ارشيف من :أخبار عالمية

الأمن القومي في قبضة الأمن الغذائي

الأمن القومي في قبضة الأمن الغذائي
تفاقم العجز الغذائي ادى الى اللجوء إلى المصادر الأجنبية .. وهنا تبدأ الحكاية


نبيل المقدم

تعتبر قضية الامن الغذائي من القضايا الاساسية التي لها الاثر الحاسم في تحديد موقع مجتمعنا العربي على خارطة التقدم والنمو بين مجتمعات العالم المتقدمة. وبل يمكن القول ان الامن الغذائي يعادل الامن القومي في اهميته ان لم يكن يتخطاه بمراحل، ذلك ان اي ثغرة او ضعف في هيكل الامن الغذائي يشكل خطرا كبيرا على بنيان الامن القومي بشكل عام لانعكاساته الخطيرة على كل نواحي المجتمع من سياسية واقتصادية واجتماعية.

ولا يمكن الحديث عن الامن الغذائي من دون الحديث عن الاكتفاء الغذائي لانه المعبر الاجباري للولوج الى الامن الغذائي، ومن خلال تحقيق الاكتفاء الغذائي يمكننا الاطمئنان الى قدرة الاقتصاد القومي على سد الاحتياجات الغذائية للسكان حاضرا ومستقبلا سواء من خلال الانتاج المحلي او من خلال القدرة على الاستيراد.

الاكتفاء الذاتي الغذائي يعني القدرة على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجات المجتمع الغذائية محليا.

” الاكتفاء الذاتي نوعان الاكتفاء الغذائي الذاتي والاكتفاء الغذائي النسبي

يعرف الاكتفاء الذاتي الغذائي "بقدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس وعلى الموارد والإمكانات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محليا". إلا أن هذا المفهوم أثيرت حوله مجموعة من التحفظات أهمها ان البعض اعتبره مفهوما عاما وغير واضح اذا لم يوضع في اطار جغرافي وتاريخي محدد، فيما سأل البعض الاخر هل هذا المفهوم يعني الحد الادنى او المتوسط او الاعلى من الاكتفاء الغذائي، وانه لا بد من ربط هذا المفهوم بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للمجتمعات. كما اعتبره بعض الخبراء الاقتصاديين مفهوما طوبايا لانه سيؤدي الى ايقاف المعاملات التجارية مع بقية البلدان.

أما الاكتفاء الغذائي النسبي فعرفه بعض الخبراء بانه قدرة دولة ما أو مجموعة على توفير احتياجات مجتمعهم أو مجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أو جزئيا، وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.

وهو لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية, بل يقصد به أساسا توفير المواد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى تتمتع فيها الدولة المعنية أو الدول المعنية بميزة نسبية على الأقطار الأخرى. وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين.

الأمن الغذائي العربي مشاكل وتحديات تعتبر مشكلة الغذاء إحدى المشكلات الاساسية التي تواجه العالم العربي منذ عقود طويلة، ففي الوقت الذي حظي فيه قطاع الزراعة بالحماية والرعاية والدعم في معظم دول العالم المتقدمة ونجحت دول كانت مرشحة لمجاعات وكوارث كالهند والصين في تحقيق الاكتفاء الذاتي، واتجهت إلى زيادة إنتاج الغذاء وانتقلت من الاستيراد إلى التصدير، شهد العالم العربي تراجعا في الإنتاج الزراعي، بالرغم من وجود البيئة الملائمة للانتاج لذلك. وذلك لعدة اسباب اهمها:

العامل الديموغرافي
ارتفاع معدلات النمو الديمغرافي في العالم العربي الذي شهد تسارعا ملحوظا في حجم السكان بلغ تقريبا 3% سنويا عام 2000، وهو معدل يفوق معدلات الإنتاج الزراعي في نفس الفترة، إضافة إلى القفزة النوعية في المداخيل الفردية في بعض الدول العربية (النفطية خاصة) ما ادى الى إهمال التنمية الزراعية والتركيز على إنشاء الوحدات الصناعية والتوزيع غير المتوازن بين الأقطار العربية للموارد والقطاعات اللازمة للتنمية الزراعية من موارد طبيعية وبشرية ومالية، والذي نجم عنه تفاقم العجز الغذائي، وبالتالي اللجوء إلى المصادر الأجنبية لسد هذا العجز.

