ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: بين الكاتب والشارع

كتب حسن نعيم
هل تختلف حياة الكاتب بين هواجسه وكتبه وأوراقه عن حياته في الشارع والمنزل والسوق؟ وهل ثمة منطقة فاصلة بين طريقة عيشه بين الناس وبين ما يعيشه على الورق من أحلام ورؤى وتصورات؟ ثم هل تعذّبه هذه الثنائية الحياتية الكتابية إن وجدت.
أسئلة قد يكون من الأجدى أن نسأل الكتّاب أنفسهم عنها كلاً على حدة, فالكتّاب بشر أيضاً، وهم يختلفون في ما بينهم من حيث الأمزجة والطبائع والسلوكيات، لكن عملية استقرائية لحياة شريحة من الكتّاب تفيد بأن ثمة هوّة كبيرة بين ما يسطّرونه في كتبهم وآثارهم الفنية وبين ما يعيشونه على أرض الواقع، الى الحد الذي يصح معه الزعم بأن ثمة دهاليز من الغربة والوحشة بين العالمين المذكورين، وإلاّ فما قولك أعزك الله بأولئك الذين يكتبون بمثالية ويعيشون في واقعهم حياة شاذة في الخفاء، وما قولك بأولئك الذين يكتبون عن المحبة والرحمة والتواضع والتسامح وهم في حياتهم متعجرفون متكبرون لا يرون أحداً الاّ كما ترى الصقور في قممها الشاهقة أسراب الذباب والبعوض في المستنقعات.
هذه الثنائية دفعت بالروائي الياس خوري الى القول ذات محاضرة: أنا لست مهماً، الكاتب ليس مهماً، ما يكتبه هو المهم.
لا يخفى أن كلام خوري يحمل أكثر من معنى، ويمكن أن نحمّله معنى تهميش الكاتب من قبل مجتمعه على الرغم من تثمينهم لأعماله الكتابية, لكن ما يعنينا من الكلام هو هذه الثنائية الحياتية الكتابية التي تدفع بالكثير من الكتّاب الى الشكوى من الصورة النمطية التي يفترضها القرّاء لهم, فيتساءلون بكثير من المرارة: ألا يحق لنا أن نكون أناساً عاديين ونحمل في جوانحنا الضعف الإنساني الذي يحمله أبناء جلدتنا, فنحلم, ونحبط, ونكتئب, ونخطئ ونعتدي بمثل ما يعتدى علينا.
لماذا تطلبون دائماً من الكاتب أن يكون ملائكياً ونموذجياً في غابة الناس اللاهثة وراء مصالحها الضيقة والصغيرة, وما معنى أن ننكر ذواتنا ونخفف انفعالاتنا وننشرها ذرات في هذا الفضاء الذي لا يتسع لأحلامنا.
أسئلة إشكالية يمكن الإجابة عنها بأعمال كتابية ستكون ـ إذا ما أحسن التعامل معها ـ إبداعية حقاً.
الانتقاد/ العدد 1708 ـ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2008
هل تختلف حياة الكاتب بين هواجسه وكتبه وأوراقه عن حياته في الشارع والمنزل والسوق؟ وهل ثمة منطقة فاصلة بين طريقة عيشه بين الناس وبين ما يعيشه على الورق من أحلام ورؤى وتصورات؟ ثم هل تعذّبه هذه الثنائية الحياتية الكتابية إن وجدت.
أسئلة قد يكون من الأجدى أن نسأل الكتّاب أنفسهم عنها كلاً على حدة, فالكتّاب بشر أيضاً، وهم يختلفون في ما بينهم من حيث الأمزجة والطبائع والسلوكيات، لكن عملية استقرائية لحياة شريحة من الكتّاب تفيد بأن ثمة هوّة كبيرة بين ما يسطّرونه في كتبهم وآثارهم الفنية وبين ما يعيشونه على أرض الواقع، الى الحد الذي يصح معه الزعم بأن ثمة دهاليز من الغربة والوحشة بين العالمين المذكورين، وإلاّ فما قولك أعزك الله بأولئك الذين يكتبون بمثالية ويعيشون في واقعهم حياة شاذة في الخفاء، وما قولك بأولئك الذين يكتبون عن المحبة والرحمة والتواضع والتسامح وهم في حياتهم متعجرفون متكبرون لا يرون أحداً الاّ كما ترى الصقور في قممها الشاهقة أسراب الذباب والبعوض في المستنقعات.
هذه الثنائية دفعت بالروائي الياس خوري الى القول ذات محاضرة: أنا لست مهماً، الكاتب ليس مهماً، ما يكتبه هو المهم.
لا يخفى أن كلام خوري يحمل أكثر من معنى، ويمكن أن نحمّله معنى تهميش الكاتب من قبل مجتمعه على الرغم من تثمينهم لأعماله الكتابية, لكن ما يعنينا من الكلام هو هذه الثنائية الحياتية الكتابية التي تدفع بالكثير من الكتّاب الى الشكوى من الصورة النمطية التي يفترضها القرّاء لهم, فيتساءلون بكثير من المرارة: ألا يحق لنا أن نكون أناساً عاديين ونحمل في جوانحنا الضعف الإنساني الذي يحمله أبناء جلدتنا, فنحلم, ونحبط, ونكتئب, ونخطئ ونعتدي بمثل ما يعتدى علينا.
لماذا تطلبون دائماً من الكاتب أن يكون ملائكياً ونموذجياً في غابة الناس اللاهثة وراء مصالحها الضيقة والصغيرة, وما معنى أن ننكر ذواتنا ونخفف انفعالاتنا وننشرها ذرات في هذا الفضاء الذي لا يتسع لأحلامنا.
أسئلة إشكالية يمكن الإجابة عنها بأعمال كتابية ستكون ـ إذا ما أحسن التعامل معها ـ إبداعية حقاً.
الانتقاد/ العدد 1708 ـ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2008