ارشيف من :أخبار عالمية
خاص الانتقاد.نت: "بوند ستيل".."ديان بيان فو" اميركية في كوسوفو

صوفيا ـ جورج حداد
"قلعة بوندستيل"، كما اصبح الكثيرون يسمونها، هي اكبر قاعدة عسكرية اميركية في اوروبا. وهي تمثل مدينة ضخمة سوبر مودرن. وحسبما يقول المؤرخ الفرنسي "أليكسيس ترود" في كتابه الكبير "جيوبوليتيكة صربيا"، فإن القوة الاعظم عالميا تريد ان تؤكد، ببناء هذه القاعدة، انها تطمح الى حضور دائم في اطراف يوغوسلافيا. وقد سبق للبروفسور "ترود" ولمدة سنوات عديدة ان قام بزيارات متعددة الى مناطق جنوب صربيا. واستنادا الى اقوال الكولونيل "روبرت ميكليير"، قائد فرقة المشاة الاميركية الاولى في القاعدة، يقول البروفسور ترود "ان ". وفي سياق العلاقات الاقليمية بين الدول المجاورة هنغاريا، بلغاريا ورومانيا، كان من الواضح منذ مطلع سنة 2000، ان كوسوفو هي ورقة محروقة. وقد صرح "برايان هوبكينسون" ـ مدير اللجنة الدولية لازمة كوسوفو ـ منذ تشرين الثاني 1999 "ان هذه القاعدة تمثل استجابة للحاجات الملحة للتواجد في البلقان في السنوات القادمة". ومنذ البداية كان من المخطط له ان تكون "بوندستيل" كبيرة المساحة جدا، كي تستوعب المزيد من الجنود الاميركيين، وفي الوقت ذاته ـ حسبما يقول هوبكينسون ـ " ان تكون قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية الاميركية اللاحقة في هذا الاقليم. والتجميع اللوجستي القوي والتكنولوجيا العالية للمعدات الحربية سوف تحول "بوندستيل" الى عامل ثبات للقوات الاميركية في جنوب شرقي اوروبا".
ويعود البدء في بناء القاعدة الاميركية على بعد عدة كيلومترات من "اوروشيفاتس" الى صيف 1999. وقد تولت على الاقل ست شركات مهمة القيام خلال ستة اشهر بشق طرقات بطول 320 كيلومترا وبناء 75 جسرا، بحيث تم تحضير ارضية بقطر 8،5 كيلومترات، وبمساحة 750 هكتارا، كي يجري ايواء حوالي 4500 عسكري اميركي. وقد بنيت "بوندستيل" بطريقة يمكن معها اذا اقتضت الحاجة ان تستوعب حتى 7000 جندي اميركي. "والانطباع الاول الذي يتلقاه زائر القاعدة هو وجود تكنولوجيا حراسة مشددة. فعند المدخل تستقبله الجدران الهائلة والانتينات المتعددة وكاميرات المراقبة، وكل ذلك بالترافق مع التحليق المستمر لطائرات الهيليكوبتر. ومحيط القاعدة بأسره هو محاط بطرقات معبدة عديدة. ومن الواضح انه بذلت جهود كبيرة لضمان امن القاعدة. وقد زودت "بوندستيل" بحائط دفاعي طوله 14 كيلومترا وارتفاعه 2،5 متران، وفي عدة نقاط استراتيجية بنيت على الحائط ابراج مراقبة مزودة بالمدافع الرشاشة بارتفاع 9،6 امتار (بدلا من العادية ذات الارتفاع 2،5 متران)، محمية بكتل اسمنتية سميكة".
وداخلية بوندستيل هي اشبه شيء بمدينة، منها بقاعدة عسكرية. فهناك 300 بناية اسمنتية تنتشر على امتداد 25 كيلومترا من الطرقات المعبدة، تذكر بمكعبات لعبة "الليغو". ووسط هذه البنايات يمكن ملاحظة المستشفى العسكري (وهو من بين المستشفيات الافضل تجهيزا في اوروبا)، والسجن (وهو بطول 115 مترا وارتفاع 82 مترا)، والعديد من المطاعم والبارات والملاعب الرياضية وحتى "مطعم بورغركينغ".
والمعدات التقنية العسكرية تستبدل باستمرار. وفي "بوندستيل" يوجد 52 طائرة، و60 هيليكوبتر و12 "اباتشي".
