ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: السيرة الذاتية

نقطة حبر: السيرة الذاتية
كتب حسن نعيم
ليس من المغالاة في شيء القول ان كتابة السيرة الذاتية هي من أكثر أنواع الكتابة الأدبية متعة وجاذبية للقارئ كما للكاتب. فالكتابة عن شخصية ما شكلت علامة فارقة في زمنها وتاريخها هي إطلالة على ذلك الزمن وذلك التاريخ من شرفة أخرى.
غير أن فن السيرة الشخصية ـ ونقول "فن" لأن هذه الكتابة استطاعت ان تتبوأ مكانها بين أنواع الفنون الأدبية ـ يناله ما ينال هذه الفنون من أسئلة وإشكاليات وخيارات. وأول هذه الخيارات التي تواجه كتّاب السيرة تفضي الى انتهاج أحد الطريقين التاليين: الأول أن يعمد الى كتابة السيرة الشخصية المفترضة كما هي دون زيادات،
والثاني يتدخل فيه الكاتب مسقطاً فهمه الخاص محاولاً صنع الشخصية التي يكتب عنها في الإطار الذي يرغب فيه.
وسواء أكان منحازاً للاتجاه الأول أم الثاني, فإنه سيصل الى مفترق آخر يحتّم عليه إما أن يكون في عداد الكتّاب الذين يسعون الى تهميش الفرد استناداً الى قاعدة أن الظروف هي التي تصنعهم أو تساعدهم على الأقل في الوصول الى ما وصلوا اليه, وإما أن يكون في الاتجاه الذي يمجد الفرد ويتعاطى معه كبطل يغير الظروف، بل ويصنعها. وإذا ما توكل الكاتب على الله واتخذ خياراً وانعطف باتجاهه مقتنعاً بأنه الأمثل لتقديم الشخصية المعنية, فإنه لن يسلم من عقبة كؤود تجبره على الاختيار بين أن يصور طبائع الشخصية من دون فضح أسرارها, فيقدم لقرّائه النموذج البطولي الذي رسموه في مخيلاتهم كرزمة من الايجابيات, وإما أن يضع الكاتب السيرة على المشرحة ويعمل مبضعه في تاريخه, متتبعاً بفضول الصحافي أدق تفاصيل خصوصياته وأسراره التي كان هو نفسه في حياته حريصاً على عدم ذيوعها وافتضاحها.
خيارات وبدائل عديدة بانتظار كتّاب السيرة العرب، ونقول العرب لأن كتّاب الغرب لا يجدون غضاضة في كتابة المسكوت عنه ونشره على للناس, بل ويفاخرون في جرأتهم على تناول بل وكسر التابهوات التقليدية، حتى لو كان يمسّ الضمير الخلقي للمجتمع ويخدش الحياء العام. أسئلة مبدئية ينبغي على الكاتب العربي أن يحسمها من البداية منطلقاً من دوره ومسؤوليته التوجيهية في بيئته ومجتمعه.
الانتقاد/ العدد1311 ـ 31 تشرين الاول/ اكتوبر 2008
2008-10-31