ارشيف من :أخبار عالمية
مخيم"شعفاط" يضم أكبر عدد من اللاجئين بين مخيمات الضفة الغربية
القدس المحتلة ـ الانتقاد
"في قعدة ختيارية" وسط مخيم شعفاط شرقي مدينة القدس، راح الحاج منير جابر "أبو خليل"، الذي يقارب السبعين من عمره، يحكي رواية أهالي المخيم التي تتساوى فيها الهجرات والمآسي ولا تنتهي أبدا.
جاء العم أبو خليل منذ 43 عاما، كما معظم سكان مخيم شعفاط، من حارة الشرف بالبلدة القديمة في القدس، في حملة اجتثاث طالت حينها أكثر من ألفي عائلة مهجرة أصلا من 56 قرية ومدينة خلال نكبة عام 1948، وتكشف لاحقا أن طردهم كان مقدمة لاستكمال احتلال القدس في الخامس من حزيران عام 1967.
وكما معظم كبار السن "الختيارية باللهجة الفلسطينية" يظل أبو خليل يردد المجزرة التي وثقتها عيناه، عندما "اقتحمت العصابات الصهيونية قريته دير ياسين وقامت بقتل الأهالي "عن جنب وطرف".
هجرات متتالية
"بعد معركة القسطل بيوم، وفي ليلة الجمعة سمعنا صوت طخ قوي في كل البلد"، يروي أبو خليل، "وكان أبي من رجال الثورة وغائبا عن البيت، حملتنا أمي مع أخوتي وهربنا إلى بيت عمتي المجاور للاحتماء بهم..".
وفي بيت العمة، تجمع منير وأمه وأشقاؤه وعمه وابنه، وبعد دقائق فقط، كانت القنابل تنزل على منزلهم، وتمكنت العصابات من خلع الباب، وقتلوا شقيقه الأكبر فؤاد في حضن أمه التي "ارتبط لسانها"، وأعدم عمه وابنه أمام الصغار أيضا.
ثم يضيف: "هربنا لساحة البلد، وفي الطريق كنا نشوف جثث، وبعيني رأيتهم يلقون أب وابنه في فرن البلد المشتعل.."..
وبعد يوم واحد، أجبر سكان دير ياسين على الهجرة، وتشتت الناس في القدس والخليل والمناطق القريبة... يصمت أبو خليل وكأن الذاكرة تروي حدثا صار قبل حين... ثم يضيف: "بحث أبي عنا لشهر كامل ثم وجدنا في الخليل..".
وقصة أبي خليل مع الهجرة الأولى، هي ذاتها رواية أهالي المخيم كافة، الذين عاشوا هجرات متوالية من قرى القباب والنبي داوود وأبو شوشة واللد والرملة وبيت ثول وغيرها.. إلى محطات متفرقة قبل أن تجمعهم حارة الشرف في القدس، وتشتتهم المخططات الإسرائيلية قبيل سقوط القدس إلى مخيم شعفاط.
45 ألف لاجئ
وفي المخيم الذي يضم أكبر عدد من اللاجئين بين مخيمات الضفة الغربية بما فيها القدس، حيث يبلغ عدد سكانه قرابة 45 ألف نسمة، يكبرون ويتكاثرون وتبقى الأرض على حالها.
ويقول رئيس اللجنة الشعبية لمخيم شعفاط خضر الدبس إن وكالة الغوث استأجرت عام 1964 أرض المخيم بمساحة 203 دونمات وبنت عليها وحدات سكنية "غرفة واحدة مع مساحة ضيقة بجانبها" لكل عائلة بدون أي خدمات تذكر.
وعندما أجبرت ألفا عائلة من حي الشرف على الرحيل، أُحضِروا إلى "مخيم شعفاط" على بعد 4 كيلومترات شرق القدس، وكانت العلامة الفارقة في المكان سيل من المجاري يقطع المخيم من شماله إلى جنوبه وآخر من شرقه إلى غربه، بلا خدمات الصرف الصحي أو مياه أو كهرباء.
"بعد 43 عاما على إقامة المخيم لا نزال نعيش النكبة"، كما يقول رئيس اللجنة الشعبية، "ففضلا عن حرمان السكان من بلادهم الأصلية، هم هنا محرومون من الحقوق الإنسانية كبشر، ولا يحق لهم التوسع والبناء إلا عموديا بفعل محدودية المساحة، كما يعانون من فقدان الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية إلا في حدود دنيا".
حصار المخيم
وشكل إغلاق المخيم ببوابة حديدية تفصله عن مدينة القدس وتسمى "المعبر" عاملا قاصما في تدهور الأوضاع الاقتصادية لسكانه الذين يحمل غالبيتهم هوية القدس، حيث بلغت نسبة الفقر أكثر من 40% فيما البطالة تزيد عن 20% في أوساط الشباب خاصة.
وكما البوابة على مدخله الشمالي، يحاصر مخيم شعفاط جدار أسمنتي بدأ الاحتلال بناءه عام 2004 من جهاته الثلاث الأخرى، حتى يشعر الداخل للمخيم بالهواء المزدحم بالغبار وضغط المكان المغلق.
"النكبة ما بتموت"
وتتواصل نكبات المخيمات بمأساة جديدة، "الناس ماتوا والنكبة ما بتموت" كما يعلق الحاج خليل، ويتمثل ذلك في تهديد الاحتلال بهدم 55 شقة سكنية في ست عمارات بحي رأس خميس ورأس شحادة في الجزء الشمالي الشرقي للمخيم، بدعوى البناء بدون ترخيص.
ويوضح رئيس اللجنة الشعبية، أن الهجمة على الحيّين اللذين يشكلان امتدادا سكانيا للمخيم، جاءت بعد ادعاء مستوطني مستعمرة بسغات زئيف بأن أهالي شعفاط يهددون أمن المستعمرة من خلال البناء على الأراضي المجاورة.
ويؤكد خضر أن المستعمرة التي بنيت على أراضي بيت حنينا وحزما شمال القدس، أقيمت عام 1995 أي بعد إنشاء المخيم بسنوات طويلة، "واليوم يأتي المستوطنون لينفذوا مخطط تهجير السكان من جديد لعزل القدس ومنع أهلها عنها".
"ما بنفع الحكي"
ويختم العم أبو خليل حديث المخيم بالقول: "شو بدو يحكي الواحد، اشتغلت 56 سنة في البناء والقصارة... وكله بلا فائدة، ما زلنا نعيش في مخيم سيئ لا يأتينا منه سوى المرض والفقر... بيتنا في دير ياسين على مرمى النظر.. ولا نصله، ما بنفع الحكي...عالفاضي" ينهي حديثه.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018