ارشيف من :أخبار عالمية

صعده حرب لا منتصر فيها ـ 1\4

صعده حرب لا منتصر فيها ـ 1\4
اليمن: من دخول الإسلام على يد الإمام علي عليه السلام إلى سقوط دولة الإمامة عام1962م

باريس ـ نضال حمادة

دخل اليمن إلى الإسلام على يد الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، وكان ذلك في 22 من شهر رجب للعام السادس للهجرة حسبما ذكر معظم المؤرخين لتلك الحقبة، ويروي ابن كثير في تاريخه والطبري أيضا أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) أرسل حملة إلى اليمن بقيادة خالد بن الوليد فلم يتمكن من إدخالهم في الإسلام وقتل منهم مقتلة كبيرة، ثم أرسل الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام حملة بقيادة الإمام علي عليه السلام، فدخل أهل اليمن في الإسلام دون قتال، وكانت قبائل منطقة صعده من أوائل من أطلق عليهم لقب أنصار علي أو شيعة علي ابن أبي طالب.

ويذكر مؤرخو السيرة الكربلائية أن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، قالوا له ليلة العاشر من محرم إن لأبيك أنصارا في اليمن أو شيعة في اليمن، اذهب إليهم يعصموك من بني أمية، وقد استمر ولاء اليمن للإمام علي (ع) وكانت جبال صعده من أوائل المناطق التي والت الإمام حتى قبل جبل عامل في بلاد الشام أو ما يطلق عليه حاليا جنوب لبنان.

وكانت أبرز علامات تمسك أهل اليمن وخصوصا قبائل جبال صعده بالولاء لأهل البيت استمرار دولة الإمامة الزيدية برغم تعاقب دول كثيرة في العالم الإسلامي معظمها لا يتبع أهل بيت الرسالة، وبرغم وجود الدولة العثمانية حيث استمرت دولة الإمامة ما يقارب الألف عام من العام 898 ميلاديا حتى سقوطها في العام 1962 ميلاديا بعد الثورة اليمنية في القرن الماضي.

لمن لا يعرف محافظة صعده فهي تقع في الجزء الشمالي من الجمهورية اليمنية إذ يبعد مركزها الإداري شمالاً نحو ( 243 كيلومتراً) عن العاصمة صنعاء، ويبلغ عدد سكانها وفقاً لنتائج التعداد السكاني لعام 1994م حوالي ( 484,063 ) نسمة.

ويتنوع مناخ صعده تبعاً لتضاريسها الطبيعية، وهو معتدل صيفاً إذ تتراوح درجة الحرارة فيه ما بين ( 10ْ-62ْ ) وبارد شتاءً حيث تتراوح درجة الحرارة فيه ما بين (16 وما تحت الصفر).

وتعتبر محافظة صعده من المناطق الخصبة في اليمن حيث تشتهر بجودة بنها اليمني الشهير كما وتشتهر بصناعاتها الحرفية ودباغة الجلود.

وتشتهر صعده بصناعة الأسلحة الحربية منذ العصور القديمة، حيث كانت المحافظة تنتج الحديد، وكانت العرب تعرف حديد صعده بجودته. وقد استمرت المحافظة على هذا المنوال حتى عصرنا الحالي حيث تعتبر سوق اليمن للأسلحة على مختلف أنواعها، وهذا ما يفسر تملك الحوثيين لأسلحة كثيرة ومن مختلف الأنواع، بعيدا عن الاتهامات التي تساق دون أدلة على أسلحة مصدرها إيران وغيرها.

ظلت مدينة صعده مركزاً للدولة الزيدية التي استطاعت مقاومة كل العواصف والصراعات الداخلية والخارجية، وهي الدولة الوحيدة على الساحة اليمنية التي استمرت متواصلة الخطى تاريخياً من عام (898 م) حتى عام ( 1962م) دون غيرها من الدول الإسلامية اليمنية التي ظهرت على الساحة اليمنية لفترة زمنية، وانهارت.

وحظيت مدينة صعده بكثير من الإشارات الهامة عنها في مؤلفات الجغرافيين والرحالة العرب وكتب التاريخ والتراجم والسير، فضلاً عن مختلف المؤلفات الدينية حيث كان لعلمائها وفقهائها دور ملحوظ في التاريخ الإسلامي، ويرجع ذلك لأهميتها الدينية والسياسية والاقتصادية في تاريخ اليمن، وإلى جانب موقعها الجغرافي الهام الذي أكسبها ميزة إيجابية على طريق الحجيج، فهي همزة الوصل بين اليمن ونجد والحجاز، بالإضافة إلى موقعها على طريق حجيج حضرموت من العبر إلى الجوف وينضم في الطريق إلى الحج أهل مأرب وبيحان والسرويين ومرخة، وما زالت معالم وشواهد مدينة صعده تعكس عظمة العمارة الإسلامية وفنونها وتؤدي دورها إلى اليوم وستبقى معلماً عربياً إسلامياً، وكنزاً للتراث الإنساني يستحق تضافر جهود كل المنظمات العربية والإسلامية والدولية المهتمة بحماية وصيانة كنوز التراث العالمي وليس التعامل معها بالقصف الجوي والبري والحشود العسكرية.

في العام (1962م) انهارت دولة الإمامة الزيدية في صعده، وحصلت الحرب الأهلية في اليمن ما استدعى تدخلا مصريا من قبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أرسل قرابة أربعين ألف جندي إلى صعده، فيما عرف يومها بحرب اليمن حيث منيت القوات المصرية بهزيمة كبيرة هناك، ومن المفارقات أن النظام السعودي كان حينها من الداعمين لمناهضي الرئيس جمال عبد الناصر وحارب مباشرة إلى جانبهم في صعده، ما يطرح تساؤلات عن ذاكرة بعض القوميين العرب الذين يدافعون من دون وجه حق عما يجري في هذه المنطقة من العالم الإسلامي والعربي من دون تقويم جدي لمخطط الاستئصال الذي كان المذهب الزيدي يتعرض له من قبل الوهابية وبدعم من السلطة في صنعاء.

2009-11-30