ارشيف من :أخبار عالمية

ديمقراطية الولايات المتحدة: قتل وانقلابات .. تدمير واغتيالات

ديمقراطية الولايات المتحدة: قتل وانقلابات .. تدمير واغتيالات
الـ"CIA" نموذج فاضح للديمقراطية الزائفة التي تدّعيها الولايات المتّحدة الأمريكيّة


نادر عز الدين
يعيش العالم اليوم في دوامة من الصراعات التي يقودها رجال الاستخبارات.
الاستخبارات، هذه البدعة السريّة القويّة والخطرة، أصحاب قداستها هم المحترفون السريّون الذين يعملون فيها، أمّا رعاتها فهم كبار مسؤولي الدولة والحكومة.
عقليّتها سريّة، ومتميّزة بتركيب فكري ينمو ويترعرع على الخداع والتضليل وتشجيع احتراف اللاأخلاقية، أي الاعتقاد بأن في الامكان تحقيق أهداف صالحة باللجوء إلى وسائل غير مشروعة لا تستند إلى مبدأ أو خلق...
ولعلّ أبرز الوكالات الاستخباراتية الحاضرة بقوّة على الساحة العالمية، هي وكالة المخابرات المركزيّة الأميركية (سي.أي.إي).
"على وكالة الاستخبارات المركزيّة أن تنتهك قوانين أي دولة وفي كلّ دولة من هذه الدول ثمّة قوانين ضد التجسّس والتآمر، وعملنا هو الانخراط في مؤامرة للحصول على الأسرار التي تحتفظ بها الدول الأجنبية. ويتحقق هذا الأمر من خلال الادّعاءات الكاذبة وتشجيع الخيانة وفي الحقيقة فإنّك تحوك المؤامرة بقصد سرقة شيء ما... وإذا كنت ضابطاً تتمتّع بستار ديبلوماسي فأنت محميّ"، هذا هو عمل المخابرات المركزيّة الأمريكية كما يحدّده "توماس بولنار" الرئيس السابق لهذه الوكالة في سايغون مكسيكو سيتي وبيونو أيريس والمستشار السابق للجنة المخابرات الانتقائيّة الخاصة بمجلس الشيوخ.

إنشاؤها وواقعها

أنشئت وكالة الاستخبارات المركزية بتوصية من منظّم إدارة الخدمات الاستراتيجيّة ومديرها "دونفان" وذلك في تشرين الثاني 1944 عندما أرسل مذكرة للرئيس الأميريكي عرض فيها آراءه حول الاستخبارات وتحدّث عن ضرورة أن تكون تحت إمرة الرئيس مباشرة، وأن يكون لها قيادة مركزيّة تقدّم تقاريرها للرئيس ويكون من أبرز مهامها القيام بالعمليات التخريبيّة في الخارج وجمع المعلومات الخاصة عن طريق الجواسيس. وقد كانت آراء دوفان الأساس الذي حددت وفقاً له أهداف الوكالة في قانون الأمن القومي عام 1974. وفي السادس والعشرين من كانون الثاني 1946 وقّع الرئيس "ترومان" أمراً إدارياً بتأسيس مجموعة الاستخبارات المركزيّة برئاسة الأدميرال "سويرس".
ويؤكد كبار الخبراء والمسؤولين بأنّ قرار إنشاء الاستخبارات المركزيّة ونموّها كان يرتبط ارتباطاً مباشراً بتصعيد إدارة الرئيس "ترومان" لسياسة الحرب الباردة التي كان هدفها الأساسي الاتحاد السوفياتي السابق.
هذه الوكالة الاستخباراتية تلفّها هالة من القدسيّة أضفتها عليها الخرافات، وتجلّلها صور زائفة، وتحميها مخادعات الرسميين وأكاذيبهم، وتتستّر في ممارستها بألغاز وحجج قانونيّة قديمة تمنع عامة الناس وحتّى رجال الكونغرس من معرفة ما تفعله هذه الوكالة الغامضة أو حتى معرفة السبب الذي يكمن وراء تلك الأفعال. وقد برّرت الوكالة جرائمها في السابق بالذرائع الواهية عن "الخطر الشيوعي" و"خطر موسكو" و"المحافظة على الأمن القومي" وهي تبرّرها اليوم بحجج "الدفاع عن حقوق الانسان" و"الحرب على الارهاب" و"نشر الديمقراطية" و"القضاء على أسلحة الدمار الشامل".

