ارشيف من :آراء وتحليلات

أوباما وإمكانيات التغيير

أوباما وإمكانيات التغيير

كتب إبراهيم الموسوي
تتحضر الولايات المتحدة الأميركية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في الرابع من تشرين الثاني المقبل، تبدو المؤشرات قوية جداً على أن المرشح الديمقراطي باراك أوباما هو الأوفر حظاً لتولي الإدارة الاميركية المقبلة، وبحسب استطلاع أجرته صحيفة "النيويورك تايمز" وشبكة "سي ـ بي ـ أس" فقد تبين أن أوباما تقدم على المرشح الجمهوري جون ماكين بـ14 نقطة، وأن المرشح الديمقراطي سيحصل على 53 في المئة من الناخبين في مقابل 39 في المئة لماكين، وذلك قبل 21 يوماً من موعد الانتخابات الرئاسية.
ماذا ننتظر في المنطقة وماذا ينتظر العالم من المرشح الديموقراطي الجديد في حال توليه الرئاسة، وهل من الممكن المراهنة على تغييرات جوهرية في مقاربة واشنطن للملفات العالمية، ولا سيما الحسّاسة منها.
لقد قيل الكثير، وكتب أكثر عن مواصفات أوباما كمرشح أسود وخلفيته كمتحدرٍ من أب مسلم، وكرجل عاش لفترة في الخارج واطلع على ما يجري من خلال موقعه كمنتمٍ لأقلية سوداء تعرضت للاضطهاد والتمييز على مدى عقود متطاولة، وقد دبجت مقالات كثيرة تتحدث عن أن وصول أوباما إلى البيت الأبيض سيغير الكثير من المعادلات ويخلط الأوراق. إن مقاربة كهذه تنطوي على قدرٍ هائل من التبسيط، حتى لا نقول السذاجة والرومانسية الحالمة، بل ويمكن القول إنها تنم عن جهل حقيقي بواقع حال الإدارة الاميركية.
إن مؤسسة ضخمة متشابكة بالغة التعقيد، ومتداخلة الملفات وحسّاسة الموقع، وهائلة الخطر والتأثير كبنية ودور، كالإدارة الاميركية، لا تُترك لمجريات الأقدار ومآلات الصدف، لا بل إن جماعات الضغط، والمؤسسات الدولية العابرة للقارات، وتكتل صانعي الأسلحة وتجارها، وصانعي الفتن والحروب وتجار النفط والمخططين الاستراتيجيين، لا بدّ أنهم يتابعون بدقة وحساسية بالغتين كل هذه التطورات، وهم لا شك يضعون في حسابهم امكانية وصول أوباما إلى السلطة، وما يمكن أن يعنيه بالنسبة لمشاريعهم العالمية، كذلك فإنه من الخطأ الافتراض أن المرشح الديموقراطي لا يدرك كل هذه المعطيات الدقيقة، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يمارس سلوكاً يهدئ من روع هؤلاء ويطمئنهم إذا لم يكن قد قدّم تعهدات ملموسة لهم في هذا المجال.
إن الرئيس الأميركي كائناً من كان لا يستطيع الخروج على إرادة التكتلات القوية، وجماعات الضغط والتجار، ولا ننسى الدور المؤثر لليهود في الحملات الانتخابية.
لقد خضع أوباما لحملة ابتزاز ممنهجة ومنظمة، واتهم بأوصاف عديدة، فهو إرهابي قريب من حماس، وهو قريب من العرب، وهو صغير في السن، وهو متهم بوطنيته، ومشكك بولائه، فبالمقارنة مع ماكين الذي يفاخر بأنه حارب في فيتنام، وكان أسير حرب، وهو أميركي أصلاً وفصلاً، فإن أوباما لن يملك إلا أن يندفع في اتجاه التشدد في بعض الملفات الحسّاسة ولا سيما العسكرية والأمنية والسياسية، التي تطال قضايا جوهرية بالنسبة للولايات المتحدة، مثل قضية التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل، وعليه، فإنه قد يكون أكثر تشدداً من ماكين في حال كان مقدّراً له أن يصل إلى الرئاسة، وهذا قد يكون في مجال اثبات الوطنية أكثر منه تعبيراً عن قناعة ذاتية راسخة بما يقوم به، وعليه فإنه ليس علينا توقع الكثير من أوباما في هذا المجال.
طبعاً، فإن هذا العرض المختصر لا ينفي أن وصول أوباما إلى رأس البيت الأبيض يمثل بحد ذاته تغييراً ما، وتبدلاً في المزاج الأميركي، وهو يصلح كبداية حقيقية لحقبة جديدة، ولكن الأزمة المالية العالمية الخانقة ستلقي بظلالها الثقيلة، وسيكون على أوباما وإدارته  المقبلة أن يكرّسا الكثير من الجهود لمعالجة آثارها المدمرة، كما أن التغيير المرتقب في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً لا يتم بكبسة زر، ولا بإرادة رجل واحد.
إن المؤسسة الاميركية أكثر رسوخاً بكثير من أن يمكن تغييرها بفعل ارادة رجل واحد، ولو كان هذا الرجل الرئيس الاميركي مع فريقه، لأن كل رئيس اميركي يأتي خاضعاً لشروط كثيرة، ويكون مكبلاً بشروط أكثر خلال فترة ولايته.
التغيير المرتقب يأتي من حالة وعي عامة، من تحول في الذهنية والثقافة، من منهج جديد لمقاربة الأشياء، وفلسفة مغايرة لطغيان المادية وطرد القيم الانسانية إلى أسفل السلّم، التغيير المرتقب يستوجب ثورة حقيقية في المفاهيم والتعليم والإعلام، وهو ما لا يبدو أن الولايات المتحدة مشغولة بمثله هذه الأيام.
الانتقاد/ العدد 1307 ـ 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2008

2008-10-17