ارشيف من :أخبار عالمية

مجلس الأمن والصومال... فصل من فصول المهزلة!

مجلس الأمن والصومال... فصل من فصول المهزلة!

كتب عقيل الشيخ حسين

مجلس الأمن والصومال... فصل من فصول المهزلة!في إطار الأمور الملحة التي لا تقبل التأجيل، سارع مجلس الأمن في الثالث من حزيران/ يونيو الجاري إلى إصدار قرار يسمح لما أسماه بـ"دول العالم" باستخدام سفنها الحربية في المياه الإقليمية الصومالية، وذلك لمواجهة وملاحقة قراصنة البحر الذين يقال بأنهم قد نشطوا في تلك المنطقة الممتدة بطول ثلاثة آلاف كلم على شواطئ القرن الإفريقي.

واللافت أن هذا القرار الذي لا يهم غير عدد معروف من دول الهيمنة، الذي وصف بأنه مهم جداً لأنه يعزز مكانة الأسرة الدولية، قد جاء مختصاً بالصومال، علماً بأن القرصنة لا تتفشى في مياه الصومال أكثر مما تتفشى في مناطق بحرية أخرى في العالم، إضافة إلى احتمال كون هذه القرصنة من نوع الأنشطة التي يفتعلها أصحاب المشاريع العدوانية لإمرار مشاريعهم تحت عناوين الشرعية.

كل ذلك يشي بأن القرار يخدم غايات أخرى غير مكافحة القرصنة، وبأن هذه الغايات لا يمكن إلا أن تكون على صلة بالأحداث الجارية في الصومال وبمطامع بعض الدول القادرة على تحريك أساطيل حربية في تلك المنطقة الاستراتيجية الشاسعة على الشواطئ الغربية للمحيط الهندي ومداخل البحر الأحمر.

وللمزيد من الوضوح، يأتي هذا القرار في أجواء التحضير الأميركي لإيجاد المزيد من مراكز القيادة والقواعد العسكرية في إفريقيا، وخاصة في إفريقيا الشرقية التي تشهد غلياناً متصاعداً يمتد، غير بعيد عن اليمن وبلدان الخليج، من زيمبابوي جنوباً إلى جيبوتي والسودان شمالاً، مع احتدام ملحوظ للتوترات في كينيا وتشاد ودارفور، وبين كل من إريتريا وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.

وفي غمار كل ذلك، يظل الصومال في موقع واسطة العقد لأنه، بالإضافة إلى ما يشترك فيه مع بلدان الجوار من حيث الانتماء إلى المنطقة الإسلامية المستهدفة، والغنى بالثروات الطبيعية، يفوق جميع تلك البلدان من حيث الأهمية الاستراتيجية. وإذا كانت الولايات المتحدة و"إسرائيل" وغيرها من القوى الوافدة قد ضمنت حرية التصرف في القسم المطل على البحر الأحمر من الساحل الصومالي، منذ إقامة ما يعرف بدولة "ارض الصومال"، فإن تحويل القسم المطل على المحيط الهندي إلى مرتع للأساطيل الأميركية تحت ستار الحديث عن سفن دول العالم، يشكل خطوة جديدة، تأخذ شكل الحصار البحري، في سياق ما سبق ذلك من خطوات تهدف إلى إحكام السيطرة على الصومال.

  إثارة الحروب والفتن المدروسة في المناطق الخصبة من القرن الإفريقي وحوض النيل الجنوبي، كانت وما زالت تندرج ضمن إطار الفوضى البناءة
وإذا كانت السيطرة ممكنة في الكثير من الحالات عبر تنصيب حكومات محلية تابعة، فإن الصومال قد استعصى خلال العقدين الأخيرين على هذا الشكل من أشكال الهيمنة. فمنذ العام 1991، تاريخ إسقاط نظام سياد بري الذي اتهم بالديكتاتورية بعد تحالف دام سنوات طويلة مع الأميركيين، دخل الصومال في منطق الحروب الأهلية التي كانت ذريعة للتدخلات الدولية ـ الأميركية. وقد بدأت تلك التدخلات تحت ستار توصيل المساعدات الإنسانية لمنكوبي أكذوبة الجفاف والمجاعة.

