ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: واشنطن تبدل أولوياتها أي انعكاس له لبنانياً

كتب مصطفى الحاج علي
من ينظر إلى الواقع اللبناني اليوم وسط المشاغل والهموم الدولية والاقليمية يدرك بسرعة أنه بات مورد تفصيل ممل بالرغم من كل محاولات إسباغ استمرار الاهتمام فيه، ولدواعٍ تكاد تكون معنوية أكثر من أي أمرٍ آخر.
فالولايات المتحدة التي لا تكاد تفيق من صدمة أو مأزق حتى تجد نفسها في مواجهة مع ما هو أشد وأدهى، وإذا كان جدول الأزمات التقليدي لواشنطن معروفاً، ويتمحور بشكل رئيسي حول إخفاقاتها المتنامية في الشرق الأوسط وبواكير تراجع في منطقة القوقاز حيث الجناح الاستراتيجي الأول لمشروع الهيمنة الامبراطوري للولايات المتحدة، فهي اليوم أمام مأزق اقتصادي ومالي استراتيجي يهدد هيمنتها المطلقة على الاقتصاد العالمي، مطلقاً ديناميات تفكك كبيرة لمصلحة نظام اقتصاد دولي ومالي جديد متعدد الأقطاب، وما يعطي هذا التفكك أبعاده الكاملة هو تزامنه مع تفكك موازٍ سياسي وأمني، يبشر بمخاض ولادة نظام دولي مختلف،أهم ما فيه أن واشنطن لن تعود قادرة على الاستفراد بإدارته ربما مكرهة على اتخاذ شركاء لها، لا يقفون عند عقبة الدول الكبرى، وإنما يتجاوزهم إلى دول اقليمية أساسية تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً واستراتيجياً على الأقل في محيطها.
فإذا كانت ميزة واشنطن هي تسلحها برؤية استراتيجية كونية، يمكن القول، أن الاستراتيجية الاقليمية المناوئة لها، نجحت في تقويض هذه الاستراتيجية، لمصلحة انتاج توازن قوى ومصالح استراتيجية جديدة، سترسم هي المشهد الدولي والاقليمي الجديد.
وفي مطلق الأحوال، ما يهمنا، هنا، أن الأزمة العميقة والبنيوية التي مني بها النظام المالي في الولايات المتحدة، والتي يجمع كل أهل الخبرة والاختصاص في الشؤون المالية والاقتصادية، أن المعالجات التي قدمت مؤخراً هي بمثابة مسكنات، ولن تمنع من الوصول إلى لحظة الحقيقة المتمثلة بنشوء أزمة كساد جديدة تذكر بأزمة عام 1929، وهذا ما فرض نفسه كأولوية على الحزبين الجمهوري والديمقراطي التالي، على المرشحين للرئاسة الاميركية.
بكلمة أخرى، أننا إزاء تبدل في الأولويات كبير سيكون له انعكاساته العامة على مجمل السياسة الاميركية في العالم وفي المنطقة.
المشهد اقليمياً
هذا اميركياً، أما اقليمياً فتبدو الصورة أيضاً مختلفة كثيراً عما في السابق، فالكلام عن الضربة الاميركية إلى ايران تراجع إلى أقصى حد ممكن له ولدرجة تكاد تكون صفراً، ما يعني أن فترة الخطر ممتدة لغاية نهاية عهد بوش تكون قد طويت، لمصلحة التعايش الصعب مع البرنامج النووي الايراني، إلا اذا تخيلنا ما يشبه الميتاجنون سياسي لدى هذه الادارة، وليس هناك ما يبرره منطقياً وموضوعياً، لا سيما بعد حضور الوضع الاقتصادي والمالي كبند أول على جدول اهتمام المتنافسين للرئاسة، وتراجع الاهتمام والتنافس حول عناوين السياسة الخارجية، وفي طليعتها إيران وملفها النووي.
والأمر عينه ينطبق على الكيان الاسرائيلي، الذي بدوره فقد عنصر المبادرة، وهو كان يفقده أصلاً لأكثر من اعتبار داخلي وخارجي، فلا الوضع السياسي والتنافس داخل الأحزاب الكبيرة وفي ما اليها يسمح، ولا عدم اليقين من تداعيات وردود الفعل، وحسابات الربح والخسارة تسمح، وأخيراً وليس آخراً، فإن قراراً بهذا المستوى من الخطورة لا طاقة للكيان الاسرائيلي على أن يتحمله أو يتخذه وحده نظراً لتداعياته الإقليمية والدولية.
