ارشيف من :أخبار لبنانية

ماكين في لبنان والمنطقة لماذا؟

ماكين في لبنان والمنطقة لماذا؟
كتب مصطفى الحاج علي

بدت زيارة وفد الكونغرس الاميركي الى بيروت منفلتة من أي سياق سياسي واضح، لدرجة أنها لم تستوقف كثيراً المهتمين بالشأنين الاعلامي والسياسي، بالرغم من أنها تأتي من ضمن جولة تشمل سبع دول في المنطقة منها الكيان الاسرائيلي.

يرأس الوفد السناتور جون ماكين وهو المرشح الجمهوري الذي نافس أوباما على رئاسة الجمهورية في الانتخابات الأخيرة، والمهم في شخصية ماكين هو قربه من الكيان الاسرائيلي، ودفاعه القوي عن مصالحه، وترؤسه الحالي لأحد أهم اللجان في الكونغرس وهي لجنة القوات المسلحة، إضافة الى عضويته في لجان أخرى.

لا يمكن التقليل من أهمية الحركة السياسية لأعضاء أساسيين في الكونغرس الاميركي، بالرغم من كونه مؤسسة تشريعية، ذلك أن الكونغرس هو أحد أهم المؤسسات التي تصنع فيها السياسات الاميركية نتيجة للتداخل القوي بين الحسابات الداخلية والحسابات الخارجية، التي لا يمكن لأي ادارة التفكيك بينها، ولا سيما أن بإمكان الكونغرس انتظار الادارة الاميركية على كوع تسهيل أو تعقيد العديد من البرامج أو القرارات أو المشاريع الاجتماعية والمالية والتعليمية داخلياً، إضافة الى وضع العقبات المتعلقة بتسيير أو تعقيد عمليات التمويل للكثير من السياسات الخارجية، هذا الى جانب عملية المراقبة والمحاسبة المألوفة، من هنا، كان دائماً الانسجام بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب والشيوخ مطلباً مهماً لأي ادارة اميركية تسهيلاً لأعمالها.

نقول هذا للتأكيد على أهمية الحراك السياسي للكونغرس، ولا سيما أنه ـ ظاهرياً على الأقل ـ لا يشكل الزاماً ما للادارة الاميركية، إلا أنه حراك يمكن البناء عليه والاستفادة منه، بدون مترتبات أو موجبات ما.

وهذا بدوره لا يعني ـ أو لا يجب أن يعني ـ أن حركة من هذا النوع لا تكون منسقة مع الادارة مسبقاً، أو هي منفصلة ومعزولة عنها بالمطلق، ولا سيما أننا إزاء حركة مفصل أساس من حركة مؤسسات نظام تعمل بشكل منسق ومتكامل.

هذا التقديم، يشكل الإطار الشامل الذي يجب الاطلالة منه لقراءة خلفيات جولة وفد الكونغرس الاميركي الى لبنان والمنطقة، ولاستكمال الإطار العام لهذه الزيارة لا بد من أخذ الملاحظات الرئيسية بعين الاعتبار.

أولاً: إن ماكين هو من قاد حملة توقيع 31 عضواً من أعضاء الكونغرس على وثيقة ركزت على مسألة سلاح المقاومة وضرورة نزعه، هذه الوثيقة التي استبقت زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى واشنطن، في محاولة لفرضها كبند أمر واقع على جدول أعمال الزيارة.

ثانياً: هناك حملة دولية ـ اقليمية انطلقت منذ أسابيع تحت عنوان ضرورة تنفيذ القرار 1701، هذه الحملة يجري تحويرها من وجهة الضغط على الكيان الاسرائيلي لوقف انتهاكاته للسيادة اللبنانية، الى وجهة الضغط على لبنان والمقاومة لنزع سلاح المقاومة، بمعنى، ثمة من يعمل على وضع المعادلة التالية: تنفيذ القرار 1701، والانتقال بلبنان من وضعية وقف اطلاق النار الى وضعية انهاء الأعمال الحربية، وبالتالي التنفيذ الكامل لهذا القرار، يقتضي وقف الخروق من الطرفين، وهنا، ثمة تدليس له أول وليس له آخر، والتدليس يتمثل بمحاولة المساواة بين حق طبيعي للشعوب والدول في التسلح دفاعاً عن نفسها، وعدوان يمارسه كيان يمتلك كل أنواع السلاح المدمر وغير المسموح به دولياً، ولا يكف عن التهديد به.

