ارشيف من :أخبار لبنانية

ما هي الأبعاد الحقيقية لإصرار العهد على تسليم المر وزارة الدفاع؟

ما هي الأبعاد الحقيقية لإصرار العهد على تسليم المر وزارة الدفاع؟

كتب إبراهيم صالح

ليست الأزمة الناشئة عن الاعتراض الذي تبديه قوى المعارضة على رغبة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وإصراره على إعادة تسليم الوزير في حكومة تصريف الأعمال الياس المر حقيبة وزارة الدفاع الوطني سوى الباب الذي يخفي وراءه كل تعقيدات الأزمة اللبنانية وتشابكاتها.

فالمعلوم أن المرّ الآتي إلى الوزارة والمجال السياسي من مصدرين، الأول أنه كان محسوباً على (حميه سابقاً)، الرئيس العماد إميل لحود، ومدرجاً في خانة الوزراء المعدودين من حصته، والثاني أنه ابن أبيه، الوزير السابق والنائب ميشال المر الداخل إلى عالم السياسة منذ عقد الستينات في القرن الماضي، نائباً عن منطقة المتن وثم وزيراً في أكثر من عهد ثم رئيساً لكتلة نيابية لم تتعدّ الأربعة نواب.

هذا المر، يفرض اليوم مجدداً نفسه عبر حصة رئيس الجمهورية، وهو أمر تبدي المعارضة اعتراضاً حوله، لاعتبارين، الأول أنه يتعين أن تكون حصة الرئيس الوزارية المتفق عليها في اتفاق الدوحة مؤلفة من ثلاثة وزراء يتصفون بصفة الحيادية، أو على الأقل لم يكونوا يوماً في عداد فريق سياسي معين، وهذه الصفة ينتفي وجودها في شخصية الياس المر لأنه خرج من الأساس على خط الرئيس لحود، الذي كانت علاقته به سبباً من أسباب توزيره، ولأنه انحاز إلى فريق 14 شباط ونهج الرئيس فؤاد السنيورة طوال الأعوام الثلاثة الماضية.

إلى جانب ذلك فالمعلوم أن الوزير المر كان وراء صياغة واقرار القرارين المشؤومين اللذين اتخذتهما حكومة السنيورة اللاشرعية في صبيحة السادس من أيار الماضي، وكان وراء انفجار الأحداث الأمنية والسياسية، فضلاً عن أنه كان واحداً من ثلاثة وزراء تحفظوا على قرار الحكومة التراجع عنهما تحت وطأة الضغط الشعبي وفي ظل العصيان المدني الذي جرى في بيروت، ولقد كان سجل الوزراء إبان تسلمه حقيبة الدفاع "حافلاً" بالكثير من الممارسات المنحازة.

أما الاعتراض الثاني من جانب المعارضة على اعادة تسليم المر حقيبة الدفاع فهو اعتراض مبدئي على مسألة تسليم الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية لحقيبة سيادية ثانية، فالمعلوم أن اتفاق الدوحة نص ضمناً على أن تكون وزارة الداخلية هي من حصة "كوتا" الرئيس الوزارية شرط أن يسمي لها وزيراً تقر المعارضة والموالاة على حد سواء يحياديته ونزاهته، أما مسألة تسلم وزير آخر محسوب على الرئيس وزارة سيادية وبالذات وزارة الدفاع فهو أمر "ابتدع" ابتداعاً بعد انتخابه، وكان واحداً من أسباب وعوامل اندلاع الأزمة الوزارية الحالية التي ساهمت في توتير الأوضاع سياسياً وبفتح الباب أمام التوترات الأمنية المتنقلة والتي كان آخرها أحداث طرابلس الدامية والمؤسفة.

والمفارقة أن هذه الحقيبة السيادية تسلم للوزير المر الذي لا يمتلك أية حيثية سياسية ولا يعطى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب العماد ميشال عون أية حقيبة مماثلة، علماً أنه رئيس لكتلة تضم 22 نائباً وتمثل كل طوائف المجتمع اللبناني ومذاهبه.

وعليه فإن السؤال الذي يطرح بإلحاح هو لماذا يصرّ الرئيس سليمان على توزير المر في حقيبة الدفاع بالذات، واستطراداً لماذا يرفض ابداء أية مرونة حيال هذا الأمر، خلال الاجتماع الذي عقده في مقر بعبدا مع العماد عون والذي كان حسب المراقبين فاشلاً، فيما تمنى المعدون له لو لم يتم لأن العلاقة بين الرجلين كانت قبله أفضل، وكانت مفتوحة على أفق أكثر حيوية وايجابية؟

وأكثر من ذلك فالسؤال التالي هو ما هو سر قوة آل المر ليصيروا معلماً من معالم السياسة في كل العهود.