والأمر ع ينه ينطبق على مسار التسوية الخاص بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، فبالرغم من كل جهود الأميركي التي كانت تدفع للتوصل ـ وكحد أدنى ـ إلى وثيقة تضمن ما توصل اليه، وبالرغم من كل البروبوغندا التسويقية لفكرة إمكان التوصل إلى تسوية ما قبل نهاية هذا العام، فكل الدلائل والمؤشرات تؤكد عكس ذلك.
وفي السياق نفسه، يمكن إدراج الدفع الأخير لتحريك المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي، فما انتهت اليه المباحثات غير المباشرة، لا يكاد يخرج عن نطاق تحقيق أهداف تكتيكية لكل من أولمرت أثناء توليه رئاسة الحكومة، ولدمشق في ما يتعلق بوضعها الدولي، وبات واضحاً الآن، أن لا تل أبيب ولا دمشق جاهزتين لأي تسوية، خصوصاً قبل الانتخابات الأميركية.
الشرق الأوسط : أي متغيرات
إن مجمل هذه الصورة معطوفة على الصورة الأشمل في الشرق الأوسط الذي يعاني نظامه الإقليمي العام من انهيار مريع، حيث بناه وموازين قواه التي أرست أواخر السبعينات، وعدلت عقب الحرب الباردة لم تعد قائمة، ويكفي هنا إجراء مقارنة بسيطة بين واقع هذا النظام في تلك الفترة وواقعه الحالي، الإدراك حقيقة هذا الانهيار : فالعراق اليوم انهار كدولة قوية موحدة، وفقد دوره كدولة حاجز بين إيران المنطقة، وأما إيران فباتت أهم لاعب أساسي وقوي في قلب المنطقة. وأما النظام السعودي فتحول من وسيط تلعب أدوارها بصمت وبدون ضوضاء، إلى دولة منغمسة مباشرة في صراعات المنطقة.
وأما المحيط الآمن الذي كان يتطلع اليه الكيان الاسرائيلي عبر تسويات مذلة، سقط أيضاً لمصلحة قوى اقليمية وحركات مقاومة، رسمت سقفاً نهائياً لمشاريعه التوسعية.
خلاصة القول هنا، أننا إزاء متغيرات عميقة، تفرض حسابات مختلفة وإذا كانت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تشكل محطة مفصلية، فهذه القاعدة ليست مطلقة، لأنه أياً كانت الإدارة الأميركية القادمة، فإنها لن تستطيع القفز فوق المتغيرات الجيواستراتيجية العامة دولياً اقليمياً، ولن تستطيع القفز فوق أزماتها المستعصية داخل الولايات المتحدة نفسها، فالأولويات غير الأولويات، والواقع غير الواقع، من دون أن يقلل ذلك من قيمة محطة الانتخابات هذه وفرضها نفسها على الجميع كمحطة انتظار لا بد منها.
حلفاء اميركا: أي مصير
ثمة هنا، نقطة اضافية يخشاها خصوصاً كل من ركب المركب الأميركي بدون حساب، وتتعلق بالفراغ حالياً دولياً وفي المنطقة، جراء تراجع القدرة الاميركية على الفعل، ومضمون الخشية يتمثل في أن تستغل القوى المناوئة لواشنطن هذه اللحظة المؤاتية للاندفاع أكثر على صعيد ملء هذا الفراغ، لتحقيق المزيد من المكاسب، ولعل هذا ما يجعل أعصاب أدوات أميركا وحلفاءها مشدودة إلى الحد الأقصى، بحيث تهتز عند أول تصريح يحمل إيحاءات من هذا النوع، كما سجل مؤخراً من ردود فعل في مواقف الرئيس بشار الأسد إزاء ما يجري في الشمال اللبناني، والذي جاء متزامناً مع حشود للجيش السوري على الحدود هنا، فالضعف الكبير الذي يعاني منه فريق 14 آذار، وإداركه لما يحدث دولياً واقليمياً، هو الذي يجعل ردود أفعاله صاخبة وعصابية وغير موضوعية.
