نفسه باتوا حذرين إلى الحد الأقصى ـ وهذا حقهم ـ من أن يكونوا أمام مناورات تذكرنا بمناورات طاولة الحوار قبيل عدوان تموز عام 2006، وبالتالي أن لا يكون التصالح إلا مجرد تكتيك، لا قناعة استراتيجية، يستهدف تحصين المواقع وخطوط الدفاع في سياق الاستعداد لمواجهات لاحقة.
حسناً يفعل الأفرقاء المتصالحون حتى الآن، عندما يؤكدون في كل مناسبة أن السقف السياسي للمصالحات حالياً لا يتطلع إلى انتاج تفاهمات أو تحالفات سياسية جديدة تؤدي بدورها إلى تقويض ما هو قائم، وإنما يندرج في سياق تنفيس الاحتقان واحتواء مضاعفات ومفاعيل الصراع السياسي الذي اتخذ منذ مدة لبوساً طائفياً ومذهبياً وبينياً بالغ الخطورة، وبما يصون أسس الاستقرار الداخلي، ويوفر شبكة أمان معقولة للسلم الأهلي، ويحتوي نيران أي فتنة مذهبية داخلية، وكل ذلك كشرط أساسي وضروري للذهاب نحو إنجاز الانتخابات النيابية في ربيع العام 2009 بأفضل الأجواء والمناخات الأمنية الملائمة.
وحسناً يفعل الأفرقاء المتصالحون عندما يمارسون شفافية واضحة في الكلام عن دوافعهم الخاصة للموافقة على القيام بحركة المصالحة هذه.. إن فهم دوافع كل فريق هو الذي يسمح أولاً بتقديم رؤية واقعية لما يجري، ويسمح ثانياً بتحديد طبيعة هذا الخيار التصالحي ووجهته العامة، ويسمح ثالثاً بفحص امكانيات وفرص واحتمالات تطوره إلى تفاهمات سياسية جديدة.
في هذا الإطار ترتسم أمامنا لوحة الدوافع والأهداف التالية:
بالنسبة الى تيار المستقبل وزعيمه النائب سعد الحريري، لا يمكن قراءة انعطافته المفاجئة وبعد طول ممانعة نحو طريق التصالح مع حزب الله، خارج الآتي:
ـ ادراك هذا التيار أن الاستمرار في ركوب الطريق الصعب الذي كان يركبه، والذي تجسد بما كان يحدث في الشمال والبقاع الأوسط، لن يفضي إلى أي نتائج ايجابية، بل سيرتد عليه بالمزيد من الوقائع السيئة، لا سيما أن البيدر هو بيدر انتخابي.
ـ ادراك هذا التيار أيضاً أن لا سبيل إلى قلب المعادلة الداخلية بالقوة ولا عبر الاستمرار بالتهديد بالفتن المذهبية، لا سيما أن التوازنات الجديدة التي نشأت في لبنان وعلى نحو تراكمي منذ فشل عدوان تموز، باتت معززة بمعادلة دولية وإقليمية، نهضت على فشل المشروع الامبراطوري الاميركي في المنطقة والعالم.
ـ الوضع المحرج الذي وجد فيه تيار المستقبل نفسه بفعل انعطافة رأس حربة فريق 14 آذار النائب وليد جنبلاط باتجاه التصالح مع حزب الله.
ـ حركة التقويم التي قام بها الحاضنون الإقليميون والدوليون لهذا التيار، والتي قدمت نتيجة أساسية خلاصتها أن السياسة المعتمدة خطيرة وخاطئة، وأنه من الأفضل العودة عنها إلى مناخات ايجابية يمكن أن تؤسس فرصاً أفضل لتحقيق ما هو مطلوب من أهداف.
ـ توفير كل الشروط الملائمة منذ الآن لتولي النائب الحريري سدة رئاسة الحكومة، في ما لو نجحت الأكثرية الحالية في المحافظة على أكثريتها، وحتى لو لم تحظَ بهذه الأكثرية، لكن أمكن انتاج تفاهمات سياسية يمكن أن تحمله إلى رئاسة الحكومة.