كثيرة هي الاجابات عن هذا السؤال الذي يتوقف عليه مصير الحكومة واستطراداً مصير البلاد. في الظاهر "الحجة والذريعة" جاهزة لدى الرئيس ولدى الموالاة، فالأول يبلغ لمن يعنيهم الأمر أنه لا يريد أن  يبدو قراره ورغبته قد انكسرا في بداية عهده، وهو المحتاج لتقليعة قوية، ويريد أن تكون الوزارتان الأمنيتان في يده لكي يؤمن اندفاعة متينة لهذا العهد، وهذه الحجة تبدو ضعيفة وواهية عندما يتبدى أن "اصراره" على خطوة توزير المرّ، قد سبب نكسة لا يستهان بها لانطلاقة العهد خلافاً لكل العهود التي كان لها فرصة كبرى "وفترة سماح" وهي تمارس دورها في مطالع عهدها.

أما في الباطن فالتفسيرات والتحليلات حول مسألة تمسك سليمان بتوزير المر متعددة، فالتفسير الأول ينطلق من حديث عن علاقة ثقة بين الرجلين تأتت من تعاونهما معاً خلال الفترة الماضية، حيث كان الرئيس قائداً للجيش وكان الثاني وزيراً للدفاع الوطني.

أما التفسير الثاني فهو أن سليمان يعتبر أن للوزير المر ديناً "يطوق عنقه" يتأتى من أن الوزير المذكور كان واحداً من الذين "طبخوا" في عواصم خارجية وبالتحديد في واشنطن وعواصم عربية الطبخة التي بفضلها قطع الرئيس سليمان المسافة القصيرة التي تفصل بين مكتبه في اليرزة وقصر الرئاسة الأولى في بعبدا، وأن من شروط هذه الطبخة أن يكون المر "نجم" العهد على غرار تجربته وتجربة أبيه منذ مطالع عقد التسعينات.

وينهض التفسير الثالث على رواية سياسية محبكة شاعت وذاعت منذ أن سمي العماد سليمان رئيساً توافقياً، وفحوى هذه الرؤية أن قائد الجيش السابق اختير لمنصب الرئاسة الأولى بهدف مضمر هو أن يكون واحداً من عداد تركيبة سياسية ـ دينية ـ عسكرية غايتها الأولى منافسة العماد عون على زعامة الشارع المسيحي، خصوصاً في الانتخابات النيابية المقبلة، وغايتها القصوى وراثة جمهور هذه الزعامة اعتماداً على نظرية قديمة ـ متجددة جوهرها أن الجمهور المسيحي، هو بالعادة والمألوف، جمهور الرئاسة الأولى، واستطراداً جمهور المؤسسة العسكرية، وبالتالي إذا ما توافرت شروط لهذه الرئاسة ولهذه المؤسسة فبالإمكان استعادة هذا الجمهور "ونزعه" من أن يكون بغالبتيه جمهوراً "عونياً" كما هو الحال الآن، وبالتحديد منذ انتخابات عام 2005.

وليس من زمن بعيد حادثة "الصدام" الأول الذي وقع بين العماد سليمان إبان كان قائد الجيش وبين رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية عندما كشف سليمان طرحه عن رغبته بأن يبدأ عهده بكتلة نيابية ووزارية تضعه في وضع المتوازي سياسياً مع العماد عون، يومها رفض فرنجية بلسان المعارضة الوطنية رفضاً مطلقاً هذا الطرح وما يرتبط به، ويبدو جلياً  أن رفض المعارضة وممانعتها لهذا الأمر ما زال مستمراً حتى اليوم، انطلاقاً من إصرارها على رفض إعطاء المر حقيبة الدفاع، وإذا ما أعطيت له فينبغي ان يحسب من فريق الأكثرية، ومن خلال الاصرار على تسليم كتلة العماد عون وزارة سيادية.

ويقوم التفسير الرابع على خلفيات أخرى، إذ ثمة من يقول بصراحة ان الوزير المر هو جزء من "الكوتا" الاميركية في الحكومة، وان الإدارة الاميركية هي التي تفرض المر على العهد الجديد وفي هذه الوزارة بالذات انطلاقاً من رغبة صارت معروفة، وهي أن مؤسسة الجيش في العهد المقبل لن تكون في وضعها الحالي، أو في عقيدتها الحالية.

وفي كل الأحوال يبدو جلياً أن المعارضة تعمل على مواجهة مسألة توزير المر وإصرار الرئيس سليمان على هذا التوزير من خلال "خطة" من معالمها إفهام من يعنيهم الأمر أنها لن تتعامل بمرونة إطلاقاً مع مسألة توزير شخص عليه علامات استفهام وله صيغة واضحة، وبالتالي فهي قادرة على رسم خطوط  اعتراض وخطوط حمر.

الانتقاد/ العدد 1276 ـ 27 حزيران/ يونيو 2008

2008-06-26