ارشيف من :آراء وتحليلات
فيما مسارات التصالح تتفاوت في حرارتها: المسألة الأمنية تعود إلى الواجهة

كتب مصطفى الحاج علي
يبدو الوضع الداخلي مأخوذاً بجملة عناوين شكلت موضع تساؤل واهتمام سياسيين مؤخراً:
الأول يتعلق بمصير ومسار المصالحات. والثاني أمني بامتياز، وهو يتوزع على ثلاثة اتجاهات: جنوباً حيث بارومتر التهديدات الإسرائيلية إلى ارتفاع غير مسبوق، وشمالاً حيث شكلت الإجراءات الأمنية السورية مادة ذعرٍ وهواجس لدى فريق 14 شباط، وداخلياً حيث ارتفع منسوب الكلام وزاد حجم التسريبات حول احتمال أن يشهد لبنان موجة جديدة من الاغتيالات أو حرب مخيمات أخرى، وهذه المرة في مخيم عين الحلوة. والثالث يتعلق بحركة الزيارات سواء من الخارج باتجاه لبنان أو بالعكس.
أي قراءة وأي خلاصة يمكن أن نخرج بها من هذا المشهد العام؟
أولاً المصالحات:
من نافل القول ان لبنان يشهد ثلاثة مسارات من الصلح أو المصالحة في ما يتعلق بالأطراف السياسية المتصارعة: الأول بين حزب الله والحزب التقدمي، وهذا المسار يشهد تطوراً متنامياً وبشكل مدروس وبخطى ثابتة قد تتكلل في المدى القريب بعقد لقاء سياسي بين وفد نيابي من حزب الله والنائب وليد جنبلاط. وأهمية هذا اللقاء اذا عُقد، أنه سيشكل نقلة مهمة في مسار المصالحة، حيث سينقلها من الإطار الميداني والموضوعي إلى الإطار السياسي، من دون أن يعني ذلك وصول هذا الارتقاء إلى مرحلة التحالف السياسي أو الانتخابي. والملاحظ هنا هو التطور الحاصل في الخطاب السياسي الجنبلاطي مؤخراً، خصوصاً في ما يتعلق بالموقف من الكيان الاسرائيلي وتهديداته للبنان، وامتياز هذا الخطاب بالدعوة إلى أخذ ما يلزم لمواجهتها وتحويلها إلى حافز لإتمام المصالحات، وبالتالي إعطاء هذه المصالحات بعداً وطنياً يتجاوز الاعتبارات الداخلية البحت، خصوصاً تلك المتعلقة بأحداث السابع من أيار.
وأما الثاني فيتعلق بمسار المصالحة بين حزب الله وتيار المستقبل. والملاحظ هنا البطء الذي يشهده هذا المسار بعيد خطوة حزب الله باتجاه قريطم. وكان لافتاً مؤخراً ما قاله النائب مصطفى علوش من أن اللقاء بين النائب سعد الحريري وسماحة أمين عام حزب الله ليس ضرورياً أو ملحاً الآن، مسترجعاً مواقفه السابقة حول الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة.
ثمة من يرى في تبريد خطوات المصالحة بين قريطم والأمانة العامة مطلباً ومصلحة حريرية متعددة الدوافع والأبعاد، أبرزها:
ـ ان الحريري الذي دأب على تعبئة قواعده مذهبياً وسياسياً ضد حزب الله لا يستطيع بكسبة زر أن ينزل هؤلاء من المكان المرتفع الذي وضعهم فيه، وهو بالتالي يحتاج إلى مزيد من الوقت لجعلهم قادرين على التكيف مع مناخ التصالح.
ـ ان الحريري الذي يرى أنه قد تعرض لضربة معنوية كبيرة في السابع من أيار، وسياسية باتفاق الدوحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، يريد استثمار خطوة حزب الله نحوه إلى الحد الأقصى تحت عنوان: ان الحزب هو من قصده وجاء إلى عنده، وليس العكس، وهو الذي "يتغنج" عليه إذا جاز التعبير. كل ذلك لموازنة وضعه معنوياً وسياسياً، حتى إذا ما لبى اللقاء مع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يكون قد لبّاها من موقع متوازن، لا من موقع مختلف.
ـ ان الدول العربية الداعمة لتيار المستقبل وللحريري، قد تكون هي وراء هذا التبريد، ولحسابات لا تقف عند حدود لبنان، وإنما تتجاوزها لحسابات هذه الدول إقليمياً وعربياً.