كل هذه الاعتبارات هي التي دفعت الحريري إلى إعادة التموضع في مساحة التصالح تقنياً، واسترجاع خيار الدولة سياسياً، وتأكيد رفض السلاح أمنياً.
فالتصالح هنا يبدو خيار الضرورة، ومن ضمن عدة شغل واضحة الأهداف: الإصرار على وضع منطق الدولة في مواجهة مع منطق المقاومة، والإصرار على استخدام الدولة طرفا في لعبة تعديل التوازنات الداخلية، ما يعني أن التصالح هنا تكتيك في لعبة صراع، بعد فشل استخدام الخيارات والبدائل العنفية، وهو بذلك لا يشير إلى قناعة أو خيار استراتيجي، بقدر ما يشير إلى التزام تقني ـ سياسي، هدفه التهدئة في سياق مسار مفتوح على احتمالات متعددة.
بالنسبة الى حزب الله تبدو الصورة مختلفة تماماً، فالحزب منذ نشوء الأزمة اللبنانية في عام 2005 يحرص على سياسة اليد المفتوحة وعلى الشراكة الوطنية، وعلى رفض الاستئثار ومنطق الاستقواء ومنطق العزل، وعلى رفض كل ما من شأنه أن يمس الاستقرار الداخلي ومقومات السلم الأهلي.. كل ذلك يستند إلى قناعات وثوابت استراتيجية لديه أهمها:
أولاً: القناعة بأن تركيبة لبنان الطائفية والسياسية وطبيعة نظامه السياسي، لا يمكن أن تسمح لأحد بالاستفراد أو الاستئثار بحكمه، وأن كل محاولة من هذا النوع هي مشروع حروب أهلية لا تنتهي. من هنا الإصرار على الأقل في هذه المرحلة تاريخياً، على اعتماد مبدأ الديموقراطية التوافقية.
ثانياً: إن السلم الأهلي والاستقرار الداخلي مطلب حيوي، لأنه المدخل لتماسك الجبهة الداخلية التي تسمح بالتفرغ الكامل لتوفير كل مستلزمات حماية لبنان إزاء أي أخطار تهدده من قبل الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: لا مصلحة إطلاقاً لحزب الله في نشوء أي صراع مذهبي سني ـ شيعي، إدراكاً منه أن هذا الصراع هو مطلب اميركي ـ اسرائيلي وربما بعض عربي أيضاً، وأن المطلوب من هذا الصراع وضع الحواجز المذهبية أمام تنامي حالة المقاومة في المنطقة.
من هنا فإن التصالح أو الصلح بالنسبة الى حزب الله هو خيار استراتيجي وليس مسألة تكتيكية، الأمر الذي يؤكد بدوره أن الثابت الأساس بالنسبة لقوة حزب الله هو وجهتها نحو العدو الإسرائيلي، وأي استثناء فهو عارض، والهدف منه توفير الشروط الضرورية لإنجاز هذا الهدف، ودفع الأطراف للتلاقي مجدداً ولو بقوة الضغط.
هل يعني هذا أننا أمام تصالح ظرفي أو تكتيكي فحسب، أم أننا أمام مسار قابل للتطور؟
برغم الفروق النوعية في الدوافع والأهداف، إلا أنه يمكن القول ان هناك مساحات مشتركة قابلة للتطور، وتوفر الأرضية لتفاهمات لاحقة أكبر، أبرزها:
أولاً: قناعة الطرفين بضرورة الخروج من خطوط التماس المذهبية، والعمل بالتالي على توفير مناخات ايجابية تسمح بتنفيس الاحتقان المذهبي وترطيب أجوائه، من دون أن يعني ذلك أن هذا التهديد المشترك سيصبح وراء الطرفين، لأن ازالته نهائياً يتطلب مساعي وإجراءات دؤوبة تتجاوز الإجراءات الفنية الصغيرة، باتجاه إعادة بلورة خيارات وطنية مشتركة في الحد الأقصى، وباتجاه اعادة موضعة أي خلاف في اطاره السياسي كحد أدنى.
