ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: مصر والدور الإقليمي الجديد في الساحة اللبنانية

كتب ابراهيم صالح
ليست المرة الأولى التي تفتح فيها القاهرة الرسمية أبوابها أمام مسؤولين وسياسيين لبنانيين، كما ليست هي المرة الأولى التي تبدي فيها القيادة المصرية اهتماماً بمسار الأوضاع في الساحة اللبنانية.
لكن الأمر كله اتخذ في الأشهر الثلاثة الماضية بُعداً مختلفاً ومميزاً في آن، وهو يعكس بشكل أو بآخر، مدى تفاعل البعد الداخلي اللبناني بالبعد الإقليمي، خصوصاً في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة وما أعقب ذلك من تغيير جذري في موازين القوى الداخلية وفي مسار اللعبة السياسية على المسرح اللبناني.
في الشكل تحرص القاهرة على الظهور بمظهر الراغب في الانفتاح على كل القوى اللبنانية، بشقيها المعارض والموالي، ولكن في المضمون ثمة بعد آخر خفي، يتأتى من أن القاهرة رسمت لنفسها دوراً جديداً بالتعامل مع الملف اللبناني مع قضايا المنطقة عموماً.
لا يبدو أن مصر تطمح للعودة إلى الدور الواسع والوازن الذي تمتعت به إبان الحقبة الناصرية، ولا وضعها الحالي يبيح لها، أن تصير محور اللعبة وقطب الرحى في الوضع السياسي اللبناني، ولا هي بالتالي عازمة على "الانسحاب" من دور محدد لها على الساحة اللبنانية.
بيد أن المراقب للسلوك المصري حيال لبنان وبالتحديد منذ أن وصل وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط إلى بيروت قبل شهر ونيف، يكتشف الآتي:
1 ـ إن مصر أكثر من سواها من دول عربية تعد نفسها معنية بالشأن اللبناني، مقتنعة بأن ثمة تحولاً أكيداً في المشهد السياسي اللبناني، بعد أحداث 7 أيار الماضي، وهو لمصلحة قوى المعارضة، وليس في مصلحة قوى 14 شباط.
2 ـ إن مصر الأكثر هدوءاً في التعاطي مع تفاصيل الملف اللبناني، خلافاً للتوتر الحاصل لدى بعض العواصم العربية، على يقين من أن لا مجال لإرجاع عجلة الأمور اللبنانية إلى ما قبل اتفاق الدوحة.
3 ـ إن التوجه المصري المضمر الحالي حيال لبنان يقوم على رؤيتين، الأولى أنه بعد سقوط مشروع قوى 14 شباط، ثمة منطقة فراغ في الساحة اللبنانية، والثانية أن ثمة انكفاءً سعودياً، من الساحة اللبنانية بفعل هذا السقوط المدوي، أو على الأقل لم يعد بمقدور الرياض أن تلعب الدور الذي كانت تحاول أن تلعبه في السابق، فهي صارت بشكل أو بآخر طرفاً شديد الانحياز.
وعليه فإن مصر تسعى من خلال هذه الحركة السياسية اللافتة تجاه لبنان لبلوغ الغايات الآتية:
ـ أن تكون حاضرة في الساحة اللبنانية لتعوض إلى حد ما عن "الانكفاء" السعودي، ولتملأ حيزاً مما تعتقده فراغاً، ولكي تمنع على قوى وعواصم أخرى "الاستفادة" والمسارعة إلى ملأ كل الفراغ.
ـ في موازاة هذا النشاط تجاه الملف اللبناني، هناك نشاط آخر مماثل حيال الملف الفلسطيني يتمثل في الجهد الذي تبذله القيادة المصرية لإتمام مصالحة بين القوى الفلسطينية.
وفي كلتا الحالتين مصر تحاول "استعادة" "ملك" سياسي تدرك تمام الإدراك أنه يبقيها في صدارة المعادلة، ولكنه لا يلغي احتمال أن لا يصل إلى نتيجة حاسمة أو معادلة ثابتة لأسباب وعوامل متعددة.
وبالعودة إلى العلاقة المصرية بالملف اللبناني وخصوصاً حركة الاستقبالات اللافتة، فإن القاهرة التي شاءت أن تكون عودتها إلى الملف اللبناني من أبواب جديدة أقرب إلى الحياد منها إلى الانحياز، قد خطت خطوة بالاتجاه المعاكس باستقبالها لقائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
وهي بدت أنها تسعى جاهدة "لإسناد" قوى 14 شباط التي باتت تشكو غياب الدعم ويشكو رمزها المسيحي جعجع ظاهرة الإهمال والعزلة، ما بدد بحسب بعض المراقبين صورة الحياد التي حاولت الدخول إلى منطقتها في الآونة الأخيرة.
الحركة المصرية تجاه لبنان تتقاطع مع الحركتين الاميركية والسعودية، والغاية تكاد تكون واحدة: وهي إبلاغ الفريق الشباطي أنه لم يترك وحيداً لقدره برغم ما نزل به وبمشروعه من خسائر، وأن عليه أن يصمد ويتماسك بانتظار الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، التي رُصد لها مبالغ مالية ضخمة لكي تؤمّن عودة الأكثرية بأكثريتها إلى مجلس النواب.
وفي انتظار ذلك يبدو مطلوباً من هذا الفريق الشباطي أن يؤجل المصالحات، ويبدو مطلوباً من الرئيس فؤاد السنيورة أن يعود إلى دوره المناكف والمثير للسجال والجدل، لذا كانت عملية "تعدّيه" غير المبرر على انتصار المقاومة المبين في حرب تموز.
