ارشيف من :آراء وتحليلات

مواقف بقايا مسيحيي 14 آذار من المقاومة والقرار 1559: لماذا الإصرار على موجبات الفتنة؟

مواقف بقايا مسيحيي 14 آذار من المقاومة والقرار 1559: لماذا الإصرار على موجبات الفتنة؟
مصطفى الحاج علي
" الكتائب اللبنانية" تصر على إبقاء معركتها مع البيان الوزاري لحكومة تشارك فيها، ومن مدخل البند السادس فيه، مفتوحة وهي اليوم تحاول أن تعطي لمعركتها هذه أبعاداً دستورية بالرغم من قناعتها الضمنية أن هذه المعركة خاسرة سلفاً دستورياً وسياسياً، فلا المجلس الدستوري هو الجهة المخولة للنظر في طعن كهذا، وليس لدى الكتائب من القدرة السياسية ما يسمح لها بعكس عقارب الساعة الى الوراء لا سيما لجهة ضرب الإجماع النيابي على البيان الوزاري، الأمر الذي يطرح سؤالاً، هو: لماذا ـ إذاً ـ هذا الإصرار من قبل آل الجميل على التصويت على المقاومة من خلال التصويب على البند السادس من البيان الوزاري، وكيف تفسر هذه الخطوة الغريبة والمفاجئة الذاهبة الى الطعن بهذا البند أمام المجلس الدستوري؟
الجواب عن هذين السؤالين ليس بالأمر الصعب:
أولاً: من المعروف، أن كتائب الجميل تعيش أزمة موقع ودور، وأزمة تمثيل منذ مدة، فالجميل يلتفت الى يمينه فيجد القوات اللبنانية حليفته اللدودة، ويدرك الجميل أن القوات تعمل جاهدة على استمالة ما تبقى من قواعد شعبية للكتائب، وهو يلتفت يساراً، فيجد التيار الوطني الحر بكل حضوره الواسع مسيحياً، وقامته التمثيلية الشامخة، وموقعه ودوره البالغي التأثير، ويلتفت أمامه ووراءه فيجد بقايا قرنة شهوان والأمانة العامة للرابع عشر من آذار التي يتنازع معها فتات الموازنة المصروفة لها من السفارة الاميركية، والتي بلغت مؤخراً وبعد وساطة من جيفري فيلتمان الـ 500 ألف دولار اميركي.
هذه الاعتبارات تحوّل رفع الصوت عالياً الى حاجة نفسية ـ سياسية، الهدف منها القول بأننا ما زلنا موجودين، ولدينا دور نؤديه، على طريقة من يقرص نفسه ليتأكد من أنه ما زال موجوداً، وأنه حي يرزق.
ثانياً: ما يهم الجميل هو الخارج، وبالتالي فهو يبعث برسالة الى العناوين المعنية اميركياً وأوروبياً ليقول لها، إنها بإمكانها الاعتماد عليه في معاركها مع حزب الله، وبالتالي، ليس عليها إلا تقديم الدعم اللازم له.
ثالثاً: الجميل ومن يقف في صفه إنما يريدون من مواقفهم التنغيص على اللبنانيين وفاقهم من جهة، والتنغيص على منطق الوفاق والمشاركة وأهله الذين فازوا في معركتهم هذه.
رابعاً: الجميل ومن يقف في صفه يريد التأكيد بأن البيان الوزاري لم ينه معركة شرعية المقاومة لمصلحتها، وأن هذه المعركة لم تنته، وأنها ما زالت مفتوحة، لحسابات وعناوين معروفة، وبالتالي، هؤلاء يريدون التأكيد على استمرار الانقسام حولها خدمة لحسابات معروفة أيضاً.
خامساً: من يقرأ التبريرات التي قدم بها الجميل طعنه بالبند السادس يلحظ بسهولة أن الهدف من ورائها ليس الطعن بحد ذاته، لادراكه بأن لا سبيل دستوريا أو قانونيا الى ذلك، وإنما لخفض قوة ودرجة الشرعية التي يمنحها للمقاومة البيان الوزاري.