الاستثمار غير المدروس للمساحات المزروعة

فشل السياسات الزراعية العربية في تحقيق الأمن الغذائي، وهنا تجدر الاشارة الى ان مساحة الاراضي في العالم العربي تبلغ نحو 1361مليون هكتار، يستغل منها في زراعة المحاصيل والاشجار نحو 52.5 مليون هكتار، أي ما يقارب من 3.6% من المساحة الكلية، ومعظم المساحات المستغلة في الزراعة تعتمد على الامطار حيث تبلغ المساحات المروية حاليا نحو 9 ملايين هكتار، أما الاراضي الصالحة للزراعة وغير المستغلة حالياً فتقدر بنحو 71.6 مليون هكتار (المكتب المركزي العربي للاحصاء) أي ما يزيد عن ضعف المساحة المستغلة حالياً في الزراعة.

العامل المناخي

يسيطر الجفاف على معظم اراضي الوطن العربي التي تتميز بقلة زخات المطر التي قد تكون شديدة وتؤدي الى حدوث الجريان السطحي في معظم الاراضي المنبسطة، والذي يتطور الى جريان هائج وجارف في المنحدرات الشديدة محدثاً اضراراً كبيرة في التربة والمزروعات القائمة عليها فضلا عن ضياع المياه وعدم الاستفادة منها.


الكثبان الرملية

وهناك ايضا مشكلة الكثبان الرملية التي تنتشر في معظم انحاء الوطن العربي وتسيطر على مساحات واسعة جدا في شمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية وتغزو بزحفها كل ما يجاورها من المدن والقرى والطرقات والسهول الزراعية والمنشآت المختلفة، وتعطل النشاطات الحيوية وتجمدها وتزيد من الخسائر الطبيعية والمادية.


العوامل البيئية


يعد تلوث عناصر البيئة وانتهاكاتها الفوضوية والعشوائية من الاسباب الاساسية التي لها تأثير بالغ في انخفاض قدرة الأراضي الزراعية على الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي، خاصة مع الانعكاسات البيئية الخطيرة المرافقة للملوثات الصناعية والكيميائية كالاحتباس الحراري والأمطار الحمضية والتصحر الذي يفقد قدرة التربة من خصوبتها وقدرتها على العطاء الزراعي الاستهلاكي الذي يعيش عليه الإنسان.
ويشير تقرير صادرعن منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة عام 2006 الى ان الدول العربية تتوزع بالنسبة للامن الغذائي الى ثلاث فئات:
الفئة الاولى حيث مستوى انعدام الامن الغذائي هو اقل من 5% وتشمل مصر، لبنان، سورية، تونس، الامارات العربية وليبيا. ويستدرك التقرير بضرورة اضافة كل من قطر والبحرين وسلطنة عمان الى هذه الفئة بالرغم من عدم توافر الاحصاءات لديها، ولكنه من المعروف انها من الدول الخليجية الغنية بالنفط ووضعها الغذائي لا يختلف بشيء عن اوضاع الامارات. ويشير التقرير الى ان لبنان ومصر وسورية وتونس وان كانت امكانيات الزراعة متقدمة فيها نسبيا فان هناك مجالا لمزيد من التطوير عبر ادخال تقنيات حديثة على المجال الزراعي وتطوير شبكات الري وادخال انماط جديدة من الزراعة.