أما المسار الثالث فيتصل بالمصالحة المسيحية ـ المسيحية التي تقلصت مؤخراً إلى حدود المصالحة بين تيار المردة وحزب القوات اللبنانية. وهنا تبدو الحسابات أكثر تعقيداً، لتباين الدوافع والأهداف. فالنائب والوزير السابق سليمان فرنجية يصر على أن يكون رئيس الجمهورية هو المرجعية السياسية لهذه المصالحة، وإن كان لا يمانع بدور مرجعي للبطرك صفير على أن يأتي تالياً. في المقابل كان جعجع يصر على العكس. وعلى صعيد آخر يصرّ فرنجية على مشاركة العماد عون كمرجع وشاهد في الحد الأدنى، في حين يرفض جعجع ذلك.
من المعروف أن المصالحة في الساحة المسيحية تحرك بدوافع مختلفة، أبرزها الحادث الأمني في بصرما ومناخ التصالح الذي بات يخيم على لبنان ومن ضمن اتفاق الدوحة، بحيث لا تستطيع الساحة المسيحية أن تبقى شواذاً خارج هذا المناخ.
هذا على صعيد الدوافع العامة، أما على صعيد الدوافع الخاصة، فلا شك في أن لفرنجية وعون مصلحة حقيقية في المصالحة، لأنه من شأنها ترييح الناخب المسيحي ودفعه للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، في حين أن التوتير الأمني أو السياسي قد يدفعه إلى التزام منزله، وربما هذا ما يريده جعجع وحلفاؤه، حيث لا يعود الرهان على احتمال النجاح انتخابياً في وجه عون وفرنجية، لا سيما أن كل استطلاعات الرأي الخاصة بهم جاءت مخيبة للآمال، ما يجعلهم يعملون على تخفيض النسبة المئوية لنجاح عون، للقول ـ في الحد الأدنى ـ انه خسر سياسياً ومعنوياً وإن فاز انتخابياً، لأنه لم يعد يمثل الـ70% التي يمثلها الآن.
خلاصة القول هنا، أننا أمام مناخ تصالحي تتفاوت مساراته في حراراتها، وبالتالي نحن أمام عملية لم تكتمل فصولها الأولية، ولا تزال تحتاج إلى رعاية ومتابعة لاستكشاف آفاقها، لا سيما أن البعض ينظر إلى المصالحات كجزء لا يتجزأ من تسوية الدوحة.. في حين ما زال ينظر اليها البعض الآخر كإجراء للتهدئة ليس إلا، تهدئة يتوقف مفعولها النهائي عند محطة الانتخابات النيابية، فإما أن تستكمل وإما أن تسقط وتتلاشى.
ثانياً المسألة الأمنية:
احتلت المسألة الأمنية المرتبة الأولى في جدول الاهتمام الداخلي والخارجي معاً، والملاحظ هنا هو التالي:
ـ ان الاهتمام تمحور حول عنوان الإرهاب ونشاط بعض الحركات السلفية، متجاوزاً على نحو لا مبالٍٍ التهديدات الإسرائيلية، ما يعني أن هناك شعوراً متعاظماً لدى المعنيين بتحول لبنان عموماً والشمال تحديداً، إلى قاعدة خطرة لهذه الحركات.
ـ تقاطع الموقف الأوروبي والأميركي على تفهم الإجراءات العسكرية والأمنية السورية، بل بدا كأن هذه الإجراءات منسقة مسبقاً، وهذا ما جعل صراخ فريق 14 شباط وحركة اتصالاته بلا معنى.. ولعل هذا ما سهل مؤخراً تمرير الموافقة داخل مجلس الوزراء على مسألة استئناف التنسيق الأمني والعسكري السوري ـ اللبناني.
ـ تسجيل أول تعاطٍ سوري إيجابي مع القرار الدولي 1701، وفي ذلك رسالة واضحة إلى من يهمه الأمر دولياً، وللقول بأن هذا القرار لا يعمل باتجاه واحد، أي من سوريا إلى لبنان، وإنما باتجاه مقابل أيضاً من لبنان إلى سوريا، ما يفرض عليه التزامات مقابلة. ويبدو أن مسألة الإرهاب هي القاسم المشترك المتوافق عليه حتى الآن.
خلاصة القول هنا، لا يزال الوضع الأمني في لبنان هشاً، وهو في هذا الإطار عرضة لضغوط قوية تأتيه من كل صوب. وإذا كانت المقاومة تقف اليوم سداً منيعاً في وجه التهديدات الإسرائيلية وتحول دون ترجمتها إلى أفعال، وتوفر بالتالي الشرط الموضوعي لنسج شبكة حماية فوق لبنان، فلا أقل من أن يُركز على مصادر التهديد الأخرى حتى تكتمل عناصر هذه الشبكة، وهذا ما يفرض تسريع المصالحات لا تبريدها.
