كتب محمد يونس
يقال إن الجشع عندما يعجز عن نهش أحد يبدأ بنهش نفسه، فبعدما انتهى وحش الرأسمالية من نهش اقتصادات دول العالم غير المصنفة في مصاف العالم الأول، ولم يبق لهذه الدول شيء تقدمه بدأ هذا الوحش بنهش نفسه بدءاً من رأسه.
كل هذه الإمبراطورية المادية التي بنيت على عظام ودماء الآخرين وجدت نفسها أمام الانهيار، لا لأسباب خارجية، بل لأسباب بنيوية ذاتية كان لا بد لها من أن تصل إلى هذه النتيجة، فالمبادئ والأفكار التي بنيت عليها هذه الرأسمالية والتي خلت مؤخرا من أي رادع أخلاقي أو شعور إنساني، وبالتالي لم يتحكم بمعاملاتها سوى الربح والسعي إلى المزيد من الربح من دون الالتفات إلى الوسيلة، وأصبحت الحيتان الكبيرة تبتلع الأسماك إلى أن وصل الأمر اليها، فلم يبق إلا الحيتان إياها، فلم يكن هناك من بد إلا أن تبدأ بالتهام بعضها البعض.
في التسعينيات من القرن الماضي انهارت الإمبراطورية المادية الأخرى (الشيوعية) وربما قيل حينها ان الانهيار سببه الضغوط التي فرضتها إمبراطورية رأس المال أو على الأقل أعطت هذه الإمبراطورية هذا الإنجاز لنفسها، وبقيت لوحدها تعيث فسادا وفحشا في طول المعمورة وعرضها إلى أن وصلت إلى ما يشبه بداية المصير نفسه.
الحقيقة أن لا الشيوعية سقطت نتيجة الهجوم الرأسمالي ولا الرأسمالية سقطت نتيجة إفلاس بنك هنا أو شركة هناك، السبب هو ابتعاد كلا الإمبراطوريتين عن الأخلاق والإنسانية، لقد سعتا وراء المادة فقط وأهملتا الأبعاد الأخرى المكونة للمجتمعات البشرية، ولم يكن تنبؤ الإمام الخميني (قده) بانهيار الاتحاد السوفياتي وليد صدفة أو رؤية في المنام.
ما دام المجتمع لا يهتم بكل أبعاد مكوناته ويوازي في ما بينها لن يكتب له النجاح والاستمرار مهما بلغ تطوره، وما دام هذا المجتمع لا يعترف بحاجات روحية كما يعترف بالحاجات المادية سيبقى كلما لم يجد ما ينهشه ينهش جسده.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008