ارشيف من :أخبار عالمية

حالة ترقب في الأسواق العالمية... وأزمة قروض دبي تهدد بأزمة مالية جديدة

حالة ترقب في الأسواق العالمية... وأزمة قروض دبي تهدد بأزمة مالية جديدة

تقرير : علي مطر

أحدث إعلان إمارة دبي قبل أيام أنها تعتزم إعادة هيكلة شركات لها وبالتالي تأجيل نحو 59 مليار دولار من القروض صدمة، وأوقد شرارة مخاوف عالمية بشأن قدرة الإمارة على سداد خدمة ديونها، فالإمارة اعتمدت على سياسة ترويجية ربما تحقق لها الكثير من المكاسب على المدى البعيد، لكنها على المدى القصير تعد محفوفة بالكثير من المخاطر.

فقد أثار إعلان حكومة إمارة دبي في دولة الإمارات عن عجزها في الوقت الراهن عن سداد ديون شركات تابعة لها في جميع أنحاء العالم مخاوف من تفجر أزمة رهن عقاري جديدة، تدخل الاقتصاد العالمي في نفق مظلم مرة أخرى بعد الأزمة المالية التي لم يتعاف العالم من آثارها بعد.

وانعكست أزمة ديون دبي على الفور على تراجع أسواق المال العالمية والإعلان عن نوايا لهروب الاستثمارات الأجنبية من الإمارة، وذلك برغم إعراب عدد من قادة ومسؤولي الدول الكبرى عن ثقتهم في تعافي الاقتصاد العالمي، كما جاء ذلك في الوقت الذي أكدت فيه حكومة أبو ظبي أنها ستساعد جارتها لتتخطى أزمتها المالية لكنها لن تغطي جميع ديونها.

وتأتي أهمية هذا الحدث من أن شركة «دبي العالمية» وهي من أضخم الشركات القابضة في العالم، تشكل الرافعة المالية الدولية لاستثمارات دبي على المستوى العالمي. وكشركة قابضة، تدير «دبي العالمية» وتشرف على محفظة متنوعة من الشركات والمشاريع التابعة لحكومة دبي، وموكل إليها تحقيق هدف دبي في أن تصبح مركزاً رئيسياً للتجارة العالمية، وتعد متاعبها المالية بمنزلة إعلان أولي لإشهار عدم قدرة الإمارة على الوفاء بديونها.

وقالت «بلومبرغ» أمس إن كشف دبي لإعسارها المالي قد أحدث هزة في الأوساط المالية والنقدية في دول مجلس التعاون، ونتيجة للتشابكات المالية الهائلة للإمارة مع هذه البلدان، فمن المرجح أن تتعرض مصارف وشركات خليجية عدة لآثار موجعة من جراء تأخر دبي في سداد ديونها. وأضافت أن انهيار دبي سيكون أكبر إفلاس على المستوى العالمي بعد إفلاس الأرجنتين عام 2001، حين توقفت عن دفع ديونها البالغة نحو 95 مليار دولار. وقالت إن ديون «دبي العالمية» تبلغ نحو 59 مليار دولار أميركي، كما أن الإمارة كانت قد حصلت على قروض بنحو 80 مليار دولار أخرى لتمويل طفرتها العقارية خلال السنوات الأربع التي سبقت الأزمة المالية العالمية. وقد أدى اعلانها تأجيل خدمة ديونها إلى ارتفاع تكلفة تأمين السندات في الخليج بأعلى معدل منذ فبراير الماضي. وكانت قيم ضمانات سندات «نخيل» التي تستحق الدفع في 14 ديسمبر قد ارتفعت أمس 124 نقطة، بعد أن كانت قد سجلت ارتفاعاً بنحو 122 نقطة أمس الأول أيضاً.

ردة فعل الحكومة الاماراتية

الى ذلك، أكد مسؤول كبير في ابو ظبي امس السبت أن عاصمة الإمارات العربية المتحدة وأحد أكبر مصدري النفط في العالم ستحدد وتختار سبل مساعدة جارتها دبي المثقلة بالديون.
 