الفئة الثانية التي يصل فيها مستوى انعدام الامن الغذائي ما بين 5 و9 بالمئة، وهي المغرب والجزائر والاردن والكويت والسعودية. الكويت والجزائر والسعودية لا مشكلة لديهما في تامين امنهما الغذائي من الخارج نظرا لقوتهما الشرائية ونظرا لتوافر النفط والغاز، اما الاردن فهو يواجه صعوبات جمة في هذا المضمار ان في الاراضي البعلية او الاراضي المروية نظرا لعدم توافر المياه للري ولضآلة الاراضي الخصبة فيه، وسيظل الاردن معتمدا على الاستيراد من الخارج لتامين حاجاته الزراعية وبالاخص الحبوب للمحافظة على مستوى مقبول من الامن الغذائي.
اما المغرب فهو ما زال لديه امكانات التوسع الرأسي والافقي في مجال الزراعة والانماء الريفي نظرا لتوافر مياه الري، ونظرا لاعطاء الحكومة هناك الافضلية للزراعة في سياسة التخطيط والاستثمار.
الفئة الثالثة التي يزيد مستوى انعدام الامن الغذائي فيها عن عشرين بالمئة وهي السودان والصومال والعراق وموريتانيا واليمن وجزر القمر، وان هذا التردي مرده بالدرجة الاولى الى عدم الاهتمام بالقطاع الزراعي مع ان امكانيات التوسع متوافرة بدرجة عالية في العراق والسودان وبعض الشيء في موريتانيا والصومال، وخاصة فيما يعود الى الثروة الحيوانية، اما اليمن فسيظل لفترة طويلة الامن الغذائي فيه يعيش على المساعدات الخارجية سواء كانت مساعدات مالية اوفنية للقطاع الزراعي المتعثر فيه.

اما العراق فان الاوضاع الامنية المتدهورة فيه لا تشجع البتة على اي تقدم في المجال الزراعي.
ووفقا لما تقدم فقد ادت الحالة غير المستقرة التي يعيشها القطاع الغذائي في العالم العربي الى ظهور عدة مشكلات اساسية في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية واهمها:

عدم قدرة الإنتاج الزراعي العربي على سد احتياجات المواطنين العرب من المواد الأساسية للغذاء: القمح والأرز واللحوم ...
تزايد الفجوة بين صادرات الوطن العربي ووارداته من السلع الزراعية.
تناقص مقدار الغذاء والقيمة الغذائية التي يحصل عليها الفرد، عما يماثله في كثير من الدول المتقدمة.
ونظراً لخطورة هذه المشكلة على الدول العربية، فقد عملت معظم الأقطار العربية على وضع خطط للحد من استفحالها، وذلك بمعالجة أسبابها الطبيعية والبشرية.
فعملت على التوسع الأفقي في الأراضي الزراعية، والعمل على تحسين شروط الاستفادة من الأراضي المزروعة، ووقف امتداد التصحر، وزيادة إنتاجية الهكتار عن طريق استصلاح الأراضي، وإقامة مشروعات الري، واستخدام الوسائل الحديثة في الزراعة والري.

آفاق الحل:

يضع خبراء في التنمية الزراعية النقاط الآتية كعوامل مساعدة تهدف الى رفع مستوى الأمن الغذائي على المستوى العربي إجمالاً وهي:
- الحد من هجرة القوة العاملة من الريف إلى المدينة؛ وذلك بتوفير المستلزمات والاحتياجات، ورفع المستوى المعيشي للطبقة العاملة.
- العمل على إقامة مشروعات رديفة لاستيعاب القوة العاملة الريفية، مثل: إنشاء مشاريع صناعية لتحويل المنتجات الزراعية.
- العمل على توسيع الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً، عن طريق استصلاح الأراضي، واستخدام الوسائل العلمية، والمكننة الزراعية، والأتمتة الصناعية.
- تطوير تربية المواشي والدواجن، بالوسائل العلمية والمكننة والأتمتة.
- استخدام التقنيات الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاج، ما يحقق الأمن الغذائي العربي.
- تفعيل دور المجال البحثي في المجال الزراعي.
- تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الزراعية المتاحة.
- تنمية التعاون والتكامل العربي في مجال الاكتفاء الذاتي حيث يمكن القيام بأنشطة تسويقية للمنتجات الزراعية من أجل تعميق التعاون العربي في مجال تجارة الغذاء.

2009-10-25