ارشيف من :آراء وتحليلات

خاص "الانتقاد.نت": لمناسبة زيارة رئيسها بيروت: المحكمة الخاصة بلبنان وفأر السياسة

خاص "الانتقاد.نت": لمناسبة زيارة رئيسها بيروت: المحكمة الخاصة بلبنان وفأر السياسة
علي الموسوي - "الانتقاد.نت"

لا توحي تصرّفات المحكمة الخاصة بلبنان بالثقة، فكلّ ما يصدر عنها ينمّ عن أنّ فأر السياسة يلعب في قراراتها وخطواتها.

فلماذا يحضر رئيس المحكمة القاضي الإيطالي انطونيو كاسيزي إلى لبنان في شهر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولماذا لا تتمّ زيارته على سبيل المثال، في شهر آذار/مارس في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق هذه المحكمة من الناحية الإدارية فقط دون الجانب العملاني المهمّ، خصوصاً وأنّ المحاكم كلّها تقاس بأعمالها وأحكامها وقراراتها، لا بما تقدّمه على الصعيد الإداري غير المفيد إلاّ لمن يتولّون المسؤوليات في هذه المحاكم