وفي هذا الإطار، يمكن وضع الحملة المنظمة التي يقودها الكيان الاسرائيلي، وبالتناغم مع بعض الأطراف الداخلية، لاستغلال أي حادثة في الجنوب اللبناني وتصويرها كخرق للقرار 1701.

ثالثاً: الجرعة الاضافية في هذا السياق تتمثل في التهويل بالحرب على لبنان من قبل الكيان الاسرائيلي، والتي يلاقيها بعض الأطراف في الداخل، وبحرص دؤوب على تأكيد أن لبنان مقبل على حرب واسعة ومدمرة خلال الأشهر المقبلة، وأن الوسيلة لمنع هذه الحرب هي في نزع سلاح المقاومة، أو احتواء هذا السلاح.

تتزامن هذه الحملة مع مساع لا تقف من قبل كل زائر الى لبنان تستهدف التأكد في ما اذا كان حزب الله سيقف على الحياد، أم سيشارك في أي حرب تشن على إيران.
رابعاً: مناخات التهويل لا تقف عند حدود لبنان، بل هي تتوسع لتشمل غزة مجدداً، وإيران بشكل رئيسي.

خامساً: التسوية أيضاً هي من عدة شغل ادارة أوباما الحالية خصوصاً على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، ومن دون اغفال للمسار الاسرائيلي ـ السوري.
في هذا الإطار، تندرج سياسة لمّ الشمل العربي التي تقودها الرياض اليوم، والأبعاد تتجاوز بكثير ما هو ظاهر.

سادساً: الوضع الذي بلغه فريق واشنطن في لبنان، لا سيما بقايا الرابع عشر من آذار، ومسيحييه تحديداً، وخصوصاً القوات اللبنانية التي تعاني المفاعيل السلبية المتراكمة لخروج جنبلاط، وإعادة تموضعه، والموجبات التي يفرضها الموقع الحالي للحريري، والتقارب السعودي ـ السوري.

خلاصة القول هنا، إذا كان خيار الحرب في المنطقة باتجاه ايران يعمل له جدياً، إلا أن هذا الخيار دونه صعوبات عديدة تحتاج الى حلول، منها ما يتصل بالاطمئنان الى الجبهات الأخرى التي توصف اميركياً بأنها ستكون أكثر أذية للكيان الاسرائيلي، وبالتالي المطلوب احتواء هذه الجبهات، وتكبيلها، حتى تصبح الخيارات الأخرى متاحة وأكثر سلاسة، وأقل كلفة بالمعنى السياسي للكلمة.

في هذا الإطار، تقع جولة ماكين في سياق الحراك الاميركي وغير الأميركي، الذي يستهدف الاطلاع عن كثب على فحص اتجاهات الأمور في لبنان في ما لو ذهبت الأمور نحو الحرب على إيرانز.

أكثر من ذلك، إن مجمل ما تقدم يقود الى استنتاج بأن ماكين جاء ليستخدم مجمل التهويل الاسرائيلي، والانقسام اللبناني، والحاجة المفرطة للبعض لتطبيق القرار 1701 كيفما كان وبدون تدقيق، ليقول إن ثمن ذلك كله وضع اليد على سلاح المقاومة وإلا.

لا نستطيع هنا، أن نغفل البعد المعنوي للزيارة والمتمثل بإعطاء بقايا الرابع عشر من آذار حقنا معنوية، وإبر تطمين بأن واشنطن ما زالت الى جانبهم، ويمكنهم الرهان عليها، فهل هناك في لبنان من لا يزال يمنّي النفس بتطمينات كهذه، يبدو الجواب: نعم، هناك قلة قليلة لأنها لا تستطيع إلا العيش على الأوهام، لأن الحقائق بالنسبة لها أصعب بكثير من أن تحمل نتائجها حتى الأخير.
2010-01-13