ارشيف من :أخبار لبنانية

تسريب معلومات خاطئة عن التحقيق للتضليل والتعمية على المجرمين وإثارة الفتن

تسريب معلومات خاطئة عن التحقيق للتضليل والتعمية على المجرمين وإثارة الفتن
كتب علي الموسوي:
استباقاً لتقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الكندي دانيال بيلمار والمنتظر صدوره في مطلع شهر كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2008، عادت ماكينة تضليل التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى استكمال نشاطها الدؤوب في تحريف مسار التحقيق وبثّ معلومات مغلوطة لكي ترسخ في أذهان الرأي العام باتجاه اتهام أشخاص محدّدين مثل الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً، والتغاضي عن المجرمين الفعليين الذين لا يزالون طلقاء يصولون ويجولون داخل لبنان وخارجه.
وتولّى، هذه المرّة، المحلّل السياسي في جريدة " الأنوار" عبر مقال في الصفحة الأولى من العدد 16942، الصادر يوم الأربعاء الواقع فيه الأوّل من شهر تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2008، دفّة نشر معلومات مختلقة عن التحقيق الذي يفترض بأن يكون سرّيّاً ولا يعرف بمضمونه إلاّ القائمون به في اللجنة الدولية في المرتبة الأولى، ثمّ القضاء اللبناني ممثّلاً بالقاضيين سعيد ميرزا وصقر صقر في الدرجة الثانية، زاعماً أنّها من صلب التحقيق، وأبرز ما فيها أنّ "تقرير بيلمار سيتضمّن أسماء مئة وعشرين شخصاً معنيين بجريمة الاغتيال"، وأنّ "كشف هذه الأسماء سيحدث زلزالاً سياسياً لما لها من أهمّية ومن دور محوري في مرحلة ما قبل 14 شباط/فبراير من العام 2005"، وأنّه "ليس بين هذه الأسماء من يمكن الدفاع عنه".
وتوحي هذه السطور، على قلّتها، بأنّ ماكينة التضليل المذكورة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وصارت على مشارف توديع الحياة لانتفاء دورها المحوري والهام في تمييع الحقيقة، وإبعاد الأنظار عن القتلة وشهود الزور من سياسيين وأمنيين وصحافيين لبنانيين معروفين بالأسماء، فضلاً عن ابتكار شهود سوريين وفلسطينيين سجناء وعملاء زنازين ومخبرين وتجّار مخدّرات لتزوير الحقائق وتزييفها، من أجل سدّ حاجتهم المادية والعقلية بحفنة من الليرات لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا يمكنها أن تعمّر طويلاً على طريقة المثل الشعبي القائل" حبل الكذب قصير". وهؤلاء هم: محمّد زهير الصدّيق، وهسام طاهر هسام، وعبد الباسط بني عودة، وأكرم مراد، وإبراهيم ميشال جرجورة الذين عُوّل عليهم كثيراً للإيقاع بالضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار، وبسوريا أيضاً، فخابوا وما نجحوا.
فأيّ منطق يقول بأنّ مئة وعشرين شخصاً اجتمعوا مع بعضهم بعضاً، وقرّروا التخلّص من الرئيس الحريري ورسموا المخطّط التنفيذي واستعدّوا له جيّداً وشرعوا بوضعه حيّز التطبيق العملي؟ وأيّ أمر مهما كانت درجته من الخطورة والأهمية كهذا الاغتيال، يبقى طيّ الكتمان ليس بين ثلاثة أشخاص فقط، وإنّما بين مئة وعشرين شخصاً؟ وأين؟ في لبنان، هذا البلد الصغير الذي يلتقي سياسيوه وصحافيوه ورجال الأمن والاقتصاد والاجتماع فيه، على اختلاف مشاربهم وتوجّهاتهم وآرائهم، كلّ يوم، في سهرات عامرة بالودّ والأحاديث والخبايا بحيث لا يبقى السرّ محاطاً بجدران أربعة، بل يمتدّ ويتفشّى على كلّ شفة ولسان، وفي المقالات ووسائل الإعلام.
ثمّ أنّه أين هو هذا المكان الذي جمع هذا العدد الكبير من الأشخاص من دون أن يثير انتباه أحد؟ وكيف وصلوا إليه بحيث يستشفّ من معلومات" الأنوار" الخاصة بأنّهم من نخبة السياسيين والأمنيين في لبنان كونهم لعبوا دوراً محورياً قبل وقوع الجريمة والمقصود هو الفريق المحسوب على سوريا دون الآخرين الذين شربوا من بئرها على مدى اثنين وعشرين عاماً من وجودها في لبنان، ثمّ رموها بالحجارة وبأقذع الكلام والأوصاف بسبب التغيّرات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط؟.
وهل وصل هؤلاء سيراً على الأقدام ومن دون مرافقيهم وحرّاسهم؟ فهذا ما لم تقله هذه المعلومات تاركة الأمر، ربّما، لحلقة أخرى من التشويق التضليلي قبل نزولها عن المسرح لانتفاء دورها ومصلحة أصحابها في المضي قدماً في التزييف، وبسبب انكشاف صورتها أمام لجنة التحقيق الدولية بشكل لم تعد المصداقية القانونية اللجنة والأمم المتحدة معاً، تتحمّل المزيد من التعرّض للتشكيك.
وما هذا الوهم والوهن المعلوماتي، سوى تكرار واستنساخ، ولكنْ بصورة أكبر وأضخم، لما قيل عن اجتماع للضبّاط الأربعة مع ضبّاط سوريين في شقّتين، الأولى في شارع معوّض في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، والثانية في محلّة خلدة الواقعة جنوب بيروت وعلى تخوم الضاحية الجنوبية أيضاً، وهي شقّة تخصّ شاهد الزور محمّد زهير الصدّيّق أيضاً، وأظهرت فحوص الحمض النووي"DNA" التي أجريت على عيّنات استخرجت من هاتين الشقّتين، بأنّه لا الضبّاط الأربعة اللبنانيون ولا الضبّاط السوريون وطأتها أقدامهم، لا في الليل، ولا في النهار، ولا في السرّ، ولا في العلن، فسقطت هذه الأكذوبة التي قُدّمت للصدّيّق لكي يعيد تسميعها، على يد لجنة التحقيق الدولية، مع أنّ رئيسها الأوّل الألماني ديتليف ميليس صدّقها، وذهبت الغشاوة به إلى القيام باستعراض في دهم الشقّتين بحضور وسائل الإعلام المرئية المحلّية والفضائية، ليعثر على لا شيء، ويعود منها خالي الوفاض.
ولا تخفى على اللبيب، ما تعنيه الإشارة إلى منطقة الضاحية الجنوبية.
ولم يفت هذه المعلومات أن تلعب على الوتر الطائفي الحسّاس لإثارة النعرة الطائفية والمذهبية والفتن، وذلك بالإشارة إلى أنّه" خلال اجتماع مصغّر لعدد من المسؤولين الرفيعي المستوى، طرح السؤال التالي: ماذا ستكون عليه ردّة فعل الطائفة السنّية عند اغتيال الرئيس الحريري؟، فسارع أحد المسؤولين، الموقوف اليوم، إلى الإجابة بالقول: السُنّة في لبنان نزلوا إلى الشارع مرّة واحدة في التاريخ المعاصر، وكان ذلك يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وبعد ذلك لم تطأ أقدامهم الشارع. فَهِم المجتمعون من هذه المقاربة التاريخية أن لا ردّات فعل تذكر بعد الجريمة، وشكّل ذلك تشجيعاً على السير في التنفيذ".
والمقصود بـ" الموقوف اليوم" اللواء السيّد الذي يحمل صكّ براءة كبيرة من القاضيين البلجيكي سيرج برامرتز والكندي بيلمار، ولكنّه يستمرّ في السجن بفعل الضغوط السياسية التي تحول دون الإفراج عنه وعن زملائه الثلاثة الآخرين.
واستدعت هذه التسريبات الخاطئة احتجاجاً كبيراً من القاضي بيلمار، أبلغه إلى القاضي ميرزا ووزير العدل إبراهيم نجّار الذي سارع إلى إطلاق سلسلة توضيحات وتكذيبات. 
يذكر أنّ صاحب السبق الصحفي المحلّل السياسي المذكور، ذكراً كان أم أنثى، فتح قنّينة شمبانيا للسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان قبل أن تستردّه دولته من بيروت لفشله في تحقيق مآربها وسياستها الكيدية، وذلك في حفلة سهرة رأس السنة الميلادية في فندق قريب من مسرح الجريمة في محلّة عين المريسة، دفع، أو دفعت، ثمنها آلاف الدولارات الأميركية، فكيف يمكن لمعلوماته أن تتمتّع بالمصداقية؟.
2008-10-12