ميزانية للقتل والتخريب

تدير وكالة المخابرات المركزيّة مباشرة العمليّات السريّة التي ترى أنها تحقق أهداف الولايات المتحدة سواء كانت هذه الأهداف سياسية، اقتصادية أم عسكريّة.
تعتبر المخابرات المركزيّة هيئة عظيمة الشأن وشديدة البأس وتتمتّع من الناحية الرسمية بامكانية توظيف أكثر من 20000 شخص، كما أنها تتمتع بالسريّة التامة في الميزانية التي تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار في العام ولا يعرف أحد مقدار الميزانية الفعلية للوكالة إلا أعضاء الكونغرس! وهذه الميزانيّة لا تتضمّن الألوف من العملاء الموقتين كالمرتزقة والعملاء السريّين والمخربين.
وتتم عمليات ال"سي.أي.إي" بالتنسيق مع البنتاغون نظراً للعلاقة القويّة التي تربط بينهما، فتتم تصفية الحسابات السياسية والاقتصاديّة والأيديولوجيّة على الصعيدين الخارجي والداخلي، وهذا ما تؤكده الجرائم التي ارتكبتها الوكالة، إضافة إلى الانقلابات ضد الأنظمة الوطنيّة والتقدمية وكذلك ضد الشخصيات الوطنيّة والثورية في البلدان النامية وغيرها.
وتعتبر المخابرات المركزيّة الأميركيّة "سي.أي.إي" النموذج الفاضح للديمقراطية الزائفة التي تدّعيها الولايات المتّحدة الأمريكيّة والتي تسعى إلى فرضها على العالم. فكانت ولا تزال السلاح السرّي للسياسة الأمريكية الخارجيّة والأداة الفعالة للتدخل في الشؤون الداخليّة للبلدان التي تنوي أمريكا ممارسة نفوذها عليها أو وضعها تحت سيطرتها.
وقد أدّت العمليّات التي شنّتها الولايات المتّحدة عبر أداتها القمعيّة الأولى ال"سي.أي.إي" إلى إلحاق خسائر بشريّة فادحة بشعوب العالم حيث قدّرت هذه الخسائر خلال القرن العشرين بمئة مليون مواطن!!! وذلك بدءاً من عام 1953 حيث قامت بانقلاب عسكري في إيران وأطاحت بحكومة الدكتور مصدّق لأنه أقدم على تأميم شركات النفط وحاولت اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في العام 1958 لكن محاولتها باءت بالفشل.
أما في العام 1963 فقد خططت للانقلاب الفاشي والدموي وقامت بإسقاط الحكومة الوطنيّة العراقيّة وقتل رئيس الجمهورية عبد الكريم قاسم, واعترفت ال"سي.أي.إي" بأن عدد ضحايا انقلابها الدموي قد بلغ 5000 قتيل شيوعي ووطني عراقي إلا أن واقع الحال كان أنّ عدد الشهداء فاق ذلك بعدّة مرّات.
إضافة إلى ذلك قامت الوكالة بالاطاحة بحكومة الوحدة الشعبيّة الشيوعيّة في تشيلي واغتيال رئيسها "الليندي"، وذهب ضحيّة هذا الانقلاب أكثر من 30000 مواطن شيوعي وأكثر من 2500 مواطن مفقود، عدا عن هجرة 100 ألف مواطن من البلاد بسبب إرهاب ال"سي.أي.إي" الدموي.
وأخيراً وليس آخراً لم ينس أحد الدور الذي لعبته المخابرات المركزيّة بإقناع الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 1991 بغزو الكويت، ثم قامت بتشكيل حلف دولي للهجوم على العراق وتحرير الكويت منه، إضافة إلى ذلك تمّ فرض عقوبات وحصار على العراق دام لأكثر من 13 عاماً وانتهى العام 2003 بحرب دمويّة أدّت إلى إسقاط النظام العراقي وقتل آلاف المواطنين الأبرياء.

