ارشيف من :أخبار عالمية

عملية ثورية جديدة وعارمة هي بصدد التشكل بخطى واثقة على المستوى العالمي

عملية ثورية جديدة وعارمة هي بصدد التشكل بخطى واثقة على المستوى العالمي
في ذكرى اقتحام السفارة الأميركية في طهران: الوقوف في وجه الاستكبار الأميركي هو المائز والمحك!


عقيل الشيخ حسين

احتفلت الجمهورية الإسلامية في إيران مؤخراً بالذكرى الثلاثين لاقتحام السفارة الأميركية في طهران، من قبل الطلاب المسلمين، كرد على امتناع الأميركيين عن تسليم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان قد حط الرحال في أميركا تتويجاً لرحلة هروبه من وجه الثورة. وكان قائد الثورة، الإمام الخميني (قده)، قد أطلق على هذا التحرك اسم "الثورة الثانية"، مؤكداً بذلك على البعد العالمي للثورة الأولى التي أطاحت بالعرش الشاهنشاهي، المحلي.
أهمية ذلك البعد العالمي تمكن قراءتها على ضوء الأوضاع التي كانت سائدة في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات على مستوى المصير الذي آل إليه، في ذلك الوقت، ما كان يعرف باسم "العملية الثورية العالمية" أي تلك العملية التي كان من المفترض لها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أن تقود العالم نحو التحرر والانعتاق والرفاه، بقيادة تشكيلة ثورية تبدأ بالطبقة العاملة في بلدان الغرب وتنتهي بحركة التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث، مروراً بالمنظومة الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.
وقد بلغت هذه المقولة حداً من القوة والانتشار في الخمسينات والستينات جعل من حتمية الانتصار أمراً بديهياً يستحيل معه التفكير بإمكانية وجود طريق آخر. فالحق يقال إن الانتصارات التي كان يتم تسجيلها يومياً على مستوى العملية الثورية المذكورة كانت تشيع الانطباع بصحة هذا التوجه: نجاحات اقتصادية وعلمية وسياسية حققها الاتحاد السوفياتي الذي أصبح قطباً في مواجهة أميركا، سلاسل من الاستقلالات عن القوى الاستعمارية التقليدية عمت آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، ظهور حركة عدم الانحياز التي تصدت بقيادة عبد الناصر وسوكارنو ونهرو وتيتو وغيرهم للمشاريع الغربية. وبالطبع، كانت هنالك الملاحم التي كانت الثورة الفييتنامية بصدد تسجيلها يومياً في مقارعة الوجود الفرنسي وبعده الأميركي، وهي الملاحم التي كان لها دور أكيد في انطلاق الثورة الفلسطينية التي أكدت منذ اللحظات الأولى على طبيعة الحل المبدئي والمحق للمشكلة الفلسطينية عبر حميع الوسائل وفي طليعتها الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية.
لكنْ حدث ما يشبه استفاقة النائم الغارق في الأحلام الوردية على واقع مأساوي. ثورات وانقلابات مضادة وحروب من تدبير السفارات والاستخبارات الأميركية أطاحت على التوالي بأنظمة لومومبا ونيكروما وسكوتوري وسوكارنو وعبد الناصر وآليندي وغيرهم. وانقشع التاريخ عن مفاجآت من نوع غير المفكر فيه وغير المعقول مع تطورات من نوع زيارة السادات للكيان الإسرائيلي، والاعتراف بهذا الكيان، ومفاوضات أوسلو، ودخول الثورة الفلسطينية في المأزق الحالي. ودخول الاتحاد السوفياتي ومنظومته في سياسة الوفاق وبروز التفسخات التي أدت إلى انهياره بعد سنوات قليلة، وما أفضى إليه ذلك من سيادة الانطباع بنهاية التاريخ وقيام الامبراطورية الأميركية العالمية.
كانت أنظمة لا يزيد تعدادها عن نصف أصابع اليد قد تمكنت من الصمود في وجه هذه الموجة العاتية من الرياح. لكن أغلب الظن أن الدوائر السياسية في عواصم الغرب كانت تعتبر سقوط النظامين السوري والكوبي في حكم الأمر المحتوم.
لكن حدث في العام 1979، أن هبت على العالم رياح مختلفة. نوع من هجوم معاكس شنته حركة التحرر الوطني، بمفاهيم ووسائل مختلفة، من خلال تفجر الثورة الإسلامية في إيران، تلك الثورة التي كان الهم الفلسطيني وسائر هموم التحرر في العالمين الإسلامي والمستضعف في طليعة دوافعها وروافعها. وكان من الطبيعي لتلك الثورة أن تبرهن على أصالتها عبر الخروج من إطارها المحلي المتمثل بضرب نظام الشاه، إلى إطارها العالمي المتمثل بالاصطدام برأس منظومة الهيمنة العالمية المتمثلة بالمشاريع الأميركية. وكان احتلال السفارة الأميركية، ومن نافل القول بأنها كانت وكر جواسيس، هو التعبير الأول عن ذلك الاصطدام.
هنالك أصوات تنعق اليوم بالقول بأن احتلال السفارة الأميركية كان خطأ لأنه، وفقاً للمزاعم، أثار حفيظة "الشعب" الأميركي. خطاب انتهازي من نوع الخطابات التي أدخلت أنظمة التحرر السابقة في محنتها التي حولتها إلى أنظمة تابعة. لكن احتلال السفارة أثبت قدرة الثورة الإسلامية على صنع الحدث العالمي بما تحول إلى هزيمة نكراء منيت بها إدارة الرئيس الأميركي جيمي كارتر. كما أثبت قدرة الثورة على مواجهة ما لا يحصى من تحديات بدءاً بطبس وانتهاءً بالملف النووي، مروراً بما لا يحصى من ملفات ليس أقلها الحرب العراقية ـ العالمية على إيران.
والفرق شاسع اليوم بين الأوضاع الصعبة التي عاشتها الثورة في تلك الفترة والأوضاع الحالية. يكفي أن نلاحظ حضور إيران اليوم في قلب الحدث الدولي. ليست هنالك نشرة أخبار تغيب إيران عن احتلال موقع الصدارة فيها. وليس هنالك من طامح لسلطة أو لموقع هنا وهناك إلا ويتزلف لقوى الاستكبار من خلال مهاجمة إيران. وكل ذلك في وقت باتت فيه إيران موقع استقطاب لقوى التحرر الجديدة من خلال صعود المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان، وصمود أنظمة التحرر في سوريا وكوبا، وانبثاق أنظمة جديدة في فنزويلا وسائر أميركا اللاتينية، وحدوث تحولات استراتيجية بالغة العمق في روسيا والصين، وخصوصاً في تركيا.
إن عملية ثورية جديدة وعارمة هي بصدد التشكل بخطى واثقة على المستوى العالمي. والحاضر والمستقبل القريب كفيلان بتقرير هذه الحقيقة لمن لم يدرك بعد دور الثورة الإسلامية الريادي في تشكل تلك العملية التي يترافق تصاعدها مع الاهتراء الحثيث لمنظومات الهيمنة المتفرعة من واشنطن إلى شتى الأصقاع والعواصم التابعة.

2009-11-06