وقال المسؤول الحكومي"سننظر في التزامات دبي ونعالجها كل حالة على حدة... ولا يعني هذا أن أبوظبي ستغطي كل ديونها"، مضيفا: "بعض كيانات دبي تجارية شبه حكومية.. وأبو ظبي ستحدد وتختار متى وأين تقدم المساعدة".

وكانت إمارة دبي قد أعلنت الخميس أنها طلبت من دائنيها تأجيل سداد أقساط ديونها البالغة بمجملها نحو 60 مليار دولار مدة ستة أشهر، وهو الطلب الذي أثار مخاوف واسعة في الأسواق الدولية من احتمال عجز الإمارة عن سداد الديون وتأثير ذلك على الجهود الرامية لمعالجة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.

ومن جانبه، أكد الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس اللجنة العليا للسياسة المالية في دبي، أن اقتصاد الإماراة متنوع ومتين ومستدام، وقال: إن "تدخلنا في مجموعة دبي العالمية التي تمتلكها الإمارة يأتي في إطار خطط مدروسة بعناية، وهذا التدخل يعكس الوضع المالي المحدد للمجموعة".

وأوضح آل مكتوم أن الحكومة "تقود إعادة هيكلة هذه العملية التجارية وذلك إدراكا منها لرد الفعل في السوق"، مشيرا إلى أن الحكومة الإماراتية تتفهم القلق الذي يعتري السوق والدائنين بوجه خاص.. وتؤكد أن تدخلها قد فرضته الحاجة لاتخاذ إجراء حاسم لمعالجة مسألة عبء الديون.

وينص دستور دولة الإمارات على أن كل إمارة هي كيان قانوني منفصل يسيطر على موارده الطبيعية والمالية، ولا تملك الحكومة الاتحادية حق استخدام تلك الموارد كما أنها ليست ملزمة بتغطية التزامات أي إمارة.

تأثر الاسواق العالمية بالازمة

وبثت الأنباء السيئة التي أعلنتها إمارة دبي حول عجزها عن تسديد ديونها حالة من القلق في الأسواق العالمية، هبطت على إثرها مؤشرات أبرز الأسواق الدولية، بالإضافة إلى أسعار النفط التي تراجعت هي الأخرى.

أدى إعلان دبي الى تراجع اسعار الاسهم في اسواق اوروبا بأكبر نسبة تسجل خلال سبعة اشهر. كما شهدت بورصة «وول ستريت» تداولاً ضعيفاً رغم انخفاض سعر صرف الدولار امام الين امس الى ادنى مستوى له خلال 14 سنة، وخسر مؤشر الداو جونز لستمائة شركة 3 في المئة من قيمته في لندن.

وقد تراجعت أيضا الأسواق الأوروبية 3%، حيث تراجعت الصكوك الإسلامية بنسبة 15%، وأغلقت بورصة باريس الجمعة على انخفاض ملحوظ، حيث هبط مؤشر كاك 40 بنسبة 3,41% ليبلغ 3679,23 نقطة. وفي فرانكفورت تراجع مؤشر داكس 3,25% إلى 5614,17 نقطة فيما خسر مؤشر فوتسي-100 في لندن 170,68 نقطة بنسبة 3,18% ليبلغ 5194,13 نقطة.

وفي الأسواق الأسيوية، تراجعت بورصة هونج كونج 3,13% عند بدء التداول فيما أغلق مؤشر نيكي في بورصة طوكيو الجلسة الصباحية على تراجع باكثر من 3% وفتحت بورصة شنجهاي على تراجع1.05%، ويسجل هذا التراجع في بورصات آسيا في أعقاب تدهور معمم في البورصات.