السؤال الذي يفرض نفسه لبنانياً هو، هل كل ما تقدم من شأنه أن يخلق تأثيراً على مجرى الانتخابات اللبنانية، أم أن مسار هذه الانتخابات له خطه البياني الخاص؟ الجواب المباشر، يقولا لا، نعم كل ما تقدم سيؤثر، وسيبقى يؤثر على مجمل التوازنات الداخلية بمعزل عما ستسفر عنه الانتخابات من معادلة أكثرية وأقلية جديدة، إلا أنه يبقى للانتخابات وضعها وحسابها اللبناني الخاص، ولذا، فإن مجمل الأطراف يتعاطون معها، بمعزل عن كل ما يجري حولنا، بكلام آخر ، إن مجمل الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالشأن اللبناني، ترى في الانتخابات فرصة كبيرة متاحة إما لتعديل الواقع الحالي، وإما المحافظة عليه، فالساعون للتعديل يرون في الانتخابات فرصة لملاقاة المتغيرات وسحب توازناتها لمصلحتهم داخلياً، والساعون للمحافظة على ما هو قائم يرونها فرصة تمنحهم الصمود لسنوات في مواقعهم بانتظار حدوث متغيرات جديدة لمصلحتهم، وهذا ما يزيد من شدة وحرارة الانتخابات المقبلة وحرص كثيرين على اعتبارها محطة مصيرية، ومفترق مصيري، وهذا بدوره ما يفسر بذل قوى خارجية كل ما يلزم من مال سياسي لإحداث المطلوب.
ووسط هذا التجاذب الانتخابي، والمتغيرات الدولية والاقليمية، تتحرك المصالحات، التي يبقى لها وزنها وأيقاعها مدوزن، على الآفاق والإيقاعات التي تحكم علاقات الدول المعنية بالشأن اللبناني، وسقف الأهداف المرسومة لكل منها، والحسابات الخاصة التي تحكم كل طرف، ولذا، من المتوقع أن يخضع مسارها لمتطلبات كثيرة، وان يتراوح بين صعود وهبوط وأن يكون حاراً حيناً وبارداً حيناً آخر.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
من ينظر إلى الواقع اللبناني اليوم وسط المشاغل والهموم الدولية والاقليمية يدرك بسرعة أنه بات مورد تفصيل ممل بالرغم من كل محاولات إسباغ استمرار الاهتمام فيه، ولدواعٍ تكاد تكون معنوية أكثر من أي أمرٍ آخر.
فالولايات المتحدة التي لا تكاد تفيق من صدمة أو مأزق حتى تجد نفسها في مواجهة مع ما هو أشد وأدهى، وإذا كان جدول الأزمات التقليدي لواشنطن معروفاً، ويتمحور بشكل رئيسي حول إخفاقاتها المتنامية في الشرق الأوسط وبواكير تراجع في منطقة القوقاز حيث الجناح الاستراتيجي الأول لمشروع الهيمنة الامبراطوري للولايات المتحدة، فهي اليوم أمام مأزق اقتصادي ومالي استراتيجي يهدد هيمنتها المطلقة على الاقتصاد العالمي، مطلقاً ديناميات تفكك كبيرة لمصلحة نظام اقتصاد دولي ومالي جديد متعدد الأقطاب، وما يعطي هذا التفكك أبعاده الكاملة هو تزامنه مع تفكك موازٍ سياسي وأمني، يبشر بمخاض ولادة نظام دولي مختلف،أهم ما فيه أن واشنطن لن تعود قادرة على الاستفراد بإدارته ربما مكرهة على اتخاذ شركاء لها، لا يقفون عند عقبة الدول الكبرى، وإنما يتجاوزهم إلى دول اقليمية أساسية تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً واستراتيجياً على الأقل في محيطها.
فإذا كانت ميزة واشنطن هي تسلحها برؤية استراتيجية كونية، يمكن القول، أن الاستراتيجية الاقليمية المناوئة لها، نجحت في تقويض هذه الاستراتيجية، لمصلحة انتاج توازن قوى ومصالح استراتيجية جديدة، سترسم هي المشهد الدولي والاقليمي الجديد.