فعندما يقول الجميل ان للبيان الوزاري قوة القانون، سيعني رد الطعن عندها أنه لن يكون لهذا البيان هذه القوة، وبالتالي لا شرعية للمقاومة، لكن ما فات الجميل، أن إجماع ممثلي الشعب هو من يمنح البيان الوزاري الشرعية المطلوبة باعتباره هو المدخل لنيل الحكومة الثقة منه التي بدونها لا تكتسب أعمال الحكومة أية صفة شرعية، فعندما تتقدم الحكومة الى المجلس النيابي لنيل الثقة فهي تتقدم بناءً على بيانها الوزاري، وبالتالي، فالشرعية الممنوحة للبيان هي جزء لا يتجزأ من الشرعية الممنوحة للحكومة، ما يعني بدوره أن المجلس النيابي هو الجهة المخولة إسقاط هذه الشرعية عندما يسقط ثقته بالحكومة.
في نفس السياق، ثمة معركة مفتوحة حول القرار 1559، مع ملاحظة أن مدى المعركة هنا أوسع، فهو يتناول جملة أمور أساسية:
أولها سوريا ودورها في لبنان.
ثانيها المقاومة من خلال إصرار البعض داخلياً وخارجياً على تحوير معناها الى ميليشيا.
ثالثها الدور المشبوه لتيري رود لارسن.
وحتى نضع الإطار الواضح للمعركة مع هذا القرار، يكفي أن نتذكر هنا، أن الأزمة المستدامة في لبنان، بدأت مع هذا القرار، الذي شكل ورسم الأهداف الدولية لا سيما الاميركية والفرنسية والاسرائيلية في لبنان.
ولذا لم يخطئ وليد جنبلاط عندما وصف هذا القرار بالقرار الفتنة، محملاً إياه مسؤولية كل ما جرى في لبنان، من هنا، فالذين يطالبون باعتبار أن هذا القرار بات غير ذي جدوى، لا ينطلقون من فراغ، وإنما من خلال جملة وقائع أساسية:
أولاً: ان بنود هذا القرار منها ما نفذ فعلياً كالخروج السوري من لبنان، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ثانياً: ما لم ينفذ منه ثمة توافق داخلي على تحويله الى طاولة الحوار الوطني، وبالتالي، ثمة إصرار على تحويله الى قضايا شأن داخلي قطعاً لدابر التدخل الدولي في شؤون لبنان.
ثالثاً: ان كل الظروف الحالية التي يعيشها لبنان منافية تماماً للظروف وللاستهدافات التي أريدت من القرار 1559، وبالتالي، ثمة تناقض بين مناخ الفتنة ومناخ التوافق، وعليه، يجب الانتصار لمناخ التوافق لا لمناخ الفتنة.
رابعاً: واضح هنا أيضاً أن المستهدف هو التطور الايجابي في العلاقات مع سوريا، ويكفي هنا مراجعة مواقف كل من وزير الخارجية الفرنسي كوشنير، وموقف السفيرة الاميركية سيسون.
خلاصة القول، ثمة من يصر على إبقاء اللعبة مفتوحة في لبنان، وعدم إقفال كل منافذ الريح التي يمكن أن تهب عليه من الخارج، والتعامل مع الوضع الوفاقي الحالي وكأنه وضع موقّت، أملته ظروف قاهرة، وبالتالي المطلوب ادامة حالة النزاع لا تعطيلها نهائياً، رهاناً ربما من هؤلاء على حروب فعلية يمكن أن تحدث تغييراً يأملونه، بل إن ابقاء أبواب النزاع مشرعة قد يكون مطلوباً لتبرير حروب كهذه، أو لتسهيل مرورها من خلالها.
2009-12-29