ارشيف من :أخبار عالمية
أميركا دخلت، وأدخلت حلفاءها في النفق المظلم
عقيل الشيخ حسين
هنالك، في "إسرائيل" والعديد من بلدان الجوار، من يعيشون على أمل وصول المفاوضات الجارية بين إيران من جهة، ومجموعة الست ووكالة الطاقة الذرية من جهة أخرى، إلى الباب المسدود. على أساس أن ذلك سيعني الانتقال الإجباري في معالجة الملف النووي الإيراني، من منطق الحل السلمي إلى منطق الحل العسكري. والحل العسكري هو، وفقاً للآمال المنشودة، ذاك الذي ستضطلع به الولايات المتحدة، فوق أو تحت العلم الدولي. ومن الأفضل، في الحالتين أن يتم ذلك، بلا مشاركة إسرائيلية، تجنباً لمضاعفات خطيرة منها ما قد يشكله ذلك من حرج لعرب الاعتدال في تعاملهم مع القضية الفلسطينية، ومنها بالطبع، الثمن الباهظ إلى أبعد الحدود الذي سيكون على "إسرائيل" أن تدفعه بحكم المساحة الجغرافية المحدودة والاكتظاظ الديموغرافي الشديد.
والملاحظ أن الذين يعيشون على ذلك الأمل قد بدأوا بفرك أيديهم فرحاً بعد تصريحات مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، التي قال فيها، قبل أربعة أيام من انتهاء ولايته، بأن المفاوضات مع إيران قد خيبت الآمال ووصلت إلى الباب المسدود... لأن طهران لم توافق في النهاية على نقل القسم الأكبر من اليورانيوم لتخصيبه في الخارج.
تصريحات مدير الوكالة سبقها ما لا يحصى من تصريحات تنبأت، خصوصاً في "إسرائيل"، بقرب الوصول إلى الباب المسدود. لكن الجديد هو انضمام فرنسا، على لسان وزير خارجيتها برنارد كوشنير، إلى البرادعي، في التعبير عن الأسف لهذه النهاية غير السعيدة، وفي التلويح القديم الجديد بهراوة "العقوبات". ومن المنتظر أن تخف إلى التلويح بالهراوة نفسها بلدان أخرى كثيرة في طليعتها ألمانيا التي حازت مستشارتها، أنغيلا ميركل، أكبر قدر من التصفيق عندما أعلنت، أمام الكونغرس الأميركي، قبل أيام، أن أي تهديد لـ "اسرائيل" هو تهديد لألمانيا.
المهم أن الجبل تمخض، مرة أخرى، عن فأر لا أكثر. والباب المسدود لا يبدو، حتى الآن، أنه سينفتح تحت ضربات صواريخ كروز وقاذفات ب 52.
وحتى الطريق إلى العقوبات لا تزال طويلة: هنالك مسودة قرار قدمتها مجموعة الـ 5+1 بمبادرة من ألمانيا قد تطرح على مجلس أمناء وكالة الطاقة بهدف الخروج بقرار يدين إيران. وهنالك احتمال في ألا تحصل مسودة القرار على الأغلبية المطلوبة، وحينها قد تعمد المجموعة إلى إصدار بيان بالإدانة، وهو الأمر الذي لا يبدو مؤكداً في ظل إصرار الصين على مواصلة بذل الجهود بهدف التوصل إلى حل عن طريق التشاور.
وعلى افتراض الأسوأ، فإن استمرار هذا النوع من الضغوط على إيران التي أكدت منذ أكثر من عام أن مسألة ملفها النووي قد طويت نهائياً، ستذهب حتماً باتجاه طي صفحة المفاوضات من خلال خفض التعاون مع الوكالة الدولية إلى حده الأدنى ثم، منطقياً، إلى وقف هذا التعاون بشكل كامل، شأن بلدان عديدة، في طليعتها "إسرائيل" التي تتمتع بحق إنتاج ومراكمة الأسلحة النووية من دون أي اعتراض أممي.
هل يعني ذلك أن الباب سينفتح عندها أمام الحل العسكري؟ الواقع أن هذا الباب مفتوح فعلاً منذ انطلاق الثورة الإسلامية في إيران. وقد تم ولوجه أكثر من مرة من قبل الولايات المتحدة، بأشكال "جزئية" متعددة. فالأكيد أن أميركا، حتى قبل هزائمها في العراق وأفغانستان، وقبل أزماتها المالية والاقتصادية الأخيرة، كانت تخشى من المواجهة المباشرة مع إيران، وهي ما تزال تفضل دفع قوى أخرى إلى تلك المواجهة. والأكيد أن أميركا التي دخلت، وأدخلت حلفاءها في النفق المظلم، من خلال الحرب بالوكالة على إيران من قبل نظام صدام حسين، ما تزال تعوّل على هذا النوع من البدائل. فصفقات التسلح الضخمة التي تعقد بوتائر متسارعة مع بعض بلدان الخليج إنما تذهب باتجاه حروب جديدة بالوكالة.
ولكن المجازفة أشد خطورة بما لا يقاس، هذه المرة، مما كانت عليه المجازفة الفاشلة يوم دخلت قوات صدام حسين الأراضي الإيرانية. فهنالك مضيق هرمز ونفط الخليج في الميزان، والفوضى البناءة بدأت بالتحرك في جنوب جزيرة العرب. وهنالك أيضاً قدرات إيران العسكرية.
هنالك إذاً من ينتظر من أميركا أن تقوم بالمهمة، وأميركا المتورطة في أكثر من حرب فاشلة، وفي أكثر من أزمة اقتصادية، تفضل دفع هؤلاء المنتظرين إلى تنفيذ المهمة بالوكالة عنها. لكنها تخشى من العواقب، وتكتفي، بانتظار المستجدات، باللجوء إلى الإثارات والتفجيرات الإرهابية والتعويل على نقص البنزين وسائر أشكال الحرب الناعمة.
وفي هذه الأثناء، لا يتوقف التاريخ عن الحركة. ففي كل يوم مستجدات تظهر مأزومية وضع المعسكر المعادي لإيران، وقوة الموقف الإيراني وامتداد علاقات إيران وتحالفاتها من أقرب البلدان المجاورة إلى ما وراء المحيطات.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018