ارشيف من :آراء وتحليلات
التيار الوطني الحر... ماذا بعد الحرب الكونية؟

ليلى نقولا الرحباني
يتجه الوضع السياسي اللبناني الى مرحلة من "الاسترخاء الداخلي" ما يفرض مزيد من الانفراج والمصالحات واتجاه للقوى السياسية الكبرى الى تخطي خلافاتها السابقة والاتجاه نحو فتح صفحات جديدة من العمل السياسي الذي سيختلف بآلياته وأساليبه المعتمدة عما ساد في الفترة السابقة.
لم يكن تفصيلاً ان يقوم احد الوزراء المحسوبين على تيار المستقبل، بطلب استبدال عبارة "ندية" بعبارة اخرى لا تزعج السوريين، ولن يكون مستغرب في الايام المقبلة، ان قام أعضاء بارزون في الأكثرية النيابية - ممن كانوا يعتبرون من الصقور- بتصريحات تعيد الى الاذهان الفترة التي سبقت اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2004، وذلك لأن مرحلة الاسترخاء السياسي الداخلي اللبناني المطلوبة اقليميًا ودوليًا تفرض تطورًا في الخطاب السياسي يلاءم مرحلة التحولات القادمة ومرحلة "العهد الحكومي الجديد" الذي سيطل به الرئيس الشاب سعد الحريري، وبه سيدشّن مسيرته السياسية كرئيس حكومة لبنان، وهي مرحلة اختبارية ستؤشر لما قد يكون عليه مستقبله السياسي اللبناني ككل فاما ان يصدق "وعوده بأن يكون رئيس حكومة لبنان" او يبقى زعيم فئة سياسية محدودة بالرغم من انها تتمتع بالاكثرية النيابية.
أما مسيحيًا، فسيكون المسيحيون من الآن وصاعدًا أمام مشهد "انتصار وجهة النظر السياسية للتيار الوطني الحر"، فها هي الاكثرية التي رجمته على تحالفه مع حزب الله ودعمه للمقاومة، تتبنى نفس الطروحات. وها هم من اتهموه بالدخول في المحور السوري الايراني، يتحضرون لمدّ جسور "المحبة والاخوّة والوئام" مع "الشقيقة سوريا". أما من أطلق عليه سهام " السير بمشروع ولاية الفقيه وأسلمة لبنان والتفريط بحقوق المسيحيين"، فقد أيقن بالدليل القاطع أن "المعركة الحكومية" التي قام بها العماد عون، لم تؤدِ الى حفظ "حق" تكتل التغيير والاصلاح فقط، إنما أدت وبشكل قاطع الى تحسين حصة مسيحيي الموالاة في الحكومة العتيدة، ورفع رصيدهم التمثيلي فيها.
إذا، وبعد انتصار وجهة نظر التيار الوطني الحر وتبيان صوابية خياراته السياسية بدليل عودة الجميع الى تبنيها، وفي ظل مرحلة "الاسترخاء السياسي" القادمة، ما الذي يجب ان يفعله "أهل" التيار، وما هي التحديات والاستحقاقات الجديدة التي ستواجهه؟
بداية، بات على التيار الوطني الحر، وبعد انقشاع غبار المعارك الكونية المنتهية، أن يتفرغ لتنظيم بيته الداخلي، وتحضير نفسه لمواجهات الاستحقاقات القادمة، وذلك من خلال اطلاق ورشة فكرية وتثقيفية وتنظيمية على المستويات كافة، بالاضافة الى عملية اعادة تقييم شاملة لكل ما حصل خلال السنوات الاربع إن على صعيد اللجان التنفيذية وما حققته، أو على هيئات المناطق والاقضية والى ما هنالك من تعيينات أخرى، بات من الضروري بمكان أن تقدم كشف حساب عما قامت به، وماذا حققت من نتائج...
ثانيًا: لا يمكن للتيار الوطني الحر مواجهة المستقبل الآتي وما ينتظره من تحديات انتخابية وسياسية واجتماعية وهموم معيشية، إلا في حال قيامه بصياغة مبادئه وأفكاره وتطلعاته، وكتابتها وتدوينها، على أن تصبح "مرجعًا" لكل ناشط وحزبي ملتزم ومناصر. لذا يجب ان تقوم الهيئات المختصة في التيار باعداد ورش عمل لبلورة موقف التيار ورؤيته لكل المواضيع المطروحة على الساحة السياسية، واصدارها في كتيبات تشمل على سبيل المثال لا الحصر، الموقف من الطائفية السياسية، من الخصخصة الخ...
وبهذا يكون لكل محازبي التيار رأي موحد حول مجمل القضايا الخلافية، تمنع الاجتهاد وتباين وجهات النظر بين حزبي وآخر، والتي عادة ما تظهر بسبب تباين الخلفيات الثقافية والسياسية والعلمية التي تطبع المنتمين للتيار، فمنهم من أتى الى التيار الوطني الحر من خلفية يسارية، ومنهم من أتى من اليمين والى ما هنالك من خلفيات وتنوع يحفل به التيار.
ثالثًا: على القيمين على التيار في المرحلة المقبلة الاهتمام بصياغة الخطاب السياسي، وتظهير الانتصارات الوطنية التي تحققت سواء في الداخل الحزبي او على الساحة الاعلامية. لأن كثافة الاعلام الذي يتحدث عن خلل في داخل التيار وسوء تنظيم و"أمراض" يعاني منها التيار- وبغض النظر عن مدى مصداقيتها أو لا- بدأت تنشر القنوط في صفوف العونيين. ولعل المفارقة الغريبة التي تسيطر على الواقع السياسي المعاش والتي لا نراها الا في لبنان، هي حالة قد نسميها سعي البعض الى احباط المنتصر السياسي.
ولهؤلاء نتوجه بسؤال جوهري:
كيف يمكن لتيار بهذا السوء من التنظيم وبهذا القدر من الانهيار الذي تتحدثون عنه، أن يحقق قائده مكاسب سياسية بهذا الحجم على الساحة السياسية الوطنية، وكيف يستطيع أن يفرض نفسه لاعبًا أساسيًا في اللعبة المحلية والاقليمية بدون أن يكون له "حزب فاعل" وراءه، أو يكون له جمهور لبناني واسع يؤيده؟
إن كان هناك من يعتقد أن "الضعفاء" ينتصرون في السياسة المبنية على القوة والبطش، أو أن "جوائز ترضية سياسية" قد توزع على المنكسرين، فهو، بالتأكيد، إما خبيث أو جاهل.