ارشيف من :أخبار عالمية
الشرق الاوسط: أكثر المناطق سخونة في العالم ومفتوحة على كل الاحتمالات
عقيل الشيخ حسين
مناورات "كوبرا شجر العرعر". هي الأكبر في تاريخ المناورات المشتركة بين القوات الأميركية والإسرائيلية. وقد تم إجراؤها خلال الشهر الماضي، من قبل كل من البحرية الأميركية والطيران الحربي الإسرائيلي، وقدمت على أن غرضها الأساسي هو اختبار قدرة الدفاعات الصاروخية لدى البلدين على التصدي لهجمات صاروخية مشتركة ومتزامنة تشنها إيران وسوريا وحزب الله وحماس على "إسرائيل"، على ما ذكرته صحيفة "معاريف". والواضح أن التركيز على الطابع الدفاعي للمناورات، وعلى تزامن الهجمات المفترضة، وعلى هذا الحشد من الدول والمنظمات المهاجمة على بلد واحد هو "إسرائيل"، هو تعبير عن توجه معروف تعتمده قوى العدوان، والإسرائيلي، بوجه خاص، للظهور بمظهر المسالم المسكين المستهدف من قبل أطراف "شريرة" تفوقه عدداً وعدة، إضافة إلى تصميمها على إبادته. معزوفة مستنسخة عن معزوفة اضطهاد اليهود وإبادتهم بالملايين من قبل النازيين. وما ان انتهت هذه المناورات، حتى بدأت مناورات أخرى، باسم "عملية المسعى النشط"، أجراها الحلف الأطلسي، في مياه البحر المتوسط، بمشاركة إسرائيلية أيضاً، تحت شعار مكافحة الإرهاب هذه المرة. وجاء إشراك "إسرائيل" في هذه المناورات ردا على امتناع تركيا عن السماح للطيران الحربي الإسرائيلي بالمشاركة في مناورات "نسر الأناضول".
وقبل هاتين المناورتين، كانت "إسرائيل" قد عمدت، منذ فشل عدوانها على لبنان، صيف العام 2006، إلى إجراء أنواع مختلفة من المناورات في إطار إعداد الجيش والمجتمع الإسرائيليين، لخوض حرب مضمونة النتائج.
وجاء إجراء كل هذه المناورات في سياق الإثارات المحيطة بالملف النووي الإيراني، ومن ضمنها التهديدات المكشوفة، أميركياً، وأطلسياً، وإسرائيلياً، بضرب إيران.
وكان من الطبيعي لإيران أن ترد بدورها بإجراء سلسلة من المناورات العسكرية كان آخرها تلك التي تجري حالياً وتغطي مناطق بمساحة 600 ألف كلم مربع في مختلف أرجاء إيران، وتشارك فيها معظم وحدات الدفاع الجوي والقواعد الجوية، بهدف إحباط أي هجوم قد تتعرض له المنشآت النووية الإيرانية. وقد أكدت المصادر الإيرانية أن شبكات صاروخية جديدة وحديثة سيتم استخدامها وتقويمها خلال هذه المناورات، بما فيها صواريخ "إس 300" التي تمتلك إيران القدرة على إنتاجها، على ما ذكرته تلك المصادر من دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع. والمتداول في هذا المجال أن روسيا تتباطأ في تسليم هذه الصواريخ لإيران، وأن مرد هذا التباطؤ هو ما تتعرض له من ضغوط أميركية وإسرائيلية.
وبعيداً عن الانسياق في التكهنات حول حتمية أو لا حتمية الصدام العسكري بين المعسكرين، الإيراني، والأطلسي الأميركي الإسرائيلي...، فإن المناورات والمناورات المضادة، إضافة إلى الحروب المشتعلة في الصومال والسودان واليمن والعراق وأفغانستان، والحروب التي اندلعت خلال العامين المنصرمين في لبنان وغزة وجورجيا، تشهد مع التفجيرات والأزمات المختلفة هنا وهناك، أن المنطقة المسماة بالشرق الأوسط قد أصبحت أكثر المناطق سخونة في العالم، وأن التطورات فيها مفتوحة على كل الاحتمالات.
ولعل أهم ما يميز المرحلة الراهنة هو، بالإضافة إلى الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الامتداد المتزايد للحلف الأطلسي خارج حدود أوروبا التي أسس الحلف للدفاع عنها في وجه الخطر السوفياتي، والامتداد المتزايد للوجود الإسرائيلي في العديد من أنحاء المنطقة.
فبالنسبة للحلف الأطلسي الذي وصل شرقاً إلى حدود أوكرانيا وجورجيا، فإنه ينتشر جنوباً أيضاً من خلال مبادرة الحلف للحوار مع بلدان المتوسط، في العام 1959 التي شملت عدداً من بلدان المغرب، ومبادرة اسطنبول للتعاون في العام 2004 التي شاركت فيها بلدان عربية خليجية، وكذلك من خلال المشاركة في الحرب الأفغانية والحضور في بحر العرب بدعوى مكافحة القرصنة.
وبالنسبة لـ "إسرائيل"، فإن قواتها البحرية والجوية تتجول في البحر الأحمر وتنفذ بغواصاتها إلى مياه الخليج وتنفذ عمليات حربية في القرن الإفريقي، من دون الحديث طبعاً عن الأنشطة المخابراتية والتغلغل السياسي والاقتصادي. وقد بلغ الطموح الإسرائيلي حد إبلاغ دول المغرب العربي بأن "إسرائيل" معنية بالأمن في الجهة الغربية من البحر المتوسط وجبل طارق، على بعد آلاف الكيلومترات عن السواحل الفلسطينية.
وفي حين تردد أجهزة الإعلام الإسرائيلي وغير الإسرائيلي مقولة الخطر الذي تشكله إيران، وفقاً للمزاعم، على الأمن العالمي، ظهرت مقولة جديدة عن خطر جزائري على الأمن القومي الإسرائيلي. أما السبب فهو تزايد قوة الجزائر العسكرية وتزودها بصواريخ بعيدة المدى... وبالإضافة إلى "إسرائيل"، أعربت كل من فرنسا وإسبانيا والمغرب عن استيائها إزاء امتلاك الجزائر صواريخ بحرية متطورة.
هنالك إذاً عملية انتشار عسكري إسرائيلي غربي تغطي معظم المناطق الممتدة من الأطلسي إلى الباسيفيكي، ومن ضمنها المناطق العربية والإسلامية، تقابلها إيران وقوى الممانعة والمقاومة في المنطقة. وفي هذا الإطار، لا ترى عيون بعض العرب كل هذه الجيوش والأساطيل القادمة من وراء البحار البعيدة، ولا ترتفع الأصوات إلا لتحذير إيران من التدخل في الشؤون العربية! هنالك إذاً معسكران، أحدهما معسكر للشر. لكن المؤسف أن أمثال صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وعمر المختار وعبد الكريم الخطابي وغيرهم وغيرهم قد رحلوا ولم يعد بإمكاننا أن نسألهم أي المعسكرين هو معسكر الشر.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018