ارشيف من :أخبار عالمية
العلاقة بين بلاد الشمس المشرقة والعم سام: التباس سياسي وضبابية إقتصادية
"الانتقاد.نت" - عبد الناصر فقيه
تعمل الإدارة اليابانية الجديدة بزعامة "الحزب الديمقراطي الياباني" كفريق واحد، ويشكل ذلك تعبيراً عن التحول السياسي الحقيقي في طوكيو، بعد أن أسفرت انتخابات آب/أغسطس الماضي عن وضع حد لهيمنة نظام "حكم الحزب الواحد" على البلاد قرابة نصف القرن.
شراكة دبلوماسية ملتبسة:
الاقتصاد الوطني ونظام الرعاية الاجتماعية في اليابان يشكلان عصب الإهتمام الشعبي الذي سبب خسارة الحزب الليبرالي الديمقراطي، ويُتوقع للحزب الديمقراطي الذي يتولى سدة الحكم حالياً، المصير نفسه بعد أربع سنوات، فيما لو عجز هو الآخر عن الاستجابة لتلك المطالب.
ودرجت العادة ان يستخدم الساسة اليابانيون التحالف الأميركي -الياباني كمادة سجال سياسي محلي، ومن المعروف انه رغم إستئثار(الحزب الليبرالي الديمقراطي) الحزب الحاكم سابقاً في الحكم، فإنه لم يتفرد وحده بإقامة الشراكة الدبلوماسية بين واشنطن وطوكيو.
في المقابل، فإن واشنطن تأخذ حذرها من أولئك الساعين في طوكيو لاستغلال التحالف "التاريخي" بين البلدين لخدمة أجندتهم السياسية الخاصة، دون الإصطدام ظاهرياً بما يسيء لمزاج اليابانيين.
والإدارة الأميركية عبّرت مراراً عن رغبتها بضرورة وجود "مبادرات جديدة نحو التغيير" في هرم الحكم الياباني، لكن ما اعلنه "الحزب الديمقراطي"، الجديد العهد في الحكم، عن دراسة ملف العلاقة بين طرفي العالم الشرقي والغربي، دفع بواشنطن لإبداء خشيتها مما يمكن أن يحدثه التغيير السياسي "الحقيقي" على إدارة تحالفها مع اليابان.
وكان إعلان حكومة هاتوياما عزمها "إجراء تعديلات جوهرية على سياساتها المتصلة بالوجود العسكري الأميركي" في اليابان، قد دفع بالعام سام للرد بفظاظة على لسان وزير الحرب الأميركي روبرت غيتس مؤكداً "استحالة إزالة القواعد الحربية" لا سيما منها الجوية.
غير أن أولويات الشراكة الدبلوماسية بين الطرفين ولّت مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفياتي، ويبرز هنا الخلاف بين الطرفين حول المعضلة الأفغانية (الرغبة بالإبتعاد عن دفع ثمن الحرب) وكيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني (نظراً للعلاقة الإقتصادية مع طهران).
ومع تتابع المتغيرات على الساحة الدولية في شتى المجالات لم يعد ممكناً للإدارة الاميركية مواصلة هذه الشراكة من خلال زيارة واحدة للقارة الصفراء أثارت التباسات لدى الشارع الياباني عبر مغازلة الرئيس بارك اوباما للمارد الصيني.
وفيما يُنتظر أن يعود أوباما لليابان مرة أخرى (في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2010) لحضور قمة التعاون الآسيوي-الباسيفيكي، يرى اليابانيون أن هذه السنة كفيلة بإظهار مدى إيمان واشنطن بقوة الشراكة بين البلدين.
العلاقات الإقتصادية بين اليابان والولايات المتحدة:
يعرف الجميع أن الولايات المتحدة كانت طوال نصف القرن الماضي هي التي تقود واليابان تتبعها، وكان أحد الأسباب الرئيسية هو اعتماد طوكيو على واشنطن فيما يتعلق بشؤونها الأمنية وفي المقابل فإن العلاقة الاقتصادية كانت وثيقة للغاية، حيث كانت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لليابان على مدار السنين، غير أن الامور الآن بدأت تنحو منحى متغيراً مع ظهور الصين، كقوة إقتصادية كبرى أثبتت نفسها على أرض الواقع.
ومنذ عامين، حلّت الصين مكان الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لليابان من حيث الصادرات والواردات، ويبدو أن الاتجاه سيستمرعلى هذا النحو، الأمر الذي يشير إلى أن صادرات اليابان إلى الصين تجاوزت مثيلتها إلى الولايات المتحدة، رغم أن الصادرات اليابانية إلى الصين انخفضت بنسبة 25.3 % عن الفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أن الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة أظهرت تراجعاً أكبر، الأمر الذي دفع الصين إلى احتلال المرتبة الأولى.
وقبل تسلم سدة الوزارة، أيد هاتوياما تشكيل مجتمع شرق آسيوي، دون تحديد واضح له، فيما اكد بعد فوزه في الإنتخابات (من سنغافورة) إلى أن الولايات المتحدة ستكون "عضواً محتملاً" في مثل هذا التجمع الإقليمي. الكلام الياباني أتى بعد إعلان أوباما في خطابه بطوكيو عن رغبة الولايات المتحدة بالمشاركة في قمة شرق آسيا بشكلٍ أكثر رسمية، وهي إشارة محتملة إلى الرغبة في شمولها.
غير أن لليابان حجة قوية وحقيقية لتفضيل مزيد من التكامل مع شرق آسيا، ومن غير المحتمل أن تتعافى الولايات المتحدة من الازمة المالية قريباً، وبما يكفي من القوة لتغذية آلة الصادرات اليابانية مرة أخرى، ودون وجود مصدر جديد للتجارة، فإن اقتصاد اليابان محكوم عليه بالموت، بينما التكامل الأوثق مع شرق آسيا هو السبيل الوحيد للخروج.
وبما ان اليابان والولايات المتحدة يمثلان أكبر اقتصادين صناعيين متقدمين، فإن أغلب محادثاتهما الثنائية تدور حول حفز النمو الاقتصادي وتحقيق استقرار الأسواق المالية العالمية، كما يركز الطرفان على الكيفية التي يمكن أن تتعاون بها واشنطن وطوكيو في الحد من الإنحدار الإقتصادي لكليهما.
بطبيعة الحال، فإن العلاقات الاقتصادية والعلاقات السياسية أمران منفصلان، رغم وجود صلة ما بينهما، غير أن الشكوك السياسية بين اليابان والصين تنمو، ليس على الصعيد السياسي فحسب، إنما كذلك على الصعيد العسكري، لذلك فإنه من غير المحتمل أن ترغب طوكيو في إغضاب العم سام أو إضعاف علاقاتها الأمنية مع واشنطن.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018