ثانياً: اخراج الدولة من بؤرة الصراع والتجاذب، فالجميع مسلم بخيار الدولة، وإن كان من خلاف فهو حول طبيعة هذه الدولة، أي، أي دولة نريد؟ وبالتالي المطلوب عدم تمويه البعض شهداء السلطوية بقناع الدولة.
ان الدولة مشروع قابل للحوار والأخذ والرد، وبالتالي ليست المشكلة فيه، وإنما المشكلة في الذين ما زالوا يصرون على الاستئثار بالسلطة على حساب الجميع، وعندما يقر هؤلاء بأن لا غنى عن الشراكة مهما كانت حصيلة التوازنات الانتخابية، نكون قد وضعنا لبنان على سكة استقرار سياسي فعلي.
ثالثاً: الخروج نهائياً من لعبة الخلط المقصود بين سلاح الميليشيات وسلاح المقاومة، والتعامل مع هذا السلاح كأنه أمر واحد من المفهوم والمقبول.. أن ترفض جميعاً سلاح الميليشيات لأنه سلاح غير شرعي وغير قانوني، ولأنه كان عامل تهديد بالحروب الداخلية، لكن لا مبرر ولا مفهوم ولا مقبول أخذ سلاح المقاومة بجريرة سلاح الميلشيات.
خلاصة القول.. انطلق قطار التصالح، وهذا أمر جيد، لكنه قطار في رحلة الألف ميل، وسط مرحلة انتقالية بالغة الدقة اقليمياً ودولياً، ومرحلة محفوفة بالكثير من الألغام والأخطار، الأمر الذي يفرض على الراغبين حقاً في بلوغ هذا القطار نهاياته السعيدة، توفير كل جهد ضروري لنسج شبكة أمان وحماية له على كل المستويات.
الانتقاد/ العدد 1303 ـ 30 أيلول/ سبتمبر 2008
هل نحن أمام حلم اسمه المصالحات، أم أن ما يحدث هو حقيقة ملموسة؟ مبرر طرح هذا السؤال عميق ويتجاوز حالة الخوف العصابي لدى اللبنانيين، الناجمة عن تجارب سابقة في غاية المرارة، والصادمة لهم بقوة. لا شك في أن اللبنانيين يشتهون عودة الوئام إلى صفوفهم، ويرجون بشدة الخروج من دوامة عدم الاستقرار، والتمترس المتوتر عند خطوط تماس الحروب البينية، لكنهم في الوقت نفسه باتوا حذرين إلى الحد الأقصى ـ وهذا حقهم ـ من أن يكونوا أمام مناورات تذكرنا بمناورات طاولة الحوار قبيل عدوان تموز عام 2006، وبالتالي أن لا يكون التصالح إلا مجرد تكتيك، لا قناعة استراتيجية، يستهدف تحصين المواقع وخطوط الدفاع في سياق الاستعداد لمواجهات لاحقة.
حسناً يفعل الأفرقاء المتصالحون حتى الآن، عندما يؤكدون في كل مناسبة أن السقف السياسي للمصالحات حالياً لا يتطلع إلى انتاج تفاهمات أو تحالفات سياسية جديدة تؤدي بدورها إلى تقويض ما هو قائم، وإنما يندرج في سياق تنفيس الاحتقان واحتواء مضاعفات ومفاعيل الصراع السياسي الذي اتخذ منذ مدة لبوساً طائفياً ومذهبياً وبينياً بالغ الخطورة، وبما يصون أسس الاستقرار الداخلي، ويوفر شبكة أمان معقولة للسلم الأهلي، ويحتوي نيران أي فتنة مذهبية داخلية، وكل ذلك كشرط أساسي وضروري للذهاب نحو إنجاز الانتخابات النيابية في ربيع العام 2009 بأفضل الأجواء والمناخات الأمنية الملائمة.
وحسناً يفعل الأفرقاء المتصالحون عندما يمارسون شفافية واضحة في الكلام عن دوافعهم الخاصة للموافقة على القيام بحركة المصالحة هذه.. إن فهم دوافع كل فريق هو الذي يسمح أولاً بتقديم رؤية واقعية لما يجري، ويسمح ثانياً بتحديد طبيعة هذا الخيار التصالحي ووجهته العامة، ويسمح ثالثاً بفحص امكانيات وفرص واحتمالات تطوره إلى تفاهمات سياسية جديدة.
