ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: إنهم يحاربون الفقراء

بقلم الرصاص: إنهم يحاربون الفقراء
كتب نصري الصايغ
1 - الموت للفقراء
الفقراء يتزايدون، و"المجتمع الدولي" مشغول بوضع الخطط لمكافحة الفقر. ولذلك وكجاري عادته، رفع صوته عالياً وعقد عدداً من المؤتمرات، (وصولاً إلى قمة عالمية كلفت مئات ملايين الدولارات)، لدرء خطر الجوع. وكان من بين المدعوين رؤساء وحكومات وشركات ومؤسسات اقليمية ومحلية، مسؤولة مباشرة عن تفشي المجاعات في العالم.
"المجتمع الدولي" يعالج الفقر بالصوت العالي، ثم يعقد اجتماعات ويضع خططاً ويكلف مؤسسات ويدفع ما يجمعه من مال لمن يقوم بمكافحة الفقر كلامياً أو بالحبر الأزرق على الورق الأبيض.
الفقراء يغطون في مجاعة متنامية.. كانـت الأمم المتحدة قد قررت عبر مؤسساتها مكافحة الفقر، ووضع خطط لخفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف في العام 2015.
وبالفعل جاءت النتائج الدولية متوافقة عكسياً، حيث أضيف إلى فقراء العالم عدد 40 مليونا في الأسابيع الفائتة، اضافة الى ارتفاع منسوب الوفيات، بحيث تعدى عدد "قتلى الجوع والمرض" من الأطفال رقم قتيل كل ثلاث ثوانٍٍ.
وبالفعل جاءت نتائج حملة مكافحة الفقر بعد انهيارات المؤسسات المالية الناهبة للأموال، والمراهنة على جنون الربح والقنص، مطابقة لما كان متوقعاً، حيث زاد عدد الجائعين، وازداد عدد العاطلين عدد من العمل بشكل مخيف.
إنه نظام العولمة.. بل إنه نظام العولمة القاتلة، ونظام الاقتصاد المبني على عقيدة مافيوزية لا تتورع أمام الربح من دس الرخيص في النفيس، وتزوير الحياة "برشتات" الموت.
2 - شهادات
إبان زيارتي الأخيرة الى باريس لحضور مهرجان "سينما الواقع" ومشاركتي في تقديم فيلم "هيدا لبنان"، (وهو بالمناسبة فيلم عميق وجدي للمخرجة إليان الراهب)، حضرت حفل افتتاح ضخما جداً، تألقت فيه الأضواء والمجوهرات والثياب و.. الى آخره، وبين كلام عادي وآخر أقل من عادي وآخر دعائي، وقف ممثل بريطاني بقامته الفارعة ليطالب وزيرة حقوق الإنسان الفرنسية والحاضرة في الصفوف الأمامية، بتذكير الرئيس الفرنسي ساركوزي بواجب الوفاء لتوقيع رئيس فرنسا السابق جاك شيراك القاضي بمنح الدول الجائعة والفقيرة مبلغ مليار ونصف مليار يورو.
طالبها بوقاحة رائعة، ثم نظر الى جمهور المتخمين (أي نحن) وقال: فيما نحن اليوم نسهر في باريس، هناك مئات الملايين قد ناموا بالأمس جائعين، وهم اليوم سينامون جائعين، وغداً سينامون جائعين. ولن تشعروا بجوعهم إلا في اللحظة التي يكونون فيها قد ماتوا.
صفقنا، وقفنا، رحبنا.. ثم مات عشرات الملايين جوعاً.
وإبان زيارة قام بها جان زيغلر مندوب المنظمة الدولية الى النيجر التقى فيها أحد مخرجي السينما الغربيين، وفي جلسة على شرفة الفندق تحدثا عن أمور كثيرة، وفاجأ زيغلر المخرج السينمائي بقوله: "هل تعرف أننا نعيش الهولوكوست مرة أخرى بطريقة غير معلنة"؟ فوجئ المخرج ولم يفهم، ولما أخبره كيف يصار الى خصخصة قطاعات اقتصادية في العالم الثالث، والخصخصة نهب شرعي، ويُقذف بالفقراء الى العدم، استفظع السينمائي الأرقام.
وبالمناسبة جان زيغلر هذا سويسري، ومؤلف عدد من الكتب التي منها "المتوحشون الجدد". وهو كان قد أعد تقريراً عن الفقر في  غزة، فنال من جراء صراحته وعلميته عقوبة، فكانت جائزة تعلق على صدره.
كذابون.. إنهم لا يحاربون الفقر، بل يحاربون الفقراء ومن يقف الى جانبهم.
3 - رغيف غزة
العالم مشغول بخسائر البورصة، بسقوط الأسهم، بسعر الدولار، بالقمم المستعجلة لوقف الانهيار، بالأموال "العربية" المفقودة في حثالات الاقتصاد العالمي.
العالم مشغول بانهيار أسعار النفط، والاعلام مصر على توزيع القلق على المشاهدين، والتحذير من مخاطر الأزمة.
العالم مشغول بأرقام آلاف المليارات و..
ونحن.. ما علاقتنا بذلك؟
غزة محاصرة ولا يصلها طحين أو خبز أو نفط أو دواء.
غزة سجينة دولية،
غزة منسية عربية،
غزة لا أحد معها غير حفنة من إيمان وحفنات من قبضات أسيرة.
وما همنا أن سقط النظام المالي العالمي.
فليسقط..
الفوضى أحياناً أكثر رحمة من النوم جوعاً.
الانتقاد/ العدد 1309 ـ 24 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008-10-24