فالحقيقة أن إثارة الحروب والفتن المدروسة في المناطق الخصبة من القرن الإفريقي وحوض النيل الجنوبي، كانت وما زالت تندرج ضمن إطار الفوضى البناءة الهادفة إلى تدمير الانتاج الزراعي والحيواني في تلك المناطق، وإجبار السكان على النزوح بالملايين إلى المناطق الصحراوية، حيث تفتح أمامهم سبل التحول إلى هياكل عظمية فيها رمق من الحياة، وحيث يصبح بالإمكان استعمالهم كذريعة للتدخل الإنساني الذي يشكل مجالاً خصباً لأنواع تجارة الرقيق ورافعة مهمة لبسط النفوذ والسيطرة. 

لكن التدخل الدولي ـ الأميركي انتهى إلى الإخفاق في العام 1994، وانسحبت القوات الدولية ـ الأميركية تاركة البلد نهباً لحكومات ركيكة ولمجموعات من أمراء الحرب الذين حولوا الصومال، طيلة اثني عشر عاماً، إلى مسرح للفوضى العارمة.

وفي العام 2006، تمكنت المحاكم الإسلامية من السيطرة على الوضع، واحتلت مقاديشو، باعتراف المراقبين الغربيين، موقع المدينة الأولى في العالم من حيث الهدوء والأمن والاستقرار.

ومنذ ذلك الحين، بدأ سيل الاتهامات الأميركية ينهال على المحاكم. تارة بالحديث عن الإسلاميين الذين يريدون إقامة نظام شبيه بنظام طالبان. وتارة بأن لهم صلة بتنظيم القاعدة، وأطواراً بأنهم على صلة بتفجير سفارتي واشنطن في كينيا ونيروبي، عام 1998، أو بضرب طائرة إسرائيلية وفندق يملكه إسرائيلي في كينيا، أو حتى بتلقي المساعدات من دول وتنظيمات بينها إيران وحزب الله. ثم كلفت إثيوبيا بغزو الصومال، حيث شكلت حكومة موقتة وعاجزة عن الإمساك بالوضع برغم الوجود العسكري الإثيوبي، وبرغم الغارات الجوية الأميركية المنتظمة التي أوقعت مئات الضحايا المدنيين والتي لم يسَع بان كي مون والعديد من القادة الأوروبيين غير انتقادها. 

وفي ظل هذا الفشل الموازي لتصاعد المقاومة الإسلامية، دبر مجلس الأمن، مؤخراً، مفاوضات غير مباشرة في جيبوتي بين الأطراف الصومالية المتصارعة. ولا يبدو أن هذه المفاوضات ستحرز تقدماً نحو الشكل المباشر، حيث يربط الإسلاميون بين انسحاب القوات الإثيوبية واستمرار المفاوضات، وحيث تطالب الحكومة الموقتة بقوات دولية لحماية الأمن في الصومال قبل البحث بانسحاب القوات الإثيوبية. ومهما يكن من أمر، فإن من المتوقع أن يعود الإسلاميون قريباً إلى السيطرة على الوضع مجدداً، وهنا يصبح من الممكن فهم أبعاد قرار مجلس الأمن بخصوص السفن المكلفة بمكافحة القراصنة.

لكن مجلس الأمن لم يتخذ قراراً بشأن تحول الصومال إلى مطمر للنفايات النووية والكيميائية التي أزاحت الرمال عنها أمواج التسونامي الذي ضرب الشاطئ الصومالي قبل خمس سنوات، والتي لم يفطن برنامج الأمم المتحدة الخاص بالبيئة إلى الحديث عنه إلا قبل أيام. مع الإشارة إلى أن تلك النفايات قد تسببت حتى الآن بالكثير من الإصابات وحالات الموت المفاجئ.

الانتقاد/ العدد1275 ـ 24 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-24