ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: من يحكم العالم؟

بقلم الرصاص: من يحكم العالم؟
كتب نصري الصايغ
1 ـ امبراطورية العنف الأميركي حوّلت العالم بعد الحادي عشر من أيلول إلى مذبحة مستدامة.. أفغانستان أعيدت إلى العصر الحجري.. العراق ماذا تبقّى منه؟ الباكستان على وشك الاستباحة.. فلسطين تتسع زنزانتها لتصل إلى جدار العين.. لبنان يوقدون له النار، أما الإرهاب فقد أشعل الكرة الخضراء بالسفك والقتل بلا هوادة.
امبراطورية العنف الاميركي خلقت في هذا القرن بابل الدماء المتبادلة والقبور المتهادية.
من هو هذا الذي أطلق العنان لجنون القتل؟ من الذي يقف على منصة الكون ليعلن: "متى أضع العمامة تعرفوني؟!".
2 ـ امبراطورية الدولار الاميركي بعد عقدين من سفاح العولمة واعتقال الأسواق كي تفلت على  غاربها، وإطلاق يد قراصنة المال وتعميم المجاعات لـ(40%) من سكان المعمورة غير العامرة، وبعد رسم مسارات بهلوانية لألعاب الدولار في حلبات البورصة، سقطت أبراج المال وجرّت خيول الليبرالية المتوحشة أوروبا معها، وبلغت قلب اليابان وشواطئ الخليج المتصالح من ناهبيه جهاراً نهاراً.. امبراطورية العنف المالي حوّلت العالم إلى ساحات لإعدام أرصدة الفقراء والمودعين البواسل لأموالهم الحلال في كرنفال الحرام.
امبراطورية العنف المالي أسقطت أبراجها وسقط معها العالم".. ان نيرون يعزف على قيثارته المذهبة بأنامله العاجية، وعلى روما أن تدفع من جيوبها ثمن حريقها.
هذا هو العالم تحت وطأة المسدس الأميركي، وفي مرمى الشبق المالي.
3 ـ من يحكم أميركا؟
ليس جديداً ما سنقوله في هذه السطور، السلطة في الولايات المتحدة وكثير من الديمقراطيات المتسالمة مع وحش العولمة والاقتصاد الحر ودكتاتورية الأسواق، هي بيد الشركات العملاقة العابرة للقارات، المالكة حصرية التوقيع على السياسة الاقتصادية الواجب الالتزام بها بحذافيرها.
السلطة الأولى: الرأسمال المالي.
السلطة الثانية: الإعلام  بكل وسائله ووسائطه.
السلطة الثالثة: الحكومات.
وهذا يعني وفق هذا السياق، أن جورج دبليو بوش ليس حاكماً أول، بل هو ناطق باسم الشركات، وهو منفذ سياساتها، وهو أيضاً الذي أعطي حصرية التوقيع على الحروب وخوضها كذلك لدعم جمهوريات الممالك، تحب الهامبرغر ولا تحب السياسة الاميركية.
4 ـ من يحكم أميركا؟
في كتاب أصدره لويس ل. غولد (نيويورك 2006) سيرة واضحة لمسيرة الكونغرس الاميركي منذ بداية القرن العشرين، وإظهار لكيفية تحوّله إلى نادٍ للأغنياء والأثرياء، وأن بعض من يتربع فيه يمتلك أكبر وأضخم الثروات في الولايات المتحدة الاميركية.
إذاً كيف يفكر هؤلاء؟ عمن يدافعون؟ طبعاً عن ثرواتهم، وللثروات عقيدة راسخة: الثروة يلزم تأمين الظروف لنموها وتعاظمها وحمايتها وسيطرتها وانتشارها وثوريتها.. أي ضعف في قوة الثروة تبديد لها.. شرط استمرار الثروة تدعيمها بالسياسة.. لذا السياسة الاميركية يمليها الدولار فقط، لا غير.
وفي تاريخ السياسة التي ارتادها الأثرياء، كتب كيفين فيليبس (نيويورك 2002) عن الطريق الذي يسلكه الأثرياء للتدخل في القرارات السياسية: لقد قبلوا بتمويل الحملات الانتخابية مقابل تشريع قوانين تتطلبها ثرواتهم واستثماراتهم.. والمعروف أن كيفين كان مستشاراً مقرباً من الرئيس ريتشارد نيسكون الذي أسقطه تحالف الشركات الكبرى، مستفيداً من "هفوة نيكسون العظمى": "ووتر غيت".
5 ـ المال يحكم أميركا.. والبرهان: عدد أعضاء الكونغرس يبلغ 535 عضواً، يملكون 3.6 مليار دولار. و44% من مجلس النواب هم "مليونيرية كبار" فقط، لا غير.
الذين يشرعون ويراقبون ويتباهون بالديمقراطية لم يقدروا على حماية صغار المودعين ولا بيوت المقترضين من المصارف المتوحشة التي سنحت في سهيل الاستدانة، مقابل الرهان على عدم السواد، كي تصادر العقار وصاحبه وماله.. وتسقط هي.
المباراة المجنونة التي تخوضها الولايات المتحدة على مسرح الكرة الأرضية، أثبتت أن اللعب بدون قواعد وبدون حكم ومراقبة ومن دون جمهور صاحب مصلحة في التمتع والمشاركة، تؤول إلى حلبة منازلة دامية مخلفة خراباً دولياً.
من يرث هذا الركام الدولي؟
من صاحب هذا الخراب؟
6 ـ حصة العرب الأثرياء في هذه المباراة مداواة الجراح الاميركية النازفة إفلاساً وأسهماً ومصارف.. لقد تم القبض على المال العربي وعلى نفطه مراراً، وهذه المرة كان العرب الأثرياء في عون شفيعهم الاقتصادي.
طبعاً العرب يتصفون بالكرم والسخاء، وسيبرهنون أنهم أوفياء  لتقاليد التبذير والمقامرة، بالأرض والعرض.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008-10-07