ارشيف من :آراء وتحليلات

فتوى غب الطلب

فتوى غب الطلب
في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال الصهيوني حفر الأنفاق تحت أساسات المسجد الأقصى مهددة أركان هذا الصرح الحضاري والأثري والديني، وفي ظل استمرار حصار غزة التي تحولت إلى عنوان عزة وصمود الشعب الفلسطيني، تفاجأ العالم بفتوى شيخ الأزهر الدكتور سيد محمد طنطاوي التي تجيز بناء جدار فولاذي يخنق غزة ويضيق الحصار عليها.
وأثارت الفتوى التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ردود فعل شاجبة، فرأى عدد كبير من العلماء انها باطلة، معتبرين بناء الجدار عملا محرما شرعاً، متضامنين في ذلك مع رأي الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وما إن أصدر مجمع البحوث الإسلامية، الذي يعد أعلى مؤسسة دينية في مصر ويضم مشيخة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف وعددا من كبار العلماء، بياناً أيد فيه بناء الجدار، ووصف معارضيه بالمخالفين للشريعة الإسلامية، انتقدت جبهة علماء الأزهر هذا البيان، معتبرة أن بناء الجدار يعد جريمة للمشاركة في حصار القطاع، الذي تحاصره إسرائيل أصلاً.
وفي معرض التبرير قال المجمع إن من حق كل دولة أن تقيم على أرضها من المنشآت والسدود ما يصون أمنها وحدودها وحقوقها، ومن الحقوق الشرعية لمصر أن تضع الحواجز التي تمنع ضرر الأنفاق التي أقيمت تحت أرض رفح المصرية التي تهرب منها المخدرات وما شابهها ما يزعزع أمن مصر ويهدد مصالحها، مشيراً إلى أن هذا العمل الذي تقوم به مصر تأمر به شريعة الإسلام.
لكن الجبهة وصفت البيان بأنه فتوى "غير منزهة"، وقالت إنه "في الوقت الذي يأتي إلى غزة الرجال والنساء من فجاج الأرض -وللأسف من غير العرب والمسلمين- متألمين لها، ومتفجعين عليها ومتوجعين، يعلنون لأجلها الإضراب عن الطعام، مستصرخين لها، يخرج مجمع البحوث الإسلامية، بفتوى غير موفقة ولا مُنَزَّهةٍ تقول إن بناء الجدار الفولاذي على حدود مصر مع غزة حلال، وذلك بدلا من أن يلزموا الصمت الذي وإن كان في غير صالحهم".
ورأت الجبهة أن حصار غزة يعد تأكيداً لـ "سياسة الكافرين" التي رمت وترمي إلى أن أرض المسلمين ليست واحدة، معتبرة أن جريمة حصار غزة بهذا الجدار تؤدي للقتل المتحقق للمحاصرين مع وجود إرادة العمد فيه، وأن "المعين على القتل شريك القاتل".
والى ذلك اتهم أعضاء بمجمع البحوث شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بإصدار هذا البيان بقرار فردي، دون الرجوع إليهم.
وكان عدد من شيوخ وعلماء الأزهر أصدروا بيانا أدانوا فيه قرار الحكومة المصرية بإقامة الجدار بين رفح وقطاع غزة مؤكدين أنه "حرام شرعا وقانونيا وإنسانيا". وطالبوا قادة الدول العربية والإسلامية بالدعوة إلى مؤتمر عربي وإسلامي لاتخاذ موقف من الجدار الفولاذي، ومن أبرز العلماء الموقعين على البيان، النائب الشيخ السيد عسكر -الأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية- وعدد من أعضاء مجمع البحوث منهم الشيخ محمد الراوي والدكتور مصطفى الشكعة.
كما عارض عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الشيخ يوسف البدري، الفتوى، واصفا المضي في بناء الجدار بأنه حرام، وغير شرعي، لافتا إلى أن كل من شارك في بناء الجدار، سواء بالكلمة أو بالأمر أو بحمل الأحجار أو الرمال أو المجهود البدني آثم شرعا، وبرأيه سيتحمل العلماء الذين أفتوا بتحليله الوزر الأكبر.
وهنا يحق لكل عربي ومسلم ان يسأل هل هذا الجدار هو لحماية الأمن القومي المصري من الاحتلال الصهيوني الذي يحتل الأراضي العربية، أم أنه جدار يحول دون وصول الحليب والدواء للأطفال والمرضى المحاصرين في غزة منذ أربع سنوات؟ وأين كانت مشيخة الأزهر حين استفرد الاحتلال الصهيوني بأطفال ونساء غزة مرتكبا بحقهم أفظع المجازر وحشية، وأين كان شرعهم الحنيف في التصدي للظلم الصهيوني المتمادي بحق الفلسطينيين المظلومين.
فإذا كانت السيادة الوطنية التي يتذرع بها النظام المصري دفعته لبناء الجدار الفولاذي فلماذا الإمعان في إغلاق معبر رفح لأربع سنوات خلت عاش خلالها مليون ونصف مليون فلسطيني أسوأ الظروف فيما كانت تنتهك إسرائيل سيادة وتاريخ وهيبة مصر بقتلها الفلسطينيين وانتهاكها ارض رفح المصرية وقصفها للحدود، فضلا عن تهديدها في حال فتح معبر رفح.
وتبقى الإشكالية الكبرى المثارة من فتوى شيخ الأزهر التي جاءت غب الطلب، إذ مجرد ان سمح النظام المصري بمرور قافلة شريان الحياة عبر ميناء العريش اصدر الأزهر فتواه المناقضة لآراء العلماء.
علاء نصر الله
2010-01-06