ارشيف من :أخبار عالمية

العراق: قانون الانتخابات .. وعقدة كركوك مرة جديدة

العراق: قانون الانتخابات .. وعقدة كركوك مرة جديدة

بغداد:عادل الجبوري
انتهت النقاشات والسجالات الحادة والساخنة تحت قبة مجلس النواب العراقي الى ترحيل مشروع قانون الانتخابات الى المجلس السياسي للامن الوطني، على امل حسمه من قبل قادة ورؤساء الكتل السياسية،كما هو الحال مع قضايا اخرى سابقة اتخذت نفس المسار بعدما وصلت النقاشات والسجالات بين اعضاء البرلمان بشأنها الى طرق موصدة.
وكما هو متوقع فأن كركوك كانت العقدة والاشكالية الحقيقية امام تمرير القانون في البرلمان، بعدما حسمت الاختلافات والتقاطعات بشأن النقاط الخلافية الاخرى.
حينما طرح مشروع القانون قبل بضعة اسابيع كانت هناك عدة نقاط خلافية بين القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، ومن تلك النقاط الخلافية، القائمة المفتوحة والمغلقة، والدائرة الواحدة والدوائر المتعددة، وعدد مقاعد مجالس النواب، وحصة الاقليات والنساء، اضافة الى كركوك.
ويبدو ان التقاطعات والاختلافات حول مختلف النقاط لم تكن حادة جدا، او انها في تقدير مختلف الفرقاء قابلة للحسم بطريقة او بأخرى، وهذا ماافرزته وقائع الاسابيع القلائل الماضية، فبينما بدا على سبيل المثال ان خيار القائمة المفتوحة او القائمة المغلقة، هو العقدة والاشكالية، لاسيما وان مختلف المنابر السياسية والدينية والوسائل الاعلامية افردت حيزا كبيرا لهذا الموضوع، فأن التوجه العام في ظاهر الامر نحو القائمة المفتوحة اختصر الكثير من السجالات وبلور رؤية موحدة تقريبا.
وبما ان ما يمكن تسميتها بـ"عقدة كركوك"، يكتنفها قدرا كبيرا من الخلافات الجوهرية وليس الشكلية بين المكونات العربية والكردية والتركمانية المشكلة للواقع الديموغرافي للمدينة، فأن تلك العقدة طغت على النقاط الخلافية في مشروع القانون، وكان واضحا انه كلما تعمق الجدل والنقاش كلما ازداد تعقيدا وتأزما.
فمصادر مطلعة في مجلس النواب اكدت انه كاد الفرقاء يتوصلون الى اتفاق وتوافق مرضي، ولاحت بوادر انفراجات الازمة، لكن سرعان ما عادت الامور الى الووراء حينما طرحت ملاحظات ومقترحات متناقضة بشأن بعض العبارات والمصطلحات التي ينبغي تضمينها في القانون.
وتقول المصادر المطلعة "ان اللحظات الاخيرة قبيل جلسة يوم الاربعاء الماضي لمجلس النواب شهدت تبلور توافق بين المكونات الرئيسية الثلاثة حول قضية كركوك، بيد انه فجأة تبدلت الاراء وتم تأجيل الجلسة لحين التوصل الى تسوية، لان احد الاطراف اعترض على تشخيص مدينة كركوك في القانون، مطالبا بأن تكون التسمية (المناطق المتنازع عليها)، بينما برز رأي اخرى بتسميتها المحافظات التي يطعن في سجلاتها، لتبرز اعتراضات حادة حول من المعني بالطعن"، وهكذا  فأن الامور بقيت تدور في حلقة مفرغة، في خضم تصورات ومقترحات متباينة، تعكس حجم الاختلاف والتقاطع الكبيرين بين الفرقاء.
ومن الحلول المطروحة لفك "عقدة كركوك" هي ان يصار الى الاخذ بنظام الكوتا، بتخصيص سبعة مقاعد للاكراد واربعة مقاعد للعرب، واثنان للتركمان، وقد قوبل هذا المقترح برفض كردي حازم، ونفس الشيء مع مقترح اخر مفاده تشكيل لجنة من وزارات الداخلية والتجارة والتخطيط لاعادة تدقيق سجل الناخبين ومقارنته بسجلات احصاء عام 1957، فقد قوبل هو الاخر بالرفض لاسباب بعضها سياسية وبعضها الاخر فنية.