الانتقاد/ العدد 1309 ـ 24 تشرين الاول/ أكتوبر 2008
ليست المرة الأولى التي تفتح فيها القاهرة الرسمية أبوابها أمام مسؤولين وسياسيين لبنانيين، كما ليست هي المرة الأولى التي تبدي فيها القيادة المصرية اهتماماً بمسار الأوضاع في الساحة اللبنانية.
لكن الأمر كله اتخذ في الأشهر الثلاثة الماضية بُعداً مختلفاً ومميزاً في آن، وهو يعكس بشكل أو بآخر، مدى تفاعل البعد الداخلي اللبناني بالبعد الإقليمي، خصوصاً في مرحلة ما بعد اتفاق الدوحة وما أعقب ذلك من تغيير جذري في موازين القوى الداخلية وفي مسار اللعبة السياسية على المسرح اللبناني.
في الشكل تحرص القاهرة على الظهور بمظهر الراغب في الانفتاح على كل القوى اللبنانية، بشقيها المعارض والموالي، ولكن في المضمون ثمة بعد آخر خفي، يتأتى من أن القاهرة رسمت لنفسها دوراً جديداً بالتعامل مع الملف اللبناني مع قضايا المنطقة عموماً.
لا يبدو أن مصر تطمح للعودة إلى الدور الواسع والوازن الذي تمتعت به إبان الحقبة الناصرية، ولا وضعها الحالي يبيح لها، أن تصير محور اللعبة وقطب الرحى في الوضع السياسي اللبناني، ولا هي بالتالي عازمة على "الانسحاب" من دور محدد لها على الساحة اللبنانية.
بيد أن المراقب للسلوك المصري حيال لبنان وبالتحديد منذ أن وصل وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط إلى بيروت قبل شهر ونيف، يكتشف الآتي:
1 ـ إن مصر أكثر من سواها من دول عربية تعد نفسها معنية بالشأن اللبناني، مقتنعة بأن ثمة تحولاً أكيداً في المشهد السياسي اللبناني، بعد أحداث 7 أيار الماضي، وهو لمصلحة قوى المعارضة، وليس في مصلحة قوى 14 شباط.
2 ـ إن مصر الأكثر هدوءاً في التعاطي مع تفاصيل الملف اللبناني، خلافاً للتوتر الحاصل لدى بعض العواصم العربية، على يقين من أن لا مجال لإرجاع عجلة الأمور اللبنانية إلى ما قبل اتفاق الدوحة.
3 ـ إن التوجه المصري المضمر الحالي حيال لبنان يقوم على رؤيتين، الأولى أنه بعد سقوط مشروع قوى 14 شباط، ثمة منطقة فراغ في الساحة اللبنانية، والثانية أن ثمة انكفاءً سعودياً، من الساحة اللبنانية بفعل هذا السقوط المدوي، أو على الأقل لم يعد بمقدور الرياض أن تلعب الدور الذي كانت تحاول أن تلعبه في السابق، فهي صارت بشكل أو بآخر طرفاً شديد الانحياز.
وعليه فإن مصر تسعى من خلال هذه الحركة السياسية اللافتة تجاه لبنان لبلوغ الغايات الآتية:
ـ أن تكون حاضرة في الساحة اللبنانية لتعوض إلى حد ما عن "الانكفاء" السعودي، ولتملأ حيزاً مما تعتقده فراغاً، ولكي تمنع على قوى وعواصم أخرى "الاستفادة" والمسارعة إلى ملأ كل الفراغ.
ـ في موازاة هذا النشاط تجاه الملف اللبناني، هناك نشاط آخر مماثل حيال الملف الفلسطيني يتمثل في الجهد الذي تبذله القيادة المصرية لإتمام مصالحة بين القوى الفلسطينية.
وفي كلتا الحالتين مصر تحاول "استعادة" "ملك" سياسي تدرك تمام الإدراك أنه يبقيها في صدارة المعادلة، ولكنه لا يلغي احتمال أن لا يصل إلى نتيجة حاسمة أو معادلة ثابتة لأسباب وعوامل متعددة.
وبالعودة إلى العلاقة المصرية بالملف اللبناني وخصوصاً حركة الاستقبالات اللافتة، فإن القاهرة التي شاءت أن تكون عودتها إلى الملف اللبناني من أبواب جديدة أقرب إلى الحياد منها إلى الانحياز، قد خطت خطوة بالاتجاه المعاكس باستقبالها لقائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
وهي بدت أنها تسعى جاهدة "لإسناد" قوى 14 شباط التي باتت تشكو غياب الدعم ويشكو رمزها المسيحي جعجع ظاهرة الإهمال والعزلة، ما بدد بحسب بعض المراقبين صورة الحياد التي حاولت الدخول إلى منطقتها في الآونة الأخيرة.
الحركة المصرية تجاه لبنان تتقاطع مع الحركتين الاميركية والسعودية، والغاية تكاد تكون واحدة: وهي إبلاغ الفريق الشباطي أنه لم يترك وحيداً لقدره برغم ما نزل به وبمشروعه من خسائر، وأن عليه أن يصمد ويتماسك بانتظار الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، التي رُصد لها مبالغ مالية ضخمة لكي تؤمّن عودة الأكثرية بأكثريتها إلى مجلس النواب.
وفي انتظار ذلك يبدو مطلوباً من هذا الفريق الشباطي أن يؤجل المصالحات، ويبدو مطلوباً من الرئيس فؤاد السنيورة أن يعود إلى دوره المناكف والمثير للسجال والجدل، لذا كانت عملية "تعدّيه" غير المبرر على انتصار المقاومة المبين في حرب تموز.
الانتقاد/ العدد 1309 ـ 24 تشرين الاول/ أكتوبر 2008