ارشيف من :أخبار عالمية
الحرب الثالثة: بعد أفغانستان والعراق، أميركا تتورط في باكستان!
عقيل الشيخ حسين
ورد كلام لبعض كبار المسؤولين الأميركيين مفاده أن أفغانستان وباكستان بلدان، ولكنهما مسرح لحرب واحدة تخوضها الولايات المتحدة مع حلفائها المحليين والأطلسيين ضد طالبان والقاعدة. صحيح. لكن هذا المسرح الواحد أكبر بكثير وينطوي على مخاطر أشد بكثير مما هي عليه الحال في الجانب الأفغاني وحده. فإذا كان هنالك شبه إجماع من المراقبين على أن هزيمة الأميركيين في الجانب الأفغاني قد اصبحت واضحة للعيان، وأنها ستكون مدوية بقدر أكبر بكثير من تلك التي مني بها السوفيات وقبلهم البريطانيون، فإن هزيمتهم في باكستان ستكون مضاعفة لمرات عدة مع كل ما لذلك من تداعيات على مستقبل المنطقة وأميركا نفسها.
وقد بات من المعروف أن باكستان قد استعملت من قبل الأميركيين كمنطلق للهجوم على أفغانستان، فبها تمر خطوط التموين والإمدادات، وفيها تتم تعبئة الحشود العسكرية، إضافة إلى إسهامها المباشر في الحرب أقله عبر مراقبة حدودها لمنع تسرب أي دعم إلى المقاومة الأفغانية.
لكن الصورة لم تلبث أن انقلبت رأساً على عقب، مع انتقال باكستان من حيز يدعم التحرك الأميركي في أفغانستان إلى حيز يعرقل هذا التحرك ومن ثم، إلى حيز سرعان ما تحول إلى جبهة قائمة بذاتها في مواجهة الوجود الأميركي. فقد ظهرت في باكستان طالبان أخرى، باكستانية، والناظر في تاريخها منذ ولادتها، منذ نشأتها كفصائل غير مترابطة مع بدء الغزو الأميركي لأفغانستان، وصولاً إلى توحد هذه الفصائل، قبل عامين، يلاحظ أنها تتحول بسرعة إلى لاعب أساسي على الساحة الباكستانية، وإلى عنصر مؤثر جداً على الساحة الأفغانية.
تكفي الإشارة مثلاً إلى الحروب الثلاث التي شنها الجيش الباكستاني على منطقة القبائل والتي كان يعلن في كل واحدة منها عن استئصاله للمتمردين، وكذلك إلى القصف الجوي الأميركي المتواصل الذي كثيراً ما أوقع مئات الضحايا المدنيين، إضافة إلى المقاتلين وقياداتهم.
وتشير كل الدلائل إلى أن السلطات الباكستانية، على اختلاف الوجوه والحكومات، تدرك خطورة التورط في هذه الحروب مع مناطق القبائل. فبعد الحرب الثانية في وزيرستان برز اتجاه حكومي للتفاهم مع رجال القبائل. وللحال، قامت الدنيا ولم تقعد في الغرب، ولم يبق مسؤول غربي من دون أن يرفع صوته بإدانة التوجه الرسمي الباكستاني الذي وجهت إليه تهم دعم الإرهاب.
وللحال، تم إقناع النظام الباكستاني بمهاجمة المناطق القبلية، وحصل ذلك النظام على مساعدات بقيمة 11 مليار دولار لقاء ذلك، إضافة إلى المساعدة السنوية التي تبلغ ملياراً ونصف المليار. وبالفعل، هجم الجيش الباكستاني على وادي سوات في شباط / فبراير الماضي وتمكن، بحسب تصريحات مسؤوليه، من كسر شوكة المتمردين بعد شهور من حرب مضنية وعالية التكاليف.
لكن، وقبل أن يجف عرق الجيش الباكستاني، عادت طالبان باكستان لتضرب من جديد. في المناطق القبلية وخارجها. وجاءت الضربات لافتة من حيث عنفها ونوعيتها. أكثر من مئة هجوم صرح وزير الداخلية الباكستاني أنها صدت من قبل قوى الأمن والجيش. لكن الأبرز فيها أربع عمليات شنت في الأيام القليلة الماضية في مناطق مختلفة من البلاد وأوقعت مئات القتلى والجرحي من المدنيين والعسكريين. إحدى هذه الهجمات استهدفت مقر القيادة العامة للجيش الباكستاني في روالبندي، وأثارت قلق الأميركيين، حيث استمرت المواجهات ليومين متتاليين. وهجوم آخر على مقر إحدى البعثات الدولية أسفر عن مقتل خمسة من المبعوثين...
باختصار، بعد أن كان من المفترض أن المتمردين قد تم استئصالهم في منطقة القبائل، ها هم يضربون بشدة خارج حدود تلك المنطقة، ويعلنون عزمهم على توجيه الضربات متى يشاؤون وفي أي مكان يشاؤون. كما ان ضرباتهم تطال قوافل الإمدادات الأميركية التي تعبر الأراضي الباكستانية باتجاه أفغانستان، وتلحق بها يومياً أضراراً فادحة باتت تهدد بوقف هذه الإمدادات.
ومع الهجمات الأخيرة، عاد الأميركيون إلى النغمة المعروفة: اتهام الجيش الباكستاني واستخباراته بالتواطؤ مع طالبان. الهدف واضح: الضغط والابتزاز بهدف دفعه إلى شن حرب جديدة. وبالفعل، فإن الهجوم الواسع النطاق على منطقة القبائل يتم على قدم وساق. والنتيجة معروفة منذ الآن: هجوم، وكلام عن اجتثاث المتمردين، ثم عودة المتمردين إلى توجيه الضربات من جديد وبقوة أكبر...
وفي غضون ذلك تستجد خلافات بين الجيش والحكومة حول أوجه صرف المعونة الأميركية، ويحتدم التوتر بين الحكومة والمعارضة بالأشكال الديموقراطية، ويظل التوتر الباكستاني الهندي قائماً، إضافة إلى التدهور الكبير في الوضع الاقتصادي والاجتماعي في باكستان، وإلى الكلام الصريح عن نيات انفصالية تبرز هنا وهناك.
صحيح أن الأميركيين يقاتلون الباكستانيين بالباكستانيين ويكتفون بدفع الأموال واستخدام طائرات بلا طيار. وقد يتمكنون من إنهاك باكستان وتفكيكها وإقامة وضع ملائم لاستراتيجياتهم في باكستان وآسيا الوسطى حول معاقل شبيهة بسفارتهم التي بدأوا ببنائها في قلب إسلام آباد على مساحة 180 كيلومتراً مربعاً. سفارة / قاعدة عسكرية يعشش فيها مئات الجنود ورجال المخابرات. لكن الصحيح أيضاً، وهذا ما تعترف به كبريات الصحف الأميركية، أن موجة العداء لأميركا تتصاعد في باكستان، على جميع المستويات، في الحكومة والجيش والشارع... وأن التورط الأميركي في أفغانستان قد ينجلي عن نزهة بالقياس إلى ما ستسفر عنه المعمعة الباكستانية.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018