ارشيف من :أخبار عالمية

استراتيجية أوباما الجديدة: مقامرة!

استراتيجية أوباما الجديدة: مقامرة!
أفغانستان لن تصبح شيئاً غير مقبرة الأمبراطوريات
عقيل الشيخ حسين

لا جديد في استراتيجية أوباما الجديدة بشأن الحرب في أفغانستان. زيادة عدد الجنود الأميركيين، مساعدة الحكومة الأفغانية على الاضطلاع بنفسها بمهمة إقرار الأمن في البلاد، والتعويل على دور باكستاني أكبر في الملف الأفغاني. أهداف، باعتراف العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين الغربيين، يبقى عدم الجدوى هو القاسم المشترك فيما بينها.
وما يقال اليوم عن استراتيجية أوباما الجديدة قيل قبل ثمانية أشهر عن استراتيجيته التي افتتح بها ولايته رئيساً للولايات المتحدة. وكلتا الاستراتيجيتين تتطابقان في خطوطهما العريضة مع الاستراتيجية السوفياتية التي ركزت على دعم الحكومة الموالية للسوفيات في كابول وتعزيز قدراتها القتالية، من دون أن تتمكن هذه الحكومة من الصمود لأكثر من سنتين بعد الانسحاب السوفياتي.
وعدم الجدوى لا يعزز الاعتقاد بأن مصير الأميركيين في أفغانستان سيكون مشابهاً لمصير السوفيات وحسب، إنه أيضاً في أساس المقارنات بين الحربين الأميركيتين في أفغانستان وفييتنام.
ومع هذا، إضافة إلى التجربة المريرة التي يكابدها الأميركيون وحلفاؤهم في أفغانستان، تأتي استراتيجية أوباما الجديدة لتمعن في الهروب إلى الأمام.
لا تعد ولا تحصى آراء المعنيين، ومنهم قادة عسكريون أميركيون، ممن يؤكدون استحالة الحل العسكري في أفغانستان. في البداية، عام 2001، اعتقد الأميركيون وحلفاؤهم بأن الحرب ستكون نزهة يتوجها انتصار مجلجل. فأرسلوا ما يزيد قليلاً عن ألف جندي للقضاء على نظام طالبان. وبالفعل، أسفرت العمليات العسكرية المتقننة عن تلاشي هذا النظام. لكن طالبان وغيرها من الفصائل الأفغانية المسلحة لم تلبث أن عادت مجدداً إلى الساحة لتقود، طيلة السنوات الثماني المنصرمة حرباً ضروساً ارتفع معها عديد قوات الغزو إلى 110 آلاف جندي، وهذا الرقم سيرتفع إلى ما يقرب من 150 ألف جندي وفقاً لاستراتيجية أوباما الجديدة.
الاستراتيجية القديمة نصت على رفع عديد القوى المسلحة التابعة للحكومة الأفغانية إلى 200 ألف عنصر. والاستراتيجية الجديدة نصت على مضاعفة العدد. ومصادر المقاومة الأفغانية، وكذلك مراقبون محايدون وأميركيون، يعتبرون أن إرسال الجنود من الخارج أو تعبئة جنود محليين لن يعني غير شيء واحد: ارتفاع عديد الخسائر البشرية. وخصوصاً أن القوات التي بدأت تأخذ طريقها نحو أفغانستان ستتمركز، على ما يقال، في المناطق الأكثر سخونة، والتي كان الأميركيون يتجنبون الحضور فيها أو يزجون ما يتيسر من حلفائهم في حقولها المتفجرة.
ولا تعوّل استراتيجية أوباما على الجانب العسكري وحده. فهي تتطلب أيضاً إصلاح الإدارة الأفغانية المنخورة بالفساد والمحسوبيات والصراعات الداخلية على المناصب. والظاهر أن العديد من المسؤولين في الحزب الديموقراطي الذين يعربون يومياً عن عدم ثقتهم بقدرة نظام قرضاي على الإمساك بزمام الوضع، يدفعون باتجاه إحداث نوع من الانقلاب على هذا النظام عبر الحد من مركزية السلطة لمصلحة حكام الأقاليم، الأمر الذي من شأنه أن يلعب دوراً معاكساً لما تشتهيه سفن الاستراتيجية الجديدة، بالنظر إلى تعقيدات الأوضاع القبلية والمناطقية في أفغانستان. ناهيكم عن مخاوف قرضاي من محاولات الحوار الأميركي مع من يسمونهم بالعناصر المعتدلة، أو حتى المتشددة، في طالبان، أو من الأحاديث عن توجه نحو تعيين مندوب سام أممي في أفغانستان قد يتجاوز بصلاحياته صلاحيات قرضاي.
عائق آخر يتمثل في اللهجة القلقة لتصريحات المسؤولين الباكستانيين حول الاستراتيجية الجديدة التي تعتبر الساحتين الأفغانية والباكستانية مسرحاًً لحرب واحدة. وهذا القلق عبر عن نفسه من خلال النفي الباكستاني لوجود بن لادن في باكستان، خلافاً للتأكيدات الأميركية.
ومن بين مظاهر الوهن في الاستراتيجية أنها جاءت متماشية مع رؤى الجمهوريين والمحافظين الجدد، في وقت تعارض فيه شرائح واسعة من الحزب الديموقراطي زيادة عدد القوات أو تطالب حتى بوضع حد للتورط الأميركي في أفغانستان، الأمر الذي ينذر بحدوث تصدعات في صفوف الديموقراطيين مع اقتراب الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
وبالطبع، حاول أوباما التخفيف من هواجس الديموقراطيين عبر تحديد أواسط العام 2011 موعدا للبدء بالانسحاب، أو للتفكير ببدء الانسحاب، لكن مطاطية الخطاب، لم ترض الجمهوريين الذين يطالبون، بدلاً من المهل الزمنية، بالعمل من أجل الحسم العسكري الواضح.
العوائق تمتد إذاً من الداخل الأفغاني إلى الداخل الأميركي مرورا بباكستان والحلف الأطلسي، بالطبع، وحدها بريطانيا تجاوبت، حتى الآن، بشكل محدود جداً مع استراتيجية أوباما عبر قرارها إرسال 500 جندي، وهذا التجاوب على محدوديته، سيكون ذا أثر سلبي على حكومة غوردن براون التي تتعرض لضغوطات شعبية متزايدة ومطالب بالانسحاب من الحرب. والأثر السلبي نفسه ينعكس على موقف الشارع الأميركي حيث وصلت نسبة المعارضين لاستمرار الحرب إلى 60 بالمئة من المستطلعة آراؤهم.
فإذا أضفنا كل ذلك إلى الأعباء المالية في وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من أزمتها المالية والاقتصادية والاجتماعية المعروفة، يصبح الحكم ممكناً بوجاهة الآراء القائلة بأن أوباما اعتمد طريق "المقامرة" في استراتيجيته الجديدة بشأن أفغانستان. مقامرة حظوظها بالفشل أكبر بما لا يقاس من حظوظها بالنجاح. وحتى لو نجحت، فإن نجاحها سيكون لأجل. لأن أفغانستان لن تصبح شيئاً غير مقبرة الأمبراطوريات برغم حجج أوباما التي سفّه فيها آراء أركان حزبه واتهمهم ـ لأنهم يتخوفون من نهاية على الطريقة الفييتنامية ـ بأنهم لا يحسنون مثله قراءة التاريخ. والأكيد هنا أن أوباما كان يتحدث عن التاريخ الذي بدا للحظة أنه انتهى، قبل أن ينتبه فوكوياما نفسه بأنه لم يزل في بداياته.
2009-12-04