ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: اللهم لطفك

على العهد: اللهم لطفك
كتب إبراهيم الموسوي
لم يكن ينقص بلد الطوائف والطائفية إلا طوفان الأمس الذي أحدثته الأمطار حتى يطوف. البلد كله كان طايفاً بالأمس، ويبدو أن حكاية لبنان مع هذا الاسم ستصبح من الميثولوجيات المؤسسة للكيان الأسطوري اللبناني الحديث، كأنه القدر اللبناني مع اشتقاقات هذه المفردة وألفاظها المتعددة، طائفية وطوائف وطائف وطوفان وتطييف وطواف من دون حج طبعاً وصولاً إلى التطييف والتطفيف.
كاد أحد الوزراء المعنيين أن يستقيل قائلاً إن استقالته موضع بحث وهي مطروحة بقوة، وانهزمت الحكومة بمؤسساتها أمام المتنفذين والمتعهدين والفاسدين والمفسدين والمتأخرين. كان البلد كله، بأهله أجمعين، محصورين في أربعة أو خمسة شوارع تؤدي إلى مداخل العاصمة، وهم أمضوا ساعات طويلة قبل أن تأتيهم النجدة، تأخرت كثيراً النجدة، وكان بإمكانها أن توفّر على نفسها عناء القدوم لو كان هناك أدنى رقيب أو حسيب أو مدقق بحسابات أصحاب الورش والمتعهدين والسماسرة، بلد يحكمه متعهدون وسماسرة لا ينتج عملاً، ولا يكون بلداً في الأساس.
لم تستفق الدولة بمؤسساتها حتى الآن، هناك شبه استفاقة ومتأخرة أيضاً، لم تعد تنفع مطالبة المتعهدين بتقديم كشف حساب ومحاسبتهم، فقد قامت أمطار الأمس بالوظيفة على أحسن ما يرام، وكشفت معها عورات النظام اللبناني برمته!
كانت دنيا لبنان مشغولة بالسياسة، وستبقى كذلك، قضايا سياسية كبيرة، قضايا صغيرة، وكلها من اشتقاقات واحدة أيضاً، يا للمفارقة العجيبة، وكم كنا نتمنى أن تصب في المصلحة اللبنانية الواحدة، مصالح سياسية، ومصالحات بينية، صلاحيات دستورية وتعديلات مطلوبة، حبذا لو كانت تؤدي إلى تحقيق العدالة.
زيارات لوفود أجنبية يقال إن هدفها التسليح دون التصليح، ولكن جل ما حصلنا عليه هو تصاريح، تصريح من هنا وتصريح من هناك، وتعليق من هنا، وتعليق آخر من هناك.
النواب والوزراء والفعاليات السياسية مشغولون جميعاً بتحضيرات حامية ومتسارعة لها عنوان واحد، الانتخابات النيابية المقبلة، لذلك فهم مصرون على الظهور في الإعلام كيفما كان، ليدلوا بتصريحات كيفما كان أيضاً، مضحكة مبكية في آن معاً.
بلد غارق حتى أذنيه في الديون، يعاني من اختلالات بنيوية واعتلالات حقيقية، في الأمن والسياسة والاقتصاد، وبعض قادته مشغول عن ذلك كله، في احتساب المكاسب والحصص والمناصب.
آن الأوان لهؤلاء أن يدركوا أن الوقت لم يعد في مصلحة أحد، وأن المطلوب أن يبقى بلد حتى يستطيعوا توزيع ما يتعاطون معه على أنه أسلاب ومغانم.
ثمة سؤال متجدد بقوة هذه المرة، عن القيمة الأخلاقية المفتقدة والشعور بالمسؤولية، وفضلاً عن تحديد المسؤولية وتحميلها والمحاسبة على أساسها، هل ثمة مجال لمثل هذه الممارسات القانونية الحقة في لبنان، أم أننا سنظل أسرى الانشائيات والمبالغات والتوصيف العقيم الذي لا يقدم ولا يؤخّر.
سؤال نضعه برسم المسؤولين وأصحاب الحل والربط الذين لا نراهم يتحركون إلا في المناسبات الاستعراضية والفرقعات الاعلانية، وهم يقلقون أسماعنا بالحديث عن وطن النجوم، حدّقوا قليلاً هنا في الطوفان الذي ابتلع المؤسسات بدل أن تنظروا إلى البعيد، أو إلى السماء لتتغنوا بنجومها، حتى النجوم لم تعد ترى في لبنان بسبب التلوث، واللبنانيون لا يرونها إلا في الظهر، اللهم لطفك!
الانتقاد/ العدد 1309 ـ 24 تشرين الاول/ أكتوبر 2008
2008-10-24