الادارات الكاذبة

وعلى الرغم من الدلائل والاثباتات الواضحة الجليّة والتي تثبت التورّط الفعلي لل"سي أي إي" وعملائها في هذه الجرائم والكثير غيرها، إلا أن أعضاء هذه الوكالة لا يتوانون عن الكذب لتبرئة ساحتهم بمن فيهم رؤساء الجمهوريّة الذين هم على معرفة بالعمليّات المهمّة لوكالة الاستخبارات ويوافقون عليها عادة أو يأمرون بها في كثير من الأحيان.
وقد كذبوا فعلاً من أجل حماية وكالة الاستخبارات المركزيّة ومن أجل إخفاء مسؤوليتهم عن عمليّاتها، فكذبت إدارة "أيزنهاور" على الشعب الأمريكي فيما يتعلّق بتورط وكالة الاستخبارات في انقلاب "غواتامالا" عام 1954، ودور الوكالة في الثورة الفاشلة في أندونيسيا عام 1958، وكذلك فيما يتعلّق بمهمّة طائرة التجسس بو2 التي حلّق بها "باور" فوق الاتحاد السوفييتي عام 1960.
كما كذبت إدارة "كينيدي" فيما يتعلّق بتورّط الوكالة في عمليّة غزو "كوبا" في سنة 1961، ولم تعترف بتورّطها إلا بعد فشل العمليّة فشلاً ذريعاً.
أما إدارة "جونسون" فقد كذبت حول مدى تورّط وكالة الاستخبارات في "فييتنام" و"لاوس"، ولم تسلم إدارة "نيكسون" حيث كذبت علانية فيما يتعلّق بالتأثير في انتخابات "تشيلي" سنة 1970. وفي العام 2000 كذبت إدارة بوش عندما نفت حصول ال"سي.أي.إي" على معلومات سبقت تفجيرات 11 أيلول ولم تمنع وقوعها.
وقد بات النفاق والخداع بالنسبة إلى أعضاء بدعة الاستخبارات تماماً كالسريّة، أي من الأساليب الأساسيّة المتّبعة للحيلولة دون إطلاع الشعب على العمليات الخفيّة لوكالة الاستخبارات المركزيّة ومسؤولية الحكومة عنها، معتبرين أنّ للحكومة حقاً فطريّاً في الكذب على شعبها.
وقد أدّى الاستخدام السيّئ لجهاز الاستخبارات إلى شعور الكثير من المواطنين بالحيرة والريبة إزاء المهام الحقيقية لجهاز الاستخبارات في المجتمعات المتعددة. ولا شك أنّ الضغوطات الداخليّة التي تتعرض لها الوكالة أضحت كبيرة، خصوصاً بعد التساؤلات التي طرحت حول مدى ضلوع وكالة المخابرات في هجمات 11 أيلول التي استهدفت برج التجارة العالمي في نيويورك، بعدما أعلن "جون ليهمان" المسؤول عن لجنة التحقيقات الخاصة بـ11 أيلول أن أجهزة المخابرات وتحديداً ال"سي.أي.إي" تلقّت معلومات تشير إلى وقوع الهجمات إلاّ أنها أغفلت الموضوع وتهاونت في تحديد التهديدات الحقيقية من غيرها. وقد قامت الولايات المتحدة بشخص رئيسها بنفي الموضوع مدّعية عدم تلقيها أي إنذار بهذا الخصوص، إلاّ أنّ لجنة التحقيق قامت بفضح الكثير من الأدلّة التي تشير إلى إهمال الادارة الأميركيّة ومخابراتها للتفجيرات وحتى التواطؤ فيها. فتساءل الكثيرون عن سبب إيقاف ال"سي.أي.إي" لملاحقة بن لادن والمتشددين الأصوليين التابعين له في مدارس الطيران داخل الولايات المتحدة، إضافة إلى القيام بعمليّة إزالة الأدلّة من موقع التفجيرات مباشرة بعد وقوعها وإعاقة أعمال الفحص والتدقيق القضائيّة والاعلاميّة.
والأمر الأكثر غرابة كان المضاربات الماليّة في البورصة التي سبقت اليوم الأسود عدا عن الاستخفاف بالتحقيق حيث رصدت له ميزانية 600000 دولار أميركي مقابل 40 مليون دولار ميزانية للتحقيق في قضية "مونيكا لوينسكي".