وفي مطلق الأحوال، ما يهمنا، هنا، أن الأزمة العميقة والبنيوية التي مني بها النظام المالي في الولايات المتحدة، والتي يجمع كل أهل الخبرة والاختصاص في الشؤون المالية والاقتصادية، أن المعالجات التي قدمت مؤخراً هي بمثابة مسكنات، ولن تمنع من الوصول إلى لحظة الحقيقة المتمثلة بنشوء أزمة كساد جديدة تذكر بأزمة عام 1929، وهذا ما فرض نفسه كأولوية على الحزبين الجمهوري والديمقراطي التالي، على المرشحين للرئاسة الاميركية.
بكلمة أخرى، أننا إزاء تبدل في الأولويات كبير سيكون له انعكاساته العامة على مجمل السياسة الاميركية في العالم وفي المنطقة.
المشهد اقليمياً
هذا اميركياً، أما اقليمياً فتبدو الصورة أيضاً مختلفة كثيراً عما في السابق، فالكلام عن الضربة الاميركية إلى ايران تراجع إلى أقصى حد ممكن له ولدرجة تكاد تكون صفراً، ما يعني أن فترة الخطر ممتدة لغاية نهاية عهد بوش تكون قد طويت، لمصلحة التعايش الصعب مع البرنامج النووي الايراني، إلا اذا تخيلنا ما يشبه الميتاجنون سياسي لدى هذه الادارة، وليس هناك ما يبرره منطقياً وموضوعياً، لا سيما بعد حضور الوضع الاقتصادي والمالي كبند أول على جدول اهتمام المتنافسين للرئاسة، وتراجع الاهتمام والتنافس حول عناوين السياسة الخارجية، وفي طليعتها إيران وملفها النووي.
والأمر عينه ينطبق على الكيان الاسرائيلي، الذي بدوره فقد عنصر المبادرة، وهو كان يفقده أصلاً لأكثر من اعتبار داخلي وخارجي، فلا الوضع السياسي والتنافس داخل الأحزاب الكبيرة وفي ما اليها يسمح، ولا عدم اليقين من تداعيات وردود الفعل، وحسابات الربح والخسارة تسمح، وأخيراً وليس آخراً، فإن قراراً بهذا المستوى من الخطورة لا طاقة للكيان الاسرائيلي على أن يتحمله أو يتخذه وحده نظراً لتداعياته الإقليمية والدولية.
والأمر ع ينه ينطبق على مسار التسوية الخاص بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ، فبالرغم من كل جهود الأميركي التي كانت تدفع للتوصل ـ وكحد أدنى ـ إلى وثيقة تضمن ما توصل اليه، وبالرغم من كل البروبوغندا التسويقية لفكرة إمكان التوصل إلى تسوية ما قبل نهاية هذا العام، فكل الدلائل والمؤشرات تؤكد عكس ذلك.
وفي السياق نفسه، يمكن إدراج الدفع الأخير لتحريك المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي، فما انتهت اليه المباحثات غير المباشرة، لا يكاد يخرج عن نطاق تحقيق أهداف تكتيكية لكل من أولمرت أثناء توليه رئاسة الحكومة، ولدمشق في ما يتعلق بوضعها الدولي، وبات واضحاً الآن، أن لا تل أبيب ولا دمشق جاهزتين لأي تسوية، خصوصاً قبل الانتخابات الأميركية.
الشرق الأوسط : أي متغيرات
إن مجمل هذه الصورة معطوفة على الصورة الأشمل في الشرق الأوسط الذي يعاني نظامه الإقليمي العام من انهيار مريع، حيث بناه وموازين قواه التي أرست أواخر السبعينات، وعدلت عقب الحرب الباردة لم تعد قائمة، ويكفي هنا إجراء مقارنة بسيطة بين واقع هذا النظام في تلك الفترة وواقعه الحالي، الإدراك حقيقة هذا الانهيار : فالعراق اليوم انهار كدولة قوية موحدة، وفقد دوره كدولة حاجز بين إيران المنطقة، وأما إيران فباتت أهم لاعب أساسي وقوي في قلب المنطقة. وأما النظام السعودي فتحول من وسيط تلعب أدوارها بصمت وبدون ضوضاء، إلى دولة منغمسة مباشرة في صراعات المنطقة.