في هذا الإطار ترتسم أمامنا لوحة الدوافع والأهداف التالية:
بالنسبة الى تيار المستقبل وزعيمه النائب سعد الحريري، لا يمكن قراءة انعطافته المفاجئة وبعد طول ممانعة نحو طريق التصالح مع حزب الله، خارج الآتي:
ـ ادراك هذا التيار أن الاستمرار في ركوب الطريق الصعب الذي كان يركبه، والذي تجسد بما كان يحدث في الشمال والبقاع الأوسط، لن يفضي إلى أي نتائج ايجابية، بل سيرتد عليه بالمزيد من الوقائع السيئة، لا سيما أن البيدر هو بيدر انتخابي.
ـ ادراك هذا التيار أيضاً أن لا سبيل إلى قلب المعادلة الداخلية بالقوة ولا عبر الاستمرار بالتهديد بالفتن المذهبية، لا سيما أن التوازنات الجديدة التي نشأت في لبنان وعلى نحو تراكمي منذ فشل عدوان تموز، باتت معززة بمعادلة دولية وإقليمية، نهضت على فشل المشروع الامبراطوري الاميركي في المنطقة والعالم.
ـ الوضع المحرج الذي وجد فيه تيار المستقبل نفسه بفعل انعطافة رأس حربة فريق 14 آذار النائب وليد جنبلاط باتجاه التصالح مع حزب الله.
ـ حركة التقويم التي قام بها الحاضنون الإقليميون والدوليون لهذا التيار، والتي قدمت نتيجة أساسية خلاصتها أن السياسة المعتمدة خطيرة وخاطئة، وأنه من الأفضل العودة عنها إلى مناخات ايجابية يمكن أن تؤسس فرصاً أفضل لتحقيق ما هو مطلوب من أهداف.
ـ توفير كل الشروط الملائمة منذ الآن لتولي النائب الحريري سدة رئاسة الحكومة، في ما لو نجحت الأكثرية الحالية في المحافظة على أكثريتها، وحتى لو لم تحظَ بهذه الأكثرية، لكن أمكن انتاج تفاهمات سياسية يمكن أن تحمله إلى رئاسة الحكومة.
كل هذه الاعتبارات هي التي دفعت الحريري إلى إعادة التموضع في مساحة التصالح تقنياً، واسترجاع خيار الدولة سياسياً، وتأكيد رفض السلاح أمنياً.
فالتصالح هنا يبدو خيار الضرورة، ومن ضمن عدة شغل واضحة الأهداف: الإصرار على وضع منطق الدولة في مواجهة مع منطق المقاومة، والإصرار على استخدام الدولة طرفا في لعبة تعديل التوازنات الداخلية، ما يعني أن التصالح هنا تكتيك في لعبة صراع، بعد فشل استخدام الخيارات والبدائل العنفية، وهو بذلك لا يشير إلى قناعة أو خيار استراتيجي، بقدر ما يشير إلى التزام تقني ـ سياسي، هدفه التهدئة في سياق مسار مفتوح على احتمالات متعددة.
بالنسبة الى حزب الله تبدو الصورة مختلفة تماماً، فالحزب منذ نشوء الأزمة اللبنانية في عام 2005 يحرص على سياسة اليد المفتوحة وعلى الشراكة الوطنية، وعلى رفض الاستئثار ومنطق الاستقواء ومنطق العزل، وعلى رفض كل ما من شأنه أن يمس الاستقرار الداخلي ومقومات السلم الأهلي.. كل ذلك يستند إلى قناعات وثوابت استراتيجية لديه أهمها:
أولاً: القناعة بأن تركيبة لبنان الطائفية والسياسية وطبيعة نظامه السياسي، لا يمكن أن تسمح لأحد بالاستفراد أو الاستئثار بحكمه، وأن كل محاولة من هذا النوع هي مشروع حروب أهلية لا تنتهي. من هنا الإصرار على الأقل في هذه المرحلة تاريخياً، على اعتماد مبدأ الديموقراطية التوافقية.