والحقيقة التي ينبغي عدم التغافل عنها او تجاوزها هي انه اذا كانت "عقدة كركوك" قد القت بظلالها على مشروع قانون الانتخابات، ودفعت به الى منعطفات حرجة ونقاط خطيرة، فأنها في واقع الامر ستلقي بظلالها على كل مفاصل العملية السياسية، وخصوصا تلك التي تنطوي على تداخلات وتشابكات في المصالح والحسابات والاجندات، وعلى صعيد الجغرافية والتركيبة السكانية بين المكونات المختلفة.
واذا كان هناك اليوم من يدعو الى الاحتكام للمادة 140 من الدستور العراقي، فأنه قد لايدرك تماما ان تلك المادة بحد ذاتها ، تضيف من حيث صياغاتها ومضامينها قدرا اكبر من التعقيد على "عقدة كركوك".
ويمكن القول ان قضية كركوك والمادة 40، رسمت خريطة اخرى للاصطفافات السياسية بدت وكأنها لاتمت بأية صلة الى عموم الواقع السياسي القائم.
ومن دون شك فأنه حتى في عهد نظام صدام حسين كان الجميع يدركون ان ملف كركوك الشائك والمعقد والخاضع لمعادلات داخلية وخارجية حساسة وخطيرة، سيكون حاضرا طوال الوقت كعامل معرقل امام الوصول الى صيغة شمولية مناسبة للمشاركة في الحكم.
وبات الامر بعد التاسع من نيسان/أبريل من عام 2003 اكثر حساسية وخطورة، لان كل الاطراف وجدت نفسها في قلب المشكلة، او بتعبير اخر هي ارادت ان لاتغيب عن المشهد، حتى لايصار الى عقد صفقات سياسية من أي نوع لاتكون هي رقما فيها، وبالتالي تضيع حقوقها المفترضة او تلك التي ترى هي انها حقوق لها.
ولاشك ان هناك جملة صعوبات وتعقيدات لفك العقدة ، منها، ان موضوع كركوك مرتبط بحسب ما يشير الدستور بكل المناطق المتنازع عليها، وعملية الحسم لها ينبغي مثلما يقول سياسيون من تيارات مختلفة ان تتم بحزمة واحدة، ومما تجدر الاشارة اليه ان بعض وسائل الاعلام العراقية والعربية والاوساط السياسية طرحت في مناسبات سابقة مسألة الخلافات بين مدينتي كربلاء والانبار حول ترسيم الحدود الادارية بينهما، التي تلاعب بها النظام السابق لاعتبارات طائفية.
والامر الثاني، ان الامم المتحدة المعنية بالاشراف على اية عملية استفتاء او انتخابات في العراق، اعلنت اكثر من مرة بكل وضوح وصراحة انها غير مهيأة لانجاز عملية صعبة ومعقدة وحساسة من هذا القبيل في غضون فترة زمنية قصيرة، وتؤكد انها تحتاج الى وقت طويل الارضات المناسبة للاستفتاء، ناهيك عن انه لابد ان يسبق هذه العملية عملية احصاء سكاني دقيق، من المفترض ان تكون لجنة تطبيق المادة 140معنية به. وعملية الاحصاء السكاني العام تحتاج اول ما تحتاج اليه اوضاع امنية مستقرة. ونفس الشيء يصدق على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي ما زالت حتى الان تعاني من الارتباكات وتطرح عليها ملاحظات ومؤاخذات كثيرة، ومعروف ان الاحصاء السكاني العام تأجل الى شهر تشرين الاول/ أكتوبر من العام المقبل.
والامر الثالث، هو ان الولايات المتحدة الاميركية ربما تسعى الى وضع ملف كركوك على الرف، او بأدنى تقدير ابقائه يدور في حلقة مفرغة  في المرحلة الراهنة، لانها لاتريد اثارة حفيظة واستفزاز تركيا حليفتها الرئيسية في المنطقة، التي تعد كركوك خطا احمرا لاينبغي للاكراد العراقيين تجاوزه.
كل ذلك وربما غيره، من الطبيعي ان يطرح على طاولة الجدل والسجال ليتداخل ويتشابك مع قضايا اخرى، ليرسم مشهدا مرتبكا في جانب منه وغامضا في جانب اخر منه.
وصورة التجاذبات والسجالات الاخيرة تحت قبة البرلمان، ستنتقل الى اروقة المجلس السياسي للامن الوطني، ومن المستبعد جدا ان ينجح الاخير في التوصل الى حل سحري خلال وقت قصير جدا، يتيح فتح افق واضح ومشخص نحو الاستحقاق الانتخابي المقبل، والتوصل الى مخرج توافقي مناسب لن يكون الا بصيغة تقوم على ترحيل "عقدة كركوك" او في افضل الاحوال حلحلتها لبعض الوقت، وليس الى حلها، لان ذلك يبدو شبه مستحيل، بل ربما مستحيلا. 

2009-10-22