ردة فعل الدول الاجنبية

فقد حاول رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، تهدئة المخاوف العالمية والتأكيد على أن الاقتصاد العالمي قوي، وقال: إن "شبح عجز دبي عن السداد يمثل مشكلة، لكن الاقتصاد العالمي قوي حاليا بما يكفي للتغلب عليها.. ورؤيتي الخاصة هي أن النظام المالي العالمي بات أشد قوة الآن وقادرا على التعامل مع المشكلات التي تظهر".

وأضاف في تصريحات صحفية له خلال رحلة لحضور اجتماع قمة لزعماء دول الكومنولث: "في حين أنها تعد انتكاسة.. أعتقد أننا سنجد أنها ليست بنفس حجم المشكلات السابقة التي واجهناها.. وأعتقد أن الانتعاش العالمي يعتمد على الإجراءات النقدية والتحفيز المالي".

ومن جهته قال رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون إن دول الخليج العربي لديها الموارد الكافية التي تضمن عدم وقوع العالم في دوامة ثانية من الفوضى الاقتصادية، لكن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أكد أن أزمة ديون دبي تظهر صعوبة الخروج من الأزمة المالية العالمية.

أما ميشيل بارنييه مفوض السوق الداخلية الجديد للاتحاد الأوروبي، فأكد في تصريحات صحفية أن "مشاكل الديون في دبي تظهر أن الأزمة المالية لم تنته وقد تتجدد"، بينما قال مسئولون أمريكيون إن الخزانة الأمريكية تراقب عن كثب الوضع في دبي.

وأدى تراجع المستثمرون عن الأصول التي تنطوي على مخاطر، وتخليهم عن أسهم البنوك وشركات الإنشاءات الآسيوية، إلى إشعال المخاوف من أن يعيد تخلف دبي عن سداد ديونها لإشعال الاضطرابات المالية الناجمة عن أزمة الرهن العقاري.

أزمة رهن عقاري

وخيمت على أسواق الأسهم من طوكيو إلى مومباي مخاوف بشأن تعرض البنوك لديون شركات دبي التي تبني جزرا على شكل نخيل وتصمم مدنا من باكستان إلى إفريقيا وتشكل المركز المالي لأكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم.

 وقال روبرت ريني المحلل في وستباك جلوبال ماركتس في تصريحات صحفية إن "أزمة الائتمان تم تناسيها لكنها لم تنته بعد".

وغداة الإعلان خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف ست شركات ضخمة تابعة لحكومة دبي، بينها سلطة مواني دبي العالمية (دي بي وورلد) و"هيئة كهرباء ومياه دبي" والعملاق العقاري "إعمار"، فيما خفضت "ستاندرد اند بورز" تصنيف خمس شركات بينها سلطة مواني دبي العالمية وإعمار للعقارات.

وأعلنت الإمارة، التي ازدهرت كمركز سياحي، أنها ستطلب من دائني شركتي "دبي العالمية، ونخيل العقارية" اللتين تملكهما، تعليق المطالبة بسداد ديون بمليارات الدولارات كخطوة أولى لإعادة هيكلية الشركتين، وبلغت مديونية "دبي العالمية" 59 مليار دولار في أغسطس الماضي، وهو ما يمثل نسبة كبيرة من إجمالي ديون دبي البالغة 80 مليار دولار، ونخيل هي الشركة التي أقامت ثلاث جزر صناعية على شكل نخيل قبالة دبي، والتي من المقرر أن تسدد 4 مليارات دولار على السندات الإسلامية في الرابع عشر من كانون الاول المقبل.

وكان انهيار بنك ليمان براذرز الأمريكي في اب/أغسطس 2008 هو الشرارة التي أشعلت أزمة الرهن العقاري التي أدت إلى أزمة مالية خطيرة ظهرت على السطح فجأة، فجرها في البداية تهافت البنوك على منح قروض عالية المخاطر، وبدأت الأزمة تكبر ككرة الثلج لتهدد قطاع العقارات في الولايات المتحدة ثم البنوك والأسواق المالية العالمية لتشكل تهديدا للاقتصاد المالي العالمي.

2009-11-29