ارشيف من :أخبار عالمية

تحقيق في أكاذيب بلير أم في التعالي الأميركي على بريطانيا ؟

تحقيق في أكاذيب بلير أم في التعالي الأميركي على بريطانيا ؟

عقيل الشيخ حسين

الضمير البريطاني يتدخل الآن ممثلاً بلجنة جون تشيلكوت للتحقيق في ملابسات المشاركة البريطانية في الحرب على العراق في ظل حكومة طوني بلير. ذلك الضمير كان حاضراً يوم شنت تلك الحرب، وكان موافقاً، بل ومتحمساً لفكرة ضرب العراق. لكنه يدعي الآن، وبعد أن أصبح طوني بلير خارج الحكم، بأنه كان "مخدوعاً" بأكاذيب ملفقة من قبل رئيس الوزراء البريطاني. عذر أسوأ من الذنب، اللهم إلا إذا كان أول مجتمع ديموقراطي في العالم، حيث المراقبة والمحاسبة وحرية التعبير والتمسك بمبادىء العدل وارتفاع مستويات الوعي، هي من نوع الكلام المخادع الهادف إلى تزويق الطبيعة التقليدية لبلد ذي باع لطالما كان الأطول في تاريخ الحركة الاستعمارية.

وعلى فرض خروج التحقيق بنتيجة حاسمة مفادها أن طوني بلير كان كاذباً، فهل ستدفع تلك النتيجة بالمجتمع البريطاني إلى محاكمة طوني بلير بتهمة الخيانا العظمى لقيم الأمة ومبادئها، أو بهذا الأخير إلى الانتحار أسوة بما يفعله كثيرون ممن يتورطون في فضائح أدنى شأناً من امتهان قيم أمة كالأمة البريطانية، أمة الماغنا كارتا ؟

أغلب الظن أن طوني بلير سيصاب، على الأكثر، بصدمة جراء عدم تقدير أمته لجهوده المكيافيلية في إدارة شأن لم يكن مختلفاً بوجه من الوجوه عن الإدارة البريطانية لحرب الأفيون في الصين، أو لاحتلال الهند، أو لسايكس بيكو ووعد بلفور وحرب السويس وغيرها وغيرها من المآثر البريطانية المضمخة في جميع الحالات بمداد من المكر والخداع والعداء للشعوب.

على أي حال، بات من المعروف للبريطانيين أن رئيس وزرائهم كذب عليهم :

عندما نفى مراراً وتكراراً نية بلاده في المشاركة في الحرب،

وعندما أكد، بعد أن غير رأيه، بأن غاية الحرب هي نزع أسلحة العراق لا تغيير نظام الحكم فيه،

وعندما زعم، استناداً لتقارير استخباراتية، بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وبأنه قادر على شن حرب بهذه الأسلحة في غضون 45 دقيقة.

وعندما كشف عن قرار الحرب، خلافاً لمقتضيات الشفافية، لعدد محدود من المسؤولين.

وعندما اتفق سراً مع الرئيس الأميركي جورج بوش على غزو العراق،

وعندما وافق معه على خطة مخادعة تقوم فيها طائرات أميركية مطلية بألوان الأمم المتحدة بالتحليق فوق العراق بهدف استفزازه لإطلاق النار عليها، الأمر الذي سيعتبر انتهاكاً للقرارات الدولية يجدر الأمم المتحدة على اتخاذ قرار بشن الحرب.

لكن التحقيق الذي يهدف، رسمياً، إلى البحث في الأسس القانونية التي استند إليها قرار المشاركة في الحرب، سيتناول أيضاً أموراً لا علاقة لها بأكاذيب طوني بلير، بل خصوصاً بأخطائه في إدارة الحرب. فهنالك نقاط مدرجة على بساط التحقيق كسوء التخطيط والتسرع والتبعية للولايات المتحدة.

وبعيداً عما ستسفر عنه التحقيقات التي يفترض بأنها ستستمر إلى نهاية العام القادم دون أن تغير شيئاً في الواقع المؤلم الذي يعيشه العراق نتيجة للحرب، فإن النقطة الأخيرة هي في غاية الأهمية بما هي انعكاس لحالة التوتر التي باتت، في ظل تراكم الهزائم، تحكم العلاقة بين المتحالفين. فالتبعية للولايات المتحدة كانت مدعاة للتفاخر في بلدان كبريطانيا وفرنسا يوم نزلت القوات الأميركية على الأرض الأوروبية لتوجيه الضربة القاضية لألمانيا النازية، وتحقيق النصر.

لكن الأمور تختلف في حال العجز عن تحقيق النصر. حيث يبدأ المتحالفون بتبادل الاتهامات فيما بينهم، وباختلاق الذرائع للتخلي عن بعضهم البعض. وقد رأينا كيف أن بلداناً عديدة خرجت من التحالف وسحبت جنودها من العراق، وكيف أن الهزائم المتراكمة في الحرب على أفغانستان بدأت تهدد بانفراط عقد الحلف الأطلسي. والأكيد أن الضجيج المثار حول خطأ بريطانيا في المشاركة في حرب العراق هو محاولة مواربة لإسقاط هذا الموقف على الحرب في أفغانستان. فبريطانيا هي في جملة البلدان التي تبدي ميلاً واضحاً للانسحاب من الحرب الأفغانية. لكن ذلك لا يمكن أن يتم دون إثارة حفيظة الأميركيين المنهمكين بإعداد الخطط ووضع الاستراتيجيات التي لا يمكن تنفيذها دون إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان. 

والمعروف أن بريطانيا، شأنها شأن أكثر البلدان الأطلسية الأخرى، باتت تقف في صف الممانعة تجاه الضغوط الأميركية بخصوص إرسال المزيد من الجنود، لا بل إنها تبحث في أقصر السبل للخروج من أفغانستان. ويبدو أن أقصر السبل هو الهجوم بدلاً من الدفاع. لكن الهجوم يستهدف الجيش الأميركي نفسه هذه المرة. فقد لوحظ أن لجنة التحقيق قد ركزت في تحقيقاتها تحديداً على "غطرسة" الجيش الأميركي. تطور ملفت خصوصاً عندما نعلم بأن الغطرسة هي ترجمة عربية أخرى للفظة الإنكليزية التي تترجمها الجهات الإسلامية بمصطلح "الاستكبار". وفي هذا الإطار، كشفت صحيفة «ديلي تلغراف» عن وثائق تؤكد العداوة العميقة بين القادة العسكريين البريطانيين ونظرائهم الأميركيين في العراق، وكذلك الغطرسة الأميركية في إملاء الأوامر وتجاهل البريطانيين. ‏كما قال رئيس الأركان البريطاني في العراق، العقيد جي كي تانر، بأن الحوار بالنسبة لنظرائه الأميركيين هو شيء غريب في ظل اعتقادهم بوجود "طريقة واحدة هي الطريقة الأميركية". 

‏تبعية بريطانية للولايات المتحدة حكمها وهم الحصول على حصة من أسلاب الغزو. لكن فشل الغزو فتح الطريق أمام انفكاك العرى وظهور العداوة بين المتحالفين الذين تبين أنهم لا أكثر  من تابع ومتبوع.

2009-11-25