تلفيق الأكاذيب

وبالعودة إلى مصداقية سلطات التحقيق الأمريكية خاصة ال"سي.أي.إي" في ملفات أخرى داخلية، نجد أن هناك تلفيقاً واضح الجهات للأدلّة، واعتمادا كبيرا على ما يسمّى "السرّية" لإخفاء أدلّة أخرى كقضيّة قتل الرئيس الأمريكي "جون كينيدي" في 22 تشرين الثاني سنة 1963. والغريب في الأمر العلاقة شبه الكبيرة بين تلفيق الأدلة في هذه القضيّة، وتلفيق الأدلة في قضيّة تفجيرات 11 أيلول. فالرواية الرسميّة لحادثة البيت الأبيض أن طائرة بوينغ 757 تزيد حمولتها على المائة طن وتحمل 64 راكباً هبطت إلى ارتفاع 13 متراً واصطدمت بالطابقين الأرضي والأول فقط من مبنى وزارة الدفاع ولم تتضرر الساحة العشبية أو الجدار أو الموقف أو مهبط الطائرات المروحيّة. وكان الجزء الذي ارتطمت به الطائرة خاضعاً للترميم، الأمر الذي جعل معظم المكاتب خالية إلا من العمال المدنيين وبينهم جنرال واحد.
كل هذه المواقف الملتبسة لل"سي.أي.إي" في هذه القضيّة دفعت الشعب الأمريكي للمطالبة بإعادة التحقيق في أحداث 11 أيلول، ففي إحصاء قامت به مؤسسة "زوغبي انترناشونال" شكّك 43% من الشعب في الرواية الرسميّة للهجمات وطالب 52% منهم بإعادة التحقيق.
إزاء ذلك صادق "بوش" على إستراتيجيّة مقاومة الاستخبارات الأميركيّة وجاء فيها أن أجهزة المخابرات الأميركيّة تستطيع أن تشنّ هجوماً بالمبادرة بالضرب على أجهزة الاستخبارات ومنظمات (تصنّفها إرهابيّة) وتعتبر أنّها تهدد أمن أجهزتها وأمن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا كانت الهجمة الشرسة على العراق حيث شكّك 48% من الأميركيين (أيضاً حسب استطلاع مؤسسة زوغبي انترناشونال) بأنّ بوش استغلّ تفجيرات 11 أيلول لإعلان الحرب على العراق مستنداً إلى معلومات كاذبة قدّمتها ال"سي.أي.إي" وادّعت من خلالها امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وبأنّ أفغانستان هي معقل الارهاب ومركز "بن لادن"!! ووفقاً لذلك أعلنت الولايات المتحدة حرباً ضروساً على ما أسمته "الارهاب"، لم تراعِ خلالها كثيراً من القوانين الداخلية أو الدوليّة، فقامت في تلك الفترة بارتكاب كثير من الأخطاء والتجاوزات القانونيّة داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وقامت بتدمير دولة كاملة في أفغانستان أولاً، ثمّ في العراق لاحقاً، متعدّية كل الحدود المقبولة قانوناً وعرفاً، وما تبع ذلك من خرق للمعاهدات الدوليّة في شن حربين غير مبررتين، واستخدام الأسلحة المحرّمة دوليّاً، التي شملت القنابل العنقوديّة والقنابل الانشطاريّة واليورانيوم المنضّب وقصف المدنيين.
ويبقى القول بأن ال"سي.أي.إي" كانت ولا تزال نموذجاً من أهم نماذج الديمقراطيّة للولايات المتحدة الأميركية المصدّرة لمختلف دول العالم، وهي تعيد حالياً إحياء برامج العمل السرّي التي ساعدت يوماً على كسب الحرب الباردة ضد الكتلة الشيوعيّة، وهدفها الآني هو وسائل الاعلام الاسلاميّة والقيادات الدينيّة والأحزاب السياسيّة. وهي تتلقى لهذا الغرض زيادة إنفجاريّة في المال والقوى العاملة للمساعدة بالتأثير على المجتمعات الاسلاميّة، حسب مسؤول مخابراتي رفيع المستوى. ومن بين تكتيكاتها المتبعة مؤخراً: التعاون مع "الناشطين الاسلاميين" المختلفين مع تنظيم القاعدة، وشن حملات سريّة لضرب مصداقية أكثر المعادين لأميركا في العالم، وما الدليل الواضح على ذلك سوى التفجيرات التي حصلت في إيران مؤخراً، والتي بينت التحقيقات الأولية ضلوع إسلاميين متشددين فيها وتورط واشنطن بشكل مباشر... وللإرهاب الأمريكي تتمة.

2009-10-25