الانتقاد/ العدد 1306 ـ 14 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
يبدو الوضع الداخلي مأخوذاً بجملة عناوين شكلت موضع تساؤل واهتمام سياسيين مؤخراً:
الأول يتعلق بمصير ومسار المصالحات. والثاني أمني بامتياز، وهو يتوزع على ثلاثة اتجاهات: جنوباً حيث بارومتر التهديدات الإسرائيلية إلى ارتفاع غير مسبوق، وشمالاً حيث شكلت الإجراءات الأمنية السورية مادة ذعرٍ وهواجس لدى فريق 14 شباط، وداخلياً حيث ارتفع منسوب الكلام وزاد حجم التسريبات حول احتمال أن يشهد لبنان موجة جديدة من الاغتيالات أو حرب مخيمات أخرى، وهذه المرة في مخيم عين الحلوة. والثالث يتعلق بحركة الزيارات سواء من الخارج باتجاه لبنان أو بالعكس.
أي قراءة وأي خلاصة يمكن أن نخرج بها من هذا المشهد العام؟
أولاً المصالحات:
من نافل القول ان لبنان يشهد ثلاثة مسارات من الصلح أو المصالحة في ما يتعلق بالأطراف السياسية المتصارعة: الأول بين حزب الله والحزب التقدمي، وهذا المسار يشهد تطوراً متنامياً وبشكل مدروس وبخطى ثابتة قد تتكلل في المدى القريب بعقد لقاء سياسي بين وفد نيابي من حزب الله والنائب وليد جنبلاط. وأهمية هذا اللقاء اذا عُقد، أنه سيشكل نقلة مهمة في مسار المصالحة، حيث سينقلها من الإطار الميداني والموضوعي إلى الإطار السياسي، من دون أن يعني ذلك وصول هذا الارتقاء إلى مرحلة التحالف السياسي أو الانتخابي. والملاحظ هنا هو التطور الحاصل في الخطاب السياسي الجنبلاطي مؤخراً، خصوصاً في ما يتعلق بالموقف من الكيان الاسرائيلي وتهديداته للبنان، وامتياز هذا الخطاب بالدعوة إلى أخذ ما يلزم لمواجهتها وتحويلها إلى حافز لإتمام المصالحات، وبالتالي إعطاء هذه المصالحات بعداً وطنياً يتجاوز الاعتبارات الداخلية البحت، خصوصاً تلك المتعلقة بأحداث السابع من أيار.
وأما الثاني فيتعلق بمسار المصالحة بين حزب الله وتيار المستقبل. والملاحظ هنا البطء الذي يشهده هذا المسار بعيد خطوة حزب الله باتجاه قريطم. وكان لافتاً مؤخراً ما قاله النائب مصطفى علوش من أن اللقاء بين النائب سعد الحريري وسماحة أمين عام حزب الله ليس ضرورياً أو ملحاً الآن، مسترجعاً مواقفه السابقة حول الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة.
ثمة من يرى في تبريد خطوات المصالحة بين قريطم والأمانة العامة مطلباً ومصلحة حريرية متعددة الدوافع والأبعاد، أبرزها:
ـ ان الحريري الذي دأب على تعبئة قواعده مذهبياً وسياسياً ضد حزب الله لا يستطيع بكسبة زر أن ينزل هؤلاء من المكان المرتفع الذي وضعهم فيه، وهو بالتالي يحتاج إلى مزيد من الوقت لجعلهم قادرين على التكيف مع مناخ التصالح.
ـ ان الحريري الذي يرى أنه قد تعرض لضربة معنوية كبيرة في السابع من أيار، وسياسية باتفاق الدوحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، يريد استثمار خطوة حزب الله نحوه إلى الحد الأقصى تحت عنوان: ان الحزب هو من قصده وجاء إلى عنده، وليس العكس، وهو الذي "يتغنج" عليه إذا جاز التعبير. كل ذلك لموازنة وضعه معنوياً وسياسياً، حتى إذا ما لبى اللقاء مع سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يكون قد لبّاها من موقع متوازن، لا من موقع مختلف.
ـ ان الدول العربية الداعمة لتيار المستقبل وللحريري، قد تكون هي وراء هذا التبريد، ولحسابات لا تقف عند حدود لبنان، وإنما تتجاوزها لحسابات هذه الدول إقليمياً وعربياً.
أما المسار الثالث فيتصل بالمصالحة المسيحية ـ المسيحية التي تقلصت مؤخراً إلى حدود المصالحة بين تيار المردة وحزب القوات اللبنانية. وهنا تبدو الحسابات أكثر تعقيداً، لتباين الدوافع والأهداف. فالنائب والوزير السابق سليمان فرنجية يصر على أن يكون رئيس الجمهورية هو المرجعية السياسية لهذه المصالحة، وإن كان لا يمانع بدور مرجعي للبطرك صفير على أن يأتي تالياً. في المقابل كان جعجع يصر على العكس. وعلى صعيد آخر يصرّ فرنجية على مشاركة العماد عون كمرجع وشاهد في الحد الأدنى، في حين يرفض جعجع ذلك.
من المعروف أن المصالحة في الساحة المسيحية تحرك بدوافع مختلفة، أبرزها الحادث الأمني في بصرما ومناخ التصالح الذي بات يخيم على لبنان ومن ضمن اتفاق الدوحة، بحيث لا تستطيع الساحة المسيحية أن تبقى شواذاً خارج هذا المناخ.
هذا على صعيد الدوافع العامة، أما على صعيد الدوافع الخاصة، فلا شك في أن لفرنجية وعون مصلحة حقيقية في المصالحة، لأنه من شأنها ترييح الناخب المسيحي ودفعه للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، في حين أن التوتير الأمني أو السياسي قد يدفعه إلى التزام منزله، وربما هذا ما يريده جعجع وحلفاؤه، حيث لا يعود الرهان على احتمال النجاح انتخابياً في وجه عون وفرنجية، لا سيما أن كل استطلاعات الرأي الخاصة بهم جاءت مخيبة للآمال، ما يجعلهم يعملون على تخفيض النسبة المئوية لنجاح عون، للقول ـ في الحد الأدنى ـ انه خسر سياسياً ومعنوياً وإن فاز انتخابياً، لأنه لم يعد يمثل الـ70% التي يمثلها الآن.
خلاصة القول هنا، أننا أمام مناخ تصالحي تتفاوت مساراته في حراراتها، وبالتالي نحن أمام عملية لم تكتمل فصولها الأولية، ولا تزال تحتاج إلى رعاية ومتابعة لاستكشاف آفاقها، لا سيما أن البعض ينظر إلى المصالحات كجزء لا يتجزأ من تسوية الدوحة.. في حين ما زال ينظر اليها البعض الآخر كإجراء للتهدئة ليس إلا، تهدئة يتوقف مفعولها النهائي عند محطة الانتخابات النيابية، فإما أن تستكمل وإما أن تسقط وتتلاشى.
ثانياً المسألة الأمنية:
احتلت المسألة الأمنية المرتبة الأولى في جدول الاهتمام الداخلي والخارجي معاً، والملاحظ هنا هو التالي:
ـ ان الاهتمام تمحور حول عنوان الإرهاب ونشاط بعض الحركات السلفية، متجاوزاً على نحو لا مبالٍٍ التهديدات الإسرائيلية، ما يعني أن هناك شعوراً متعاظماً لدى المعنيين بتحول لبنان عموماً والشمال تحديداً، إلى قاعدة خطرة لهذه الحركات.
ـ تقاطع الموقف الأوروبي والأميركي على تفهم الإجراءات العسكرية والأمنية السورية، بل بدا كأن هذه الإجراءات منسقة مسبقاً، وهذا ما جعل صراخ فريق 14 شباط وحركة اتصالاته بلا معنى.. ولعل هذا ما سهل مؤخراً تمرير الموافقة داخل مجلس الوزراء على مسألة استئناف التنسيق الأمني والعسكري السوري ـ اللبناني.
ـ تسجيل أول تعاطٍ سوري إيجابي مع القرار الدولي 1701، وفي ذلك رسالة واضحة إلى من يهمه الأمر دولياً، وللقول بأن هذا القرار لا يعمل باتجاه واحد، أي من سوريا إلى لبنان، وإنما باتجاه مقابل أيضاً من لبنان إلى سوريا، ما يفرض عليه التزامات مقابلة. ويبدو أن مسألة الإرهاب هي القاسم المشترك المتوافق عليه حتى الآن.
خلاصة القول هنا، لا يزال الوضع الأمني في لبنان هشاً، وهو في هذا الإطار عرضة لضغوط قوية تأتيه من كل صوب. وإذا كانت المقاومة تقف اليوم سداً منيعاً في وجه التهديدات الإسرائيلية وتحول دون ترجمتها إلى أفعال، وتوفر بالتالي الشرط الموضوعي لنسج شبكة حماية فوق لبنان، فلا أقل من أن يُركز على مصادر التهديد الأخرى حتى تكتمل عناصر هذه الشبكة، وهذا ما يفرض تسريع المصالحات لا تبريدها.
الانتقاد/ العدد 1306 ـ 14 تشرين الاول/ اكتوبر 2008