ارشيف من :آراء وتحليلات

فاصلة: الانتخابات الداخلية في التيار الوطني الحر: قراءة تقييمية

فاصلة: الانتخابات الداخلية في التيار الوطني الحر: قراءة تقييمية
كتبت ليلى نقولا الرحباني
شهد لبنان في نهاية الاسبوع المنصرم تجربة ديمقراطية حزبية، عكست نوعاً من التغيير ـ المطلوب تطويره ـ في الحياة الحزبية اللبنانية. فقد قام التيار الوطني الحر بانتخابات داخلية على مستوى الهيئات المحلية في كل لبنان، وهو أمر يتيح المجال أمام الباحثين ويحفزهم لدراسة هذه التجربة الديمقراطية، ويغريهم لتقييم نتائجها على التجربة الحزبية في لبنان ككل، وهذا ما سنقوم به:
اولاً: عند تقييم التجربة الحزبية السابقة في لبنان، اعتبر الباحثون ان عدم الديمقراطية في الاحزاب اللبنانية هي "معطى ثابت" بسبب طبيعة المجتمع اللبناني وعقلية الفرد اللبناني التي هي أقرب الى الفكر العشائري منه الى الفكر الحزبي المؤسساتي. وتُعطي أمثلة على هذه العقلية، فيقال ان مصطلحات "الشمعونية" بدل حزب الوطنيين الاحرار، و"الحريريون" بدل تيار المستقبل، و"العونيون" بدل التيار الوطني الحر"، كلها مصطلحات تدل على الشخصانية في العمل الحزبي.
 من هنا تأتي الانتخابات الداخلية في التيار الوطني الحر لترسي مفهوماً جديداً يغلّب طابع المؤسسة على الأفراد، ويؤسس لمرحلة جديدة من العمل الحزبي، تقوم على تداول السلطة عبر الانتخابات، وهذا أمر مطلوب بشدة في لبنان.
ثانياً: لقد أثبت العلم الحديث ان اي ديمقراطية منشودة في بلد ما لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تقوم دون قيام تجربة حزبية صحيحة وقيام أحزاب وطنية. من هنا يعتبر الباحثون أن الوصول الى ديمقراطية لبنانية حقة غير ممكن من دون الحديث عن اصلاح الحياة الحزبية اللبنانية التي يجب ان تركز ـ بالضرورة ـ على تغيير الصيغ الحزبية الطائفية بكل أبعادها، والقيام بمسيرة نضالية جديدة هدفها تحرير الاحزاب من الطائفية والإقطاعية والزبائنية والمحسوبية، والخروج بالمحازبين والمواطنين اللبنانيين من نفسية "الزلم" الى ذهنية الإنسان الحر.
كل هذه الاهداف الحزبية لا يمكن تحقيقها الا عبر إضعاف المركزية المشددة باعتماد مبدأ الديمقراطية الشعبية الداخلية الموسعة داخل الاحزاب ـ التي قام بها التيار ـ وإحلال مبدأ "الالتزام" بدل "الطاعة"، لأن الالتزام ينطلق من الاقتناع والإحساس بالحق وبعدالة القضية، بعكس الطاعة التي تعطل العقل وتمنع تطور الحس النقدي ولا تتيح المجال للتفكير.
ثالثاً: راجت شائعات كثيرة عبر الإعلام الموالي عن تطاحن على المناصب والنفوذ في التيار الوطني الحر، وعن انشقاقات بين أهل التيار بسبب ـ ما زعموه ـ من ان كوادر التيار مستاؤون من عدم وصولهم الى المناصب القيادية واحتكار هذه المناصب من قبل بعض المحسوبين على هذا او ذاك من الرموز، وكتبت مقالات ومطولات عن تأجيل الانتخابات الداخلية في التيار، وعُزيت أسبابها لمؤامرات وظروف مفتعلة، وإلى ما هنالك من امور أظهرت الانتخابات الداخلية التي جرت في التيار بهدوء وديمقراطية، انها فبركات اعلامية من مخيلة كاتبيها، ولم تكن مبنية على أساس.
رابعاً: كان لافتا الهدوء الذي ساد العملية الانتخابية الداخلية على الصعيد الحزبي الداخلي، فلا حماوة انتخابية استثنائية ولا معارك ضارية، اضافة الى الهدوء على الصعيد السياسي.
اما الهدوء الداخلي فمرده الى "التزكية" التي حصلت في كثير من الاماكن، والتي أظهرت "زهداً" في المناصب وليس العكس، وهذا مؤشر مهم يعكس  روح المسؤولية العالية لدى كوادر التيار الوطني الحر على أبواب انتخابات نيابية قادمة.
لكن المطّلع على تاريخ التيار الوطني الحر لا يستغرب هذا الهدوء، بل هو متوقع، لأن المنضوين تحت لواء التيار منذ مرحلة النضال السلمي لم يدخلوا ليحصلوا على شيء، بل ليقدموا للوطن والقضية، وكان حلمهم الوحيد "التغيير".
أما الهدوء السياسي وعدم استثمار الحدث فليس غريبا أيضاً، فناشطو التيار معتادو القيام بالمهمات بهدوء وصمت، فلا ادعاء بطولات وهمية، ولا سرقة انتصارات الآخرين وجهدهم وتعبهم، و"لا تربيح جميلة".
الهدوء والصمت والتضحية أمر اعتاده ناشطو التيار، ولا يستطيعون الخروج منه، فـ"الطبع يغلب التطبع"، وبصمات التضحية طبعت حياتهم  ومسيرتهم النضالية، لا بل انها معايير كانت ضرورية جداً لنجاح النضال الذي يقومون به.
انه هذا الصمت والهدوء والتمرس بالتضحية من أجل الصالح العام، هو الذي سمح للآخرين ممن استفاقوا على الحرية والسيادة متأخرين، ان يسرقوا شعارات التيار وأدبياته وأغانيه وهتافاته، وأن يحاولوا طمس تعب المناضلين ونضالهم وسهرهم الليالي، وأن يحطموا آمال التغيير ويسرقوا الحلم بالحرية والسيادة والاستقلال الحقيقيين.
الانتقاد/ العدد1310 ـ 28 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008-10-28