ثانياً: إن السلم الأهلي والاستقرار الداخلي مطلب حيوي، لأنه المدخل لتماسك الجبهة الداخلية التي تسمح بالتفرغ الكامل لتوفير كل مستلزمات حماية لبنان إزاء أي أخطار تهدده من قبل الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: لا مصلحة إطلاقاً لحزب الله في نشوء أي صراع مذهبي سني ـ شيعي، إدراكاً منه أن هذا الصراع هو مطلب اميركي ـ اسرائيلي وربما بعض عربي أيضاً، وأن المطلوب من هذا الصراع وضع الحواجز المذهبية أمام تنامي حالة المقاومة في المنطقة.
من هنا فإن التصالح أو الصلح بالنسبة الى حزب الله هو خيار استراتيجي وليس مسألة تكتيكية، الأمر الذي يؤكد بدوره أن الثابت الأساس بالنسبة لقوة حزب الله هو وجهتها نحو العدو الإسرائيلي، وأي استثناء فهو عارض، والهدف منه توفير الشروط الضرورية لإنجاز هذا الهدف، ودفع الأطراف للتلاقي مجدداً ولو بقوة الضغط.
هل يعني هذا أننا أمام تصالح ظرفي أو تكتيكي فحسب، أم أننا أمام مسار قابل للتطور؟
برغم الفروق النوعية في الدوافع والأهداف، إلا أنه يمكن القول ان هناك مساحات مشتركة قابلة للتطور، وتوفر الأرضية لتفاهمات لاحقة أكبر، أبرزها:
أولاً: قناعة الطرفين بضرورة الخروج من خطوط التماس المذهبية، والعمل بالتالي على توفير مناخات ايجابية تسمح بتنفيس الاحتقان المذهبي وترطيب أجوائه، من دون أن يعني ذلك أن هذا التهديد المشترك سيصبح وراء الطرفين، لأن ازالته نهائياً يتطلب مساعي وإجراءات دؤوبة تتجاوز الإجراءات الفنية الصغيرة، باتجاه إعادة بلورة خيارات وطنية مشتركة في الحد الأقصى، وباتجاه اعادة موضعة أي خلاف في اطاره السياسي كحد أدنى.
ثانياً: اخراج الدولة من بؤرة الصراع والتجاذب، فالجميع مسلم بخيار الدولة، وإن كان من خلاف فهو حول طبيعة هذه الدولة، أي، أي دولة نريد؟ وبالتالي المطلوب عدم تمويه البعض شهداء السلطوية بقناع الدولة.
ان الدولة مشروع قابل للحوار والأخذ والرد، وبالتالي ليست المشكلة فيه، وإنما المشكلة في الذين ما زالوا يصرون على الاستئثار بالسلطة على حساب الجميع، وعندما يقر هؤلاء بأن لا غنى عن الشراكة مهما كانت حصيلة التوازنات الانتخابية، نكون قد وضعنا لبنان على سكة استقرار سياسي فعلي.
ثالثاً: الخروج نهائياً من لعبة الخلط المقصود بين سلاح الميليشيات وسلاح المقاومة، والتعامل مع هذا السلاح كأنه أمر واحد من المفهوم والمقبول.. أن ترفض جميعاً سلاح الميليشيات لأنه سلاح غير شرعي وغير قانوني، ولأنه كان عامل تهديد بالحروب الداخلية، لكن لا مبرر ولا مفهوم ولا مقبول أخذ سلاح المقاومة بجريرة سلاح الميلشيات.
خلاصة القول.. انطلق قطار التصالح، وهذا أمر جيد، لكنه قطار في رحلة الألف ميل، وسط مرحلة انتقالية بالغة الدقة اقليمياً ودولياً، ومرحلة محفوفة بالكثير من الألغام والأخطار، الأمر الذي يفرض على الراغبين حقاً في بلوغ هذا القطار نهاياته السعيدة، توفير كل جهد ضروري لنسج شبكة أمان وحماية له على كل المستويات.
الانتقاد/ العدد 1303 ـ 30 أيلول/ سبتمبر 2008