ارشيف من :آراء وتحليلات

زيارة الحريري الى دمشق: تباين حساباتها هل يؤخرها؟

زيارة الحريري الى دمشق: تباين حساباتها هل يؤخرها؟
مصطفى الحاج علي
أيام قليلة تفصل حكومة الحريري عن نيل الثقة، وبالتالي عن الانطلاقة الدستورية الكاملة، ما يضعه في مواجهة الخطوة الأشد حساسية بالنسبة اليه والمتمثلة بزيارة دمشق.
هذه الزيارة ليست مجرد تفصيل صغير، بل هي جزء مهم من عملية التفاهم السعودي ـ السوري، ويكفي التذكير هنا بأن إحدى نقاط الخلاف التي حكمت المرحلة الأولى من عملية تشكيل الحكومة تمثلت بالتجاذب حول موعد الزيارة، حيث كانت دمشق تشدد على أن تسبق التأليف لا أن تلحقه، الى أن حسم الأمر لاحقاً على أن تكون بعيد نيل الحكومة الثقة حتى يزورها الحريري كرئيس للوزراء لا كرئيس لتيار المستقبل، وحتى لا تخضع الزيارة لاعتبارات، وحتى لا تكتسب دلالات غير مرغوبة آنذاك، والزيارة أيضاً جزء مهم لأنها تندرج في سياق إعادة ترتيب العلاقات السورية ـ اللبنانية أيضاً، وهي علاقات سادها الكثير من التوتر والأزمات خلال السنوات الأربع الماضية.
في ضوء هذا كله، كيف تبدو الصورة الخاصة لهذه الزيارة استناداً الى جملة من المواقف والتطورات المسجلة مؤخراً؟
إن تظهير هذه الصورة يتطلب الوقوف عند التالي:
أولاً: يحرص الحريري على أن تتخذ زيارته الى دمشق ثلاثة مداخل أساسية: الأول هو الرياض، أي أن يدخل الى دمشق من البوابة السعودية للقول إن خياراته العربية هي بالدرجة الأولى سعودية، والثاني، أن يذهب الى دمشق بواسطة الطائرة لا عبر البر، للتأكيد على الطابع الرسمي للزيارة، وأن دمشق لا شيء يميزها عن باقي الدول، وذلك على العكس تماماً من دلالات الزيارة نجاحاً لو تمت من خلال البر، أما الثالث، أنه يذهب الى دمشق بصفته رئيساً للحكومة لا بصفته رئيساً لتيار المستقبل الذي ناصبها العداء لخمس سنوات، وحمّلها مسؤولية دم الرئيس الحريري الأب، والتأكيد هنا، يراد منه وضع المصلحة اللبنانية العامة كدافع للزيارة، بما هي مصلحة تتم من موقع رجل الدولة الذي يترفع عن حساباته الشخصية، وبالتالي لا يريد ان يسجل الحريري لنفسه سابقة المسامحة، هو يفعل هنا تماماً كما فعل جنبلاط الذي بقي يحتفظ لنفسه برغبة دقيقة للثأر، بالرغم من كل مسار العلاقة الذي ربطه بدمشق. ثانياً: ثمة حرص لدى أركان تيار المستقبل على التخفيض من سقف الزيارة ودواعيها وأهدافها، لدرجة حصرها في هدف واحد هو كسر الجليد بين دمشق والحريري كخطوة تأسيسية أولى على طريق تسوية العلاقة بين الاثنين ليس إلا.
ثالثاً: يظهر تيار المستقبل ثنائية واضحة في الموقف من الزيارة، حيث هناك من يبدو راغباً بها بتحفّظ، وهناك من يصرّ على رفضها، معتبراً إياها انكساراً في مصداقية التيار ومسار علاقته المعقّد والمأزوم مع دمشق، والذي ما زال يقطر دماً في نظر هؤلاء. هنا، لا يبدو الانقسام توزيعاً للأدوار، بقدر ما يعكس في حقيقة الأمر تململاً واضحاً لدى جمهور هذا التيار، الذي يرى الى الزيارة بوصفها انحرافاً خطيراً عن كل المسار التعبوي والاتهامي لدمشق خلال الفترة الماضية، ما يعرّض طروحاته للتشكيك وللنيل من صدقيتها، الأمر الذي سيكون له بدوره ترددات خطيرة على هذا الجمهور.
رابعاً: في المقابل، لا تبدو دمشق راضية عن كل المعطيات المشار اليها آنفاً، والتي يحاول تيار المستقبل ورئيسه وضع زيارته الى دمشق تحت ثقل دلالاتها، أي تكييف الزيارة وفق متطلبات الحريري وتياره، ما يجعلها مجرد زيارة فاقدة لأي مضمون حقيقي قابل للأخذ والرد، ولذا، يبدو أن دمشق سارعت الى توجيه رسائل سريعة الى الحريري، إحداها تمثلت بالاستدعاء القانوني لكل الفريق الإعلامي والأمني والحقوقي الخاص بملف اغتيال الحريري للمثول أمام قاضي التحقيق السوري، مستفيدة من الدعوى التي رفعها اللواء جميل السيد على هؤلاء مجتمعين أمام القضاء السوري، والرسالة واضحة هنا، فهي تريد أن تعكس وجهة الاتهام، وأن هذا الملف لا يمكن القفز عنه، حيث لا يزال عالقاً، والثانية تمثلت بالمواقف التي أطلقها النائب سليمان فرنجية مؤخراً، والتي دعا فيها الحريري الى التمييز بين الأصدقاء الحقيقيين والأصدقاء غير الحقيقيين.
كل ما تقدم يشير الى أن زيارة الحريري الى دمشق ما زالت تخضع لتجاذب حول سقفها ومضمونها لا سيما لجهة أن هناك من يريدها مجرد زيارة عادية ورمزية وبروتوكولية ليس إلا، ومن يريدها زيارة لها دلالاتها الخاصة التي ترتقي الى مستوى إحداث قطيعة في مسار العلاقة السابق لمصلحة تأسيس مسار مختلف. هل هذا التجاذب سيؤخر موعد الزيارة، أم سيتم البحث عن مكان وسط لها، الأيام المقبلة ستكون كاشفة بالتأكيد.
2009-12-08