ان الكولونيل "روبرت ميكليير هو الذي اشرف على الاعمال الهندسية منذ بداية بناء القاعدة؛ وقد وضع التصاميم على الطاولة في شهر اب/ أغسطس 1999 قائلا "اننا نريد لجنودنا ان يستطيعوا ان يأكلوا البوظة بالقرن". وبنتيجة الجهود والرغبة فإن "بوندستيل" تشبه مدينة ـ قلعة باكثر ما يكون من الرفاهية. وقد بدئ اولا ببناء بيوت خشبية مجهزة جيدا للجنود الاميركيين. وفي كل منها يوجد 5 غرف ذات 6 أسرة، اشبه باوتيلات فخمة من فئة 3 نجوم، وشرفة واسعة، وتدفئة كهربائية، ومكيفات وتلفون في كل غرفة. وكل جندي له خزانته الخاصة. وفي الكثير من الغرف يوجد جهاز تلفزيون، وجهاز كاسيتات وآلة للقهوة.
ويقول الصحفي من جريدة "كريستشين ساينس مونيتور" مايكل جوردان "ان القاعدة كبيرة الى درجة يمكن تقسيمها الى ثلاثة اقسام: الوسط، والاطراف القريبة، والاطراف البعيدة".
والسنتر التجاري مبني بقرب البارات. وتشتغل فيه محلات لبيع الالبسة والكاسيتات والسندويشات والبيرة غير الكحولية ومطاعم، ليلا نهارا. ويوجد صالتان للسينما، وصالة بليارد وصالة للمؤتمرات. وحسب تعبير البروفسور ترود ايضا، فإن بوندستيل هي تجسيد للتجهيزات العسكرية الاميركية وللمجمع الصناعي ـ العسكري الاميركي. وقد عمل في بناء القاعدة في 1999، 1700 مهندس عسكري اميركي بمساعدة 1000 عامل اميركي و7000 عامل الباني. وتقوم بتجهيز القاعدة بالاطعمة ومياه الشرب الشركة الاميركية „Band RS”، وهي ـ حسب اقوال الصحفي الاميركي بول ستيوارت ـ اكبر رب عمل على اراضي كوسوفو حيث يعمل فيها 5000 عامل دائم و15000 عامل متقطع من السكان المحليين. و"بوندستيل" هي جزء من شبكة قواعد عسكرية ـ صناعية اميركية. وشركة „Band RS” هي متفرعة من شركة "هاليبرتون كوربوريشن"، ومديرها ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش الابن، ووزير الدفاع السابق لدى الرئيس جورج بوش الاب. والمعلوم انه في سنة 1999، فإن هذه الشركة الاميركية كانت قد وقعت اتفاقا بقيمة 18 مليون دولار لبناء قواعد عسكرية في هنغاريا، والبوسنه والهرسك. وفي حزيران 2001، فإن وزير الحربية حينذاك دونالد رامسفيلد صرح قائلا: "حسب مفهومي، نحن لا ننفق لاجلكم، نحن نوظف الاموال في رجالكم ونسائكم. وبفضل الخدمة العسكرية الاميركية، نحن لا نقوض القوة الاميركية، بل بالعكس ـ نجعل نموها اقوى".
وحسب تقديرات البروفسور الفرنسي ترود، فإن احد اسباب الاهتمام الاميركي بكوسوفو هو وجود احتياطات معادن ثمينة، ومنها ما يستخدم في رؤوس الصواريخ والقنابل.
ويضيف البروفسور ان السبب الجيوبوليتكي هو احد اهم اسباب بناء هذه القاعدة الضخمة في كوسوفو. وفي حال حصول اي ازمة في مقدونيا او الجبل الاسود المجاورين، فإن الاميركيين يمكنهم سريعا ان يدخلوا منطقة كوسوفو وميتوخيا، التي هي "قطاع متوسط" بين يادران، البحر الاسود، نهر الدانوب، والبحر الابيض المتوسط. والوجود الاميركي المكثف في كوسوفو وميتوخيا يمثل عقبة جدية امام التطلعات الروسية والعربية في هذه المنطقة من البلقان الغربي. وفي كانون الثاني 1999، اي قبل شهرين من بداية قصف صربيا والجبل الاسود من قبل حلف الناتو، كتبت جريدة "واشنطن بوست"، المقربة من الادارة الاميركية، مقالا افتتاحيا جاء فيه "ان تفاقم المشاكل في الشرق الادنى يستدعي ضرورة بناء قاعدة، تعطينا الامكانية ان نستخدم طيراننا، للدفاع عن البترول في بحر قزوين". ويعتبر بعض المحللين الغربيين ان قاعدة "بوندستيل" يمكن ان تكون اول بديل لقاعدة آفيان، ايطاليا، للمخطط الرئيسي المستقبلي للستراتيجية الحربية الاميركية بخصوص البحر الاسود.