ارشيف من :أخبار لبنانية
عن الدونيّة اللبنانيّة إزاء رجال الأمن والاستخبارات

كتب إبراهيم الأمين
وصل إلى بيروت رئيس الاستخبارات العسكرية السورية اللواء آصف شكوت يرافقه مدير الاستخبارات في ريف دمشق وعلى الحدود مع لبنان اللواء رستم غزالة، والعميد جامع جامع المسؤول عن الأمن على الحدود مع العراق. وقد عقد الوفد السوري لقاءات مع قادة عسكريين وأمنيين لبنانيين، قبل أن يقوم بجولة على كبار المسؤولين من الرؤساء الثلاثة إلى الوزراء البارزين، والأقطاب والشخصيات السياسية والمرجعيات الدينية في البلاد. وقد نقل الوفد دعوات إلى عدد كبير من الشخصيات لزيارة دمشق، والتباحث مع المسؤولين هناك في مستقبل العلاقات الثنائية، وسبل توفير سوريا لكل أنواع الدعم لوحدة لبنان وأراضيه، وحماية الاتفاقات السياسية التي عُقدت بين الأفرقاء اللبنانيين، كما أبلغ الوفد وزير الدفاع وقيادة الجيش قرار القيادة السورية تزويد الجيش معدات وأدوات قتالية، إضافة إلى توفير دورات تدريب مختلفة.
هل خبر من هذا النوع كان سيمر في لبنان على خير. وهل كان قادة البلاد على اختلافهم يقبلون أن تعود سوريا إلى بناء علاقة مع لبنان من خلال ضباط استخبارات، ولو كان لهم موقعهم المؤثر، وحتى الحاسم في دائرة القرار السوري العليا. وماذا كان سيقول السياسيون والإعلاميون على حد سواء، حتى لو كان الوفد مرسلاً باسم الرئيس السوري بشار الأسد؟
بالطبع، سيخرج من بين قادة 14 آذار وكتبتهم من يدعو فوراً إلى التمييز بين سوريا وأي دولة أخرى في العالم، وسيقول هؤلاء إن سوريا بلد يحكمه نظام على خصومة مع نصف اللبنانيين، ومتّهم من جانب فريق منهم بأنه يقف خلف الاغتيالات السياسية، ووراء التوترات القائمة في لبنان، وبالتالي، فإنه لا يجوز مقارنة دور الاستخبارات السورية بدور أيّ استخبارات أخرى، سواء كانت عربية أو غربية، ومع ذلك فإن أصحاب هذا الرأي سيتجنّبون الإجابة عن السؤال الأهم: إذا كانت سوريا قد كلفت ضباطاً إدارة ملف لبنان (وهو أمر غير دقيق لأن عبد الحليم خدام عندما كان والياً على لبنان لم يكن برتبة عسكرية في أي يوم)، فما الذي يدفع دولة مثل مصر أو السعودية أو حتى الولايات المتحدة الأميركية إلى أن تكلّف ضباطاً ورجال أمن متابعة الملف اللبناني؟ هل لأن في هذه الدول من يرى أن اللبنانيين تعوّدوا دور رجال الأمن، وبالتالي، لا يمكن تغيير عاداتهم؟ أم أن هذه الدول لا ترى في سياسيّي لبنان من يستأهل تخصيص الحكومات والوزراء والنواب وقتهم لمتابعة أموره، أم لأن هذه الدول تتعامل مع لبنان على أنه ملف أمني، لا أكثر ولا أقل؟
هل يمكن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن يشرح لنا سبب انتظاره في القاهرة يوماً ونصف يوم ومن ثمّ يعتذر منه الرئيس حسني مبارك ويوفد إليه رئيس الاستخبارات اللواء عمر سليمان، ويبرّر له الأمر بوعكة صحية، سرعان ما زالت وتسنّى لرئيس مصر مقابلة وزير خارجية من دولة أخرى؟ هل لرئيس حكومتنا أن يشرح لنا سر قبوله علاقة مفتوحة ومفصّلة مع ضباط أمن ورجال استخبارات دون أن يكون في الأمر أيّ خلل؟ وهل الاستخبارات في مصر والسعودية أو في الولايات المتحدة تختلف في دورها وجهدها ومقاربتها للملفات عن الاستخبارات في دول أخرى من بينها سوريا؟
وإذا طُرح الأمر بصيغة معاكسة، فهل توجيه دعوات إلى قادة لبنانيّين لزيارة مصر ما كان ليجري من خلال سفير بارز، أو نائب لوزير خارجية أو مستشار في الرئاسة، ولا يصح إلّا من خلال جهاز الاستخبارات، وعلى مستوى نائب الرئيس أيضاً؟ وهل الولايات المتحدة الأميركية مضطرة إلى إرسال هذا القدر الكبير من الضباط ورجال الاستخبارات لكي تقول للجيش اللبناني إنها «غير قادرة الآن على تجهيزه بأسلحة دفاعية متطورة؟»، ألم يكن بمقدور المحروسة ميشال سيسون أن تقوم بالأمر مع قدر أكبر من الابتسامات البلهاء؟ أوليس في السعودية من يقدر على بتّ ملف غير رئيس الاستخبارات هناك مقرن بن عبد العزيز، أم صار وزير الخارجية سعود الفيصل مجرد ناطق باسم الحكومة الأمنية التي تطبّق على المملكة؟
كيف يمكن المرء أن يصدق استقلالية صحافة أو جرأة إعلاميين ودقتهم، وفي الوقت نفسه عليه أن يتعامل بصورة عادية مع وسائل إعلامية (تموّلها السعودية بالجملة والمفرق) تصمت فجأةً عن تبليغها الشرعي اليومي عن مخاطر أنظمة الأمن والاستخبارات؟ وكيف يمكن جمهوراً أن يقبل إدارته على ظهره ووجهه مرات عدة في اليوم نفسه وتأتي الأوامر على قلبه مثل العسل؟
إلا أن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن الأزمة في طريقة تعامل الخارج مع لبنان تنطلق من حقيقة أن في لبنان جسماً سياسياً يقبل هذه الدونية على اختلاف مصادرها، وأن في لبنان طبقة سياسية تعوّدت أن الأمن هو مصدر القرار، وأن كل السياسيين الآخرين يمثّلون صوت الصدى عمّا يقرر، ويبتّ في غرف الأمن المغلقة، وهذا ما يعيدنا إلى ملف العلاقة مع سوريا، إذ إن فريق 14 آذار لا مشكلة لديه في العلاقة مع النظام في سوريا، حتى لو كان يتّكل على الأمن والاستخبارات، بل إن المشكلة هي مع الفريق الذي يدير هذا النظام الآن، ولو أن عبد الحليم خدام عاد ليدير دمشق بمعاونة ضباط من هنا أو هناك، لسمعنا وقرأنا مواقف وكتابات من فريق 14 آذار تدعو إلى عدم الضغط على سوريا للتغيير لأن الأمور تحتاج إلى وقت!.
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية