ارشيف من :أخبار عالمية

منظمة "مجاهدي خلق".. لماذا في العراق حتى الآن؟

منظمة "مجاهدي خلق".. لماذا في العراق حتى الآن؟

بغداد ـ عادل الجبوري

أثار المؤتمر السنوي الرابع لمنظمة ما يسمى بـ"مجاهدي خلق" الايرانية، الذي عقدته في معقلها بمدينة اشرف بمحافظة ديالى (70 كم شمال شرق العاصمة بغداد)، في الرابع عشر من شهر حزيران/ يونيو الجاري، أثار لغطا وضجة كبيرة في داخل اوساط سياسية وشعبية عراقية عديدة، وفتح الباب واسعا من جديد للحديث عن مغزى ومبرر وجود هذه المنظمة على الاراضي العراقية حتى الآن، والاطراف الداعمة والمساندة لها والدوافع والاهداف الكامنة وراء ذلك الدعم والاسناد.

وما جعل ردود الافعال تأخذ هذه المرة مديات ومساحات اوسع هو ان منظمة خلق ارادت لمؤتمرها الاخير ان يكون منبرا للتهجم على الدولة العراقية ومؤسساتها وتوجيه الاتهامات لها، وبالتالي التدخل في الشؤون الداخلية للبلد والتشجيع على الارهاب، وعدم مراعاة جملة من السياقات القانونية والسياسية الدولية، في حال اعتبرت المنظمة ان وجودها في العراق ينسجم مع قوانين ومواثيق دولية وبالأخص اتفاقية جنيف التي تتعلق بمنح اللجوء السياسي والانساني، وتوفير الحماية.

وربما لا يعرف الكثيرون ان منظمة مجاهدي خلق تأسست في عام 1975، كأحد الكيانات السياسية المعارضة لنظام الشاه محمد رضا بهلوي في ايران، وتبنت الماركسية اللينينية كأيديولوجية لها، وبعد الاطاحة بنظام الشاه في مطلع عام 1979 عبر ثورة شاملة قادها الإمام الراحل الخميني (قده)، وقفت المنظمة بوجه النظام السياسي الجديد، ووجدت في الحرب التي فرضها نظام صدام في صيف عام 1980 بمساعدة وتشجيع قوى اقليمية ودولية، فرصة مناسبة لتصعيد تمردها، والحصول على دعم واسناد سياسي ومالي وعسكري من اطراف مختلفة كان ابرزها نظام صدام، الذي احتضن الالاف من قيادات وعناصر المنظمة في عام 1985، ووفر لها الكثير من التسهيلات والامتيازات، لا لشيء الا لاستخدامها كأداة ضد ايران وضد العراقيين معا، حالها حال اي جهاز اخر من اجهزته الامنية والاستخباراتية والعسكرية.

واذا لم يكن قد اتضح دورها بإيذاء العراقيين خلال سنوات الحرب الثماني، فإنه تجلى بأوضح صوره في ربيع عام 1991، حيث ساهمت منظمة مجاهدي خلق في قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت بعد قرار نظام صدام الانسحاب من الكويت والاذعان للقرارات الدولية، تلك الانتفاضة التي اوشكت على اسقاطه لولا دعم الولايات المتحدة وقوى دولية واقليمية اخرى له.

وطيلة عقد التسعينات وحتى الاطاحة بنظام صدام  في عام 2003، فإن منظمة خلق ارتكبت عدداً كبيراً جدا من الجرائم ضد مختلف شرائح وفئات الشعب العراقي، وبقدر ما كانت تقوم بذلك كان النظام الحاكم في بغداد يغدق عليها المزيد من الامتيازات والمكاسب، في وقت كان طوق الحصار الاقتصادي يطبق بشدة على اعناق معظم العراقيين.

وبعد التاسع من نيسان/ ابريل 2003، لم يتبدل منهج المنظمة، وما تبدل هو طبيعة التحالفات والارتباطات والولاءات، واصبحت واحدة من ادوات الارهاب الى جانب بقايا حزب البعث، وتنظيمات القاعدة والعناوين الاخرى التي التقت عند هدف واحد فقط، الا وهو افشال التجربة السياسية الجديدة في العراق واغراق البلاد في دوامة الفوضى والاضطراب، واعادة الامور الى الوراء، مستفيدة من الحماية التي وفرتها لها القوات الاميركية، في مفارقة فاضحة عكست ازدواجية التعاطي الاميركي، فمن جانب تصنف منظمة مجاهدي خلق اميركيا ضمن المنظمات الارهابية المحظورة، ومن جانب اخر يتم توفير الحماية لها بدلا من مواجهتها وتحجيمها ان لم يكن انهائها بالكامل.

وبرغم ان المنظمة كسبت قبل حوالى عامين دعوى قضائية لرفع اسمها من قائمة المنظمات الارهابية في الاتحاد الاوروبي، الا ان واشنطن لم تبادر الى اتخاذ خطوة مماثلة، غير انها من الناحية الواقعية والعملية تعاملت بطريقة سلبية جدا مع ملف منظمة خلق في الاطار العام وفي الاطار المتعلق بالعراق تحديدا.

فمجلس الحكم الانتقالي المنحل اصدر خلال الرئاسة الدورية للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي قرارا في التاسع من شهر كانون الاول/ ديسمبر من عام 2003 نص على انهاء عمل هذه المنظمة على الأراضي العراقية، بيد ان الحاكم المدني الاميركي للعراق في حينه بول بريمر استخدم صلاحياته الواسعة لتجميد القرار والحؤول دون تنفيذه.

 وفي عام 2006  شددت الحكومة العراقية مرة اخرى على ضرورة الاسراع باتخاذ الاجراءات الكفيلة بطرد عناصر المنظمة البالغ عددهم حوالى اربعة الاف عنصر من العراق تماما، لكن بقيت واشنطن تقف حائلا دون تفعيل مثل تلك القرارات.
واللافت انه بعد صدور القرار الاخير من قبل مجلس الوزراء العراقي القاضي بوضع منظمة خلق تحت اشراف القوات العراقية لحين استكمال الاجراءات اللازمة مع قوات الاحتلال ومنظمة الصليب الأحمر الدولي لإخراجها من العراق، صرح لو فينتر الناطق الرسمي باسم السفارة الاميركية في بغداد في معرض الرد على تصريحات الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، "ان الادارة الاميركية لم تغير موقفها ولا ترى أي مسوغ للتعجيل في ترحيل أعضاء المنظمة"!.

وهذا الاصرار الاميركي، الذي يعكس رغبة واشنطن في الابقاء على المنظمة كورقة للضغط على طهران، وربما ابقائها كأحد عناصر الارباك في المشهد السياسي والامني العراقي، يأتي هذا الاصرار في ظل رفض عراقي من مختلف الاوساط والمحافل السياسية والقوى والمكونات الاجتماعية لوجود تلك المنظمة في العراق.

حالة الرفض لم تقتصر على عدد من القوى السياسية الشيعية التي تربطها بإيران علاقات تاريخية جيدة، بل ان قوى واطرافا وشخصيات سياسية سنية وكردية وتركمانية وحتى مسيحية تبنت نفس الاتجاه بقوة ووضوح، ووجهت انتقادات لاذعة للولايات المتحدة الاميركية بسبب تعاطيها المزدوج مع موضوع الارهاب من خلال مواجهتها ومحاربتها لجماعات معينة، وتوفيرها الحماية لجماعات اخرى، وهذا ما ينطبق على منظمة مجاهدي خلق.
الانتقاد/ العدد1275 ـ 24 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-23