وأما المحيط الآمن الذي كان يتطلع اليه الكيان الاسرائيلي عبر تسويات مذلة، سقط أيضاً لمصلحة قوى اقليمية وحركات مقاومة، رسمت سقفاً نهائياً لمشاريعه التوسعية.
خلاصة القول هنا، أننا إزاء متغيرات عميقة، تفرض حسابات مختلفة وإذا كانت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تشكل محطة مفصلية، فهذه القاعدة ليست مطلقة، لأنه أياً كانت الإدارة الأميركية القادمة، فإنها لن تستطيع القفز فوق المتغيرات الجيواستراتيجية العامة دولياً اقليمياً، ولن تستطيع القفز فوق أزماتها المستعصية داخل الولايات المتحدة نفسها، فالأولويات غير الأولويات، والواقع غير الواقع، من دون أن يقلل ذلك من قيمة محطة الانتخابات هذه وفرضها نفسها على الجميع كمحطة انتظار لا بد منها.
حلفاء اميركا: أي مصير
ثمة هنا، نقطة اضافية يخشاها خصوصاً كل من ركب المركب الأميركي بدون حساب، وتتعلق بالفراغ حالياً دولياً وفي المنطقة، جراء تراجع القدرة الاميركية على الفعل، ومضمون الخشية يتمثل في أن تستغل القوى المناوئة لواشنطن هذه اللحظة المؤاتية للاندفاع أكثر على صعيد ملء هذا الفراغ، لتحقيق المزيد من المكاسب، ولعل هذا ما يجعل أعصاب أدوات أميركا وحلفاءها مشدودة إلى الحد الأقصى، بحيث تهتز عند أول تصريح يحمل إيحاءات من هذا النوع، كما سجل مؤخراً من ردود فعل في مواقف الرئيس بشار الأسد إزاء ما يجري في الشمال اللبناني، والذي جاء متزامناً مع حشود للجيش السوري على الحدود هنا، فالضعف الكبير الذي يعاني منه فريق 14 آذار، وإداركه لما يحدث دولياً واقليمياً، هو الذي يجعل ردود أفعاله صاخبة وعصابية وغير موضوعية.
السؤال الذي يفرض نفسه لبنانياً هو، هل كل ما تقدم من شأنه أن يخلق تأثيراً على مجرى الانتخابات اللبنانية، أم أن مسار هذه الانتخابات له خطه البياني الخاص؟ الجواب المباشر، يقولا لا، نعم كل ما تقدم سيؤثر، وسيبقى يؤثر على مجمل التوازنات الداخلية بمعزل عما ستسفر عنه الانتخابات من معادلة أكثرية وأقلية جديدة، إلا أنه يبقى للانتخابات وضعها وحسابها اللبناني الخاص، ولذا، فإن مجمل الأطراف يتعاطون معها، بمعزل عن كل ما يجري حولنا، بكلام آخر ، إن مجمل الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بالشأن اللبناني، ترى في الانتخابات فرصة كبيرة متاحة إما لتعديل الواقع الحالي، وإما المحافظة عليه، فالساعون للتعديل يرون في الانتخابات فرصة لملاقاة المتغيرات وسحب توازناتها لمصلحتهم داخلياً، والساعون للمحافظة على ما هو قائم يرونها فرصة تمنحهم الصمود لسنوات في مواقعهم بانتظار حدوث متغيرات جديدة لمصلحتهم، وهذا ما يزيد من شدة وحرارة الانتخابات المقبلة وحرص كثيرين على اعتبارها محطة مصيرية، ومفترق مصيري، وهذا بدوره ما يفسر بذل قوى خارجية كل ما يلزم من مال سياسي لإحداث المطلوب.
ووسط هذا التجاذب الانتخابي، والمتغيرات الدولية والاقليمية، تتحرك المصالحات، التي يبقى لها وزنها وأيقاعها مدوزن، على الآفاق والإيقاعات التي تحكم علاقات الدول المعنية بالشأن اللبناني، وسقف الأهداف المرسومة لكل منها، والحسابات الخاصة التي تحكم كل طرف، ولذا، من المتوقع أن يخضع مسارها لمتطلبات كثيرة، وان يتراوح بين صعود وهبوط وأن يكون حاراً حيناً وبارداً حيناً آخر.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008