ارشيف من :أخبار لبنانية
"كرك نوح": تاريخ علم ومقام نبي


وقد مرت البلدة عبر العصور المتقدمة بازمات وويلات ومصائب وبلايا يضيق الصدر بذكرها وبالاخص لكونها كانت تحمل بين جنبيها حب النبي وآله لذا فقد احرقت البلدة ونهبت بيوتها وقتل علماؤها بتهمة التشيع والولاء ومع ذلك فقد كان اهلها ممن تجملوا بالصبر وتحملوا الاذى لقاء ثواب الله .
أكب أهلها على التفقه والعلم وبدات التضحيات بتقديم النفوس والمهج والاموال والبنين من اجل نيل العلى من علوم خاتم النبيين واهل بيته وحملة اسراره وظهر فيها القضاة والعلماء والمتفقهون واهل الفتوى واصحاب التاليفات والمصنفات واهل الزهد والتقوى وكانهم موج البحر الهادر, وبرزت الحركة والنهضة العلمية الذاخرة وجهابذة علمائها الفاخرة والتي يقودها علماء الكرك مما جعل هذه البلدة الصغيرة في تعدادها والكبيرة في اثارها ومحتواها شمسا للعلوم والمعارف وقمرا منيرا في اعلى المشارف ولا سيما الملقب بـ "شمس الشموس نادرة الزمان" الشيخ علي بن نور الدين الشهير بالمحقق الكركي (قده).
وفي القرن العاشر والحادي عشر اصبحت الكرك محط رحال العلماء والاعلام من مشارق الارض ومغاربها وقصدها المخالف والمؤالف للنهل من العلوم المحمدية والاسرار الالهية وظهرت في ذلك الحين دولة الصفويين في ايران ولم تر النعيم الا ببركة علماء الكرك الذين قصدوها ووجدوا فيها ضالتهم المنشودة لتطبيق احكام الله والقيام بحدوده .
وظهر في كل مدينة من مدن ايران شيخ الاسلام من العلماء الكركيين ولعبوا دورا هاما في تبليغ الدعوة الاسلامية.. واذا بدولة الصفويين دولة اسلامية ذات مبادئ الهية اساسها الولاء للنبي الأعظم محمد وآله (ص) ونشر علومهم وعملوا ايضا على انشاء الحوزات العلمية على غرار حوزة الكرك فشهدت الدولة الصفوية حركة علمية وعمرانية واقتصادية واجتماعية لا مثيل لها ولا شبيه ولا نظير وبقي علماءها حقبة من الزمن يمارسون دورهم، دور الفقهاء والامناء على الناس حتى تخرج على يد المحقق الكركي ما يزيد على اربعمائة مجتهد في مدة يسيرة وقد ذكر الاديب والمؤرخ حسن نصر الله في كتابه الكرك : انه عند الفتح الاسلامي لم يأت المؤرخون على ذكر الكرك في ايام الفتوحات بيد ان الامان الذي كتبه ابو عبيدة الجراح سنة15هج /636م لاهل بعلبك وجوارها شمل ضمنا الكرك وبادر العرب الى تشييد مقام ومزار النبي نوح (ع) وهو بناء قديم ومتواضع رمم حديثا ياخذ اهميته العمرانية من الحجارة التي بني فيها وهي حجارة رومانية منقولة من قلاع وحصون اضافة الى مخطوطات محفورة بالصخر بالخط العربي وقد قيل ان هذا المقام الذي يرتفع فوق قبر طويل هو لاحد ابناء النبي نوح كون ان الروايات تشير الى وجود قبره في العراق واخرى تقول انه في الاردن .
المقام

لم يدخل على المقام الكثير من التحسينات من الداخل على عكس المسجد سوى بتبليط ارضه, ويمتد الضريح على شكل مقبب من صخور وحجارة منحوتة بطول اثنين وعشرين مترا وعرض المقام حوالي الثلاثة امتار بينما عرض الضريح لا يتجاوز المتر .
مسجد الكرك
مسجد الكرك الذي هو مسجد مقام نبي الله نوح هو نفسه الحوزة العلمية التاريخية التي تخرج منها مئات المجتهدين الذين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر فضلا عن المحقق الكركي :
ـ السيد ابراهيم الموسوي الكركي
ـ الشيخ ابراهيم الحرفوشي الكركي
ـ السيد احمد الموسوي الكركي
ـ الشيح احمد بن نور الدين الكركي
ـ السيد بدر الدين الكركي
ـ السيد بدر الدين نجم الدين الكركي
والعشرات غيرهم..
وتحيط بمقام النبي نوح والمسجد الحوزة اشجار باسقة من السرو وتنتشر وسط مروج خضراء بمساحة ضيقة مقابر لعلماء وشهداء البلدة الذين واجهوا الاعتداءات التي طالت الكرك والذين واجهوا الاحتلال الاسرائيلي مما زاد في قدسية المكان وهيبته .

ورغم سكوت المصادر عن مكانة الكرك يرجح انها اتخذت مكانة استقلالية فكانت قلعة حصينة ومركزا فقهيا لها حاكم يرتفع الى رتبة الوالي احيانا ويرتبط بوالي بعلبك وقد يتصل بوالي دمشق مباشرة والى جانب الوالي نجد قاضيا يفصل بالدعاوى بين الناس ومن قضاتها المشهورين :
ـ سنان الكركي الشيعي في القرن السادس الهجري
ـ القاضي احمد بن بهاء الدين بن محبوب البعلي اليونيني المتوفي سنة 696هج/1297م
ما زالت الكرك اليوم قرية متواضعة في البقاع الاوسط من لبنان تجاورها لجهة الجنوب مدينة زحلة والى الشمال بلدة الفرزل والى الشرق الطريق الدولية اما لجهة الغرب فسلسلة جبال لبنان الغربية .
حول مسجد البلدة والمقام الى مكان اثري وديني سجل في مديرية الاثار ووزارة السياحة اذ يقصده الزوار المؤمنون من كافة انحاء لبنان والعالم للتبرك فضلا عن السواح الذين يزورونه للاطلاع على مزاياه الحضارية والتاريخية .
تحقيق وتصوير: عصام البستاني

