ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: تهديدات

على العهد: تهديدات
كتب إبراهيم الموسوي
ارتفعت وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان مؤخراً، وتعددت مصادرها بين ضباط عسكريين رفيعي المستوى وقادة سياسيين، لكن الثابت أن هذه التهديدات لم تحسم أمرها إلا باتجاه واحد هذه المرة، هو استهداف لبنان ككل، دولةً وشعباً ومقاومةً، واعتبارة دولة عدوة، وطبعاً، فهذا لا يحمل أي جديد، لأن العدو الإسرائيلي لم يتعاطَ في كل تاريخه مع لبنان إلا على هذا الأساس.
بدأ التهديد الإسرائيلي بالقول إن الهجمات الجوية غير مجدية، وإن الحرب يجب أن تكون حرباً برية كاسحة ماسحة، وعندما ردت قيادة المقاومة بأنها ستدمر فرق العدو العسكرية كاملة على أرض لبنان، عادت التهديدات لتتحدث عن حرب جوية من خلال التوعد بتدمير كامل القرى اللبنانية على رؤوس قاطنيها، وكذلك من خلال التهديد باستهداف لبنان ككل حكومةً وجيشاً وشعباً ومؤسسات عامة وخاصة، وبنى تحتية ومنشآت مدنية.
في هذا الوقت كانت الولايات المتحدة تكثر من حديثها حول استعداداتها لتسليح الجيش اللبناني وتجهيزه، في حين أنها كانت تقوم فعلياً بنصب رادارات حديثة في جنوب فلسطين باستطاعتها رصد طابة بحجم البيسبول الاميركية على بعد عدة آلاف من الكيلومترات، وكانت تعلن أيضاً عن انتاج جيل جديد أكثر فتكاً من القنابل العنقودية ذات قدرة توجيهية وتدميرية أكبر.
وبالمقابل فإن جلّ ما تناولته الأحاديث حول تجهيز الجيش اللبناني لم يتعدّ الكلام عن تزويده بمناظير ليلية أو مروحيات من نوع كوبرا، وهو ما اعترضت عليه "اسرائيل" مبررة ذلك بخوفها من أن تقع هذه التجهيزات بأيدي حزب الله.
والسؤال، ما هي جدية هذه التهديدات، وإلى أي مدى يمكن أن تكون واقعية في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية، فضلاً عن الآثار المدمرة التي عصفت بكيان العدو وجيشه بعد عدوان تموز 2006.
لا يمكن القول إن العدو الاسرائيلي يسوق هذه التهديدات، فقط من أجل الاستهلاك الداخلي على خلفية التقاذف المستمر لكرة لهب خسارة حرب تموز، التي كان آخر تداعياتها استقالة رئيس وزراء العدو ايهود أولمرت، وكذلك من الصعب اعتبار هذه التهديدات نوعاً من محاولات اعادة التوازن المتكررة التي يقوم بها العدو رفعاً لمعنويات جنوده، ورصاً لصفوفه بانتظار الاستحقاقات القادمة، ولكن وفي الوقت عينه لا يمكن اعتبار هذه التهديدات مقدمة لعدوان وشيك ينفذه العدو ضد لبنان.
ان سيل التهديدات والتصريحات الاسرائيلية المتوالية يستهدف راهناً اظهار العدو بمظهر متماسك نتيجة الخلل الفادح الذي ضرب بنيته العسكرية وخلخل كيانه السياسي أيضاً، كذلك، فإن ما يورده كبار جنرالات "اسرائيل" لا يوحي أن هؤلاء قد تعافوا من آثار صدمة هزيمة تموز 2006، فلا الاستعدادات كافية ولا الإمكانيات جاهزة، على الأقل، على مستوى إعادة بناء سيكولوجيا الحرب لدى قوات العدو ونخبه القتالية، وعليه يغدو الكلام التهديدي الراهن بمثابة جعجعة فارغة لا تقدّم ولا تؤخر في الحسابات كثيراً، ولكن وفي كل الحالات، فإن المقاومة كانت ولا تزال وستبقى بالمرصاد لأي عدوان مقبل، لطالما ردد العدو التهديدات وكرر الأقوال ولم يحصد إلا الهزائم، ولطالما اعتمدت المقاومة استراتيجية التكتم والعمل الدؤوب المثابر الذي يجني ثماراً كثيرة وغلالاً وفيرة، وشتان ما بين قول كاذب وفعل صادق.
العدو معتاد على العدوان لأن طبيعته كذلك، وهو نشأ واستمر بفعل هذا العدوان، وإذا ما قرر في أي وقت في المستقبل تكرار تجربة العدوان فإن الحرب المقبلة لن يكون بالامكان مقارنتها بأي شيء مسبق، هذا ما وعدت به المقاومة، ومن ينظر إلى ما جرى في تموز يصدق، ومن يعش يرَ.
الانتقاد/ العدد 1304 ـ 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008-10-07