ارشيف من :آراء وتحليلات
على العهد: مصارع العقول

كتب إبراهيم الموسوي
لم يعط الله قيمة لشيء لدى الإنسان كما أعطى العقل، فقد رفعه إلى أعلى سلم الفضل بين المخلوقات. وفي الحديث القدسي أن الله سبحانه وتعالى لما خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر. ثم إن الله عز وجل قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحب إليّ منك، بك أثيب وبك أعاقب.
إذاً، استناداً إلى ما تقدّم، فإن للعقل موقعاً مركزياً وجوهرياً على قمة الكائنات، ومن هنا كانت القيمة الكبرى للعقل والعقلاء، لأن حضوره أصل لكل نعماء، وحاجز عن أي بلاء. غير أن للعقل مزالقه ومهالكه، هناته وزلاته، ولعل أشد ما يحجب العقل ويعطّل قدراته ويشل فعاليته، تلك الأمراض المعنوية الخطيرة والآفات النفسية العظيمة، كالحسد والبغض والشره والحرص والطمع.
الداعي إلى هذا الكلام هو ما نشهده اليوم من انهيار كامل لفلسفة برمتها، إنها الفلسفة الرأسمالية التي بلغت في آخر تمظهراتها النيوليبرالية المتوحشة شأواً خطيراً وبعيداً، حيث ان طغيان المادة والتحلل من كل المعايير الأخلاقية جعل الشركات المالية العالمية العملاقة تتربع على عروش من جماجم ودماء الناس، وعلى تبديد وإهدار أموال وأعمار أمم وشعوب بأكملها. السبب الأول الذي ساقه أهم الخبراء الماليين العالميين، أن ما جرى هو نتيجة طبيعية للطمع والجشع. وإذا كان هذا أحد الأسباب الرئيسة للمشكلة، نستطيع أن نفهم الأساس غير الأخلاقي الذي بُنيت عليه هذه الامبراطوريات المالية.
الفساد المالي والاقتصادي أساسي، والإفلاس المالي ليس إلا الجزء الظاهر من جبل جليد الفساد العالمي، هذا العالم الذي جعلت منه الرأسمالية المادية مكاناً متوحشاً لا يصلح لسكن وتعاملات الآدميين.
في الأخبار الواردة من الولايات المتحدة عن ترددات هذه المأساة التي صنعتها الرأسمالية، أن رب عائلة قتل أفراد عائلته الخمسة وانتحر لأنه عجز عن الوفاء بالتزاماته! وفيها أيضاً أن عجوزاً في الثمانين انتحرت هي الأخرى عندما أرادوا إلقاءها خارج منزلها الذي عاشت فيه قرابة أربعين عاماً، بعد عجزها عن سداد التزاماتها.
الإفلاس المالي لم يكن ليوجد لولا الإفلاس الأخلاقي.. إننا نشهد نهاية حقبة تاريخية، ولا شك في أننا نشهد انهيار كل ذلك العالم المصطنع الذي بالغوا في تسميته بالحلم الأميركي. هل كان ينتظر العالم مثل هذا الكابوس ليصدّق أن في الكون توازنات لا يستطيع أحد أن يغيرها مهما طال الزمن، وأن ما يحكم الكون هو السنن الإلهية مهما تجبرت الفلسفات الوضعية، المادية وغير المادية.
إنه الطمع أيها السادة، أباد من ساد ووضع من رفع. إنه الطمع، وهو آفة أخلاقية في الأساس. ومن لا يؤسس بنيانه على أساس إنساني وأخلاقي فإن بنيانه سيخر إلى الأرض، وهذا ما نشهده اليوم. إنه الطمع الذي أهلك أمما من قبل وأباد ممالك، لأنه يحجب عن الحق. ولنا في ما قاله أمير المؤمنين الإمام علي (ع) خير دليل ونافع، حين قال: "أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع".
كثيرة هي العِبر، والأكثر منها قلّة من اعتبر!
الانتقاد/ العدد1305 ـ 10 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
لم يعط الله قيمة لشيء لدى الإنسان كما أعطى العقل، فقد رفعه إلى أعلى سلم الفضل بين المخلوقات. وفي الحديث القدسي أن الله سبحانه وتعالى لما خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر. ثم إن الله عز وجل قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحب إليّ منك، بك أثيب وبك أعاقب.
إذاً، استناداً إلى ما تقدّم، فإن للعقل موقعاً مركزياً وجوهرياً على قمة الكائنات، ومن هنا كانت القيمة الكبرى للعقل والعقلاء، لأن حضوره أصل لكل نعماء، وحاجز عن أي بلاء. غير أن للعقل مزالقه ومهالكه، هناته وزلاته، ولعل أشد ما يحجب العقل ويعطّل قدراته ويشل فعاليته، تلك الأمراض المعنوية الخطيرة والآفات النفسية العظيمة، كالحسد والبغض والشره والحرص والطمع.
الداعي إلى هذا الكلام هو ما نشهده اليوم من انهيار كامل لفلسفة برمتها، إنها الفلسفة الرأسمالية التي بلغت في آخر تمظهراتها النيوليبرالية المتوحشة شأواً خطيراً وبعيداً، حيث ان طغيان المادة والتحلل من كل المعايير الأخلاقية جعل الشركات المالية العالمية العملاقة تتربع على عروش من جماجم ودماء الناس، وعلى تبديد وإهدار أموال وأعمار أمم وشعوب بأكملها. السبب الأول الذي ساقه أهم الخبراء الماليين العالميين، أن ما جرى هو نتيجة طبيعية للطمع والجشع. وإذا كان هذا أحد الأسباب الرئيسة للمشكلة، نستطيع أن نفهم الأساس غير الأخلاقي الذي بُنيت عليه هذه الامبراطوريات المالية.
الفساد المالي والاقتصادي أساسي، والإفلاس المالي ليس إلا الجزء الظاهر من جبل جليد الفساد العالمي، هذا العالم الذي جعلت منه الرأسمالية المادية مكاناً متوحشاً لا يصلح لسكن وتعاملات الآدميين.
في الأخبار الواردة من الولايات المتحدة عن ترددات هذه المأساة التي صنعتها الرأسمالية، أن رب عائلة قتل أفراد عائلته الخمسة وانتحر لأنه عجز عن الوفاء بالتزاماته! وفيها أيضاً أن عجوزاً في الثمانين انتحرت هي الأخرى عندما أرادوا إلقاءها خارج منزلها الذي عاشت فيه قرابة أربعين عاماً، بعد عجزها عن سداد التزاماتها.
الإفلاس المالي لم يكن ليوجد لولا الإفلاس الأخلاقي.. إننا نشهد نهاية حقبة تاريخية، ولا شك في أننا نشهد انهيار كل ذلك العالم المصطنع الذي بالغوا في تسميته بالحلم الأميركي. هل كان ينتظر العالم مثل هذا الكابوس ليصدّق أن في الكون توازنات لا يستطيع أحد أن يغيرها مهما طال الزمن، وأن ما يحكم الكون هو السنن الإلهية مهما تجبرت الفلسفات الوضعية، المادية وغير المادية.
إنه الطمع أيها السادة، أباد من ساد ووضع من رفع. إنه الطمع، وهو آفة أخلاقية في الأساس. ومن لا يؤسس بنيانه على أساس إنساني وأخلاقي فإن بنيانه سيخر إلى الأرض، وهذا ما نشهده اليوم. إنه الطمع الذي أهلك أمما من قبل وأباد ممالك، لأنه يحجب عن الحق. ولنا في ما قاله أمير المؤمنين الإمام علي (ع) خير دليل ونافع، حين قال: "أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع".
كثيرة هي العِبر، والأكثر منها قلّة من اعتبر!
الانتقاد/ العدد1305 ـ 10 تشرين الاول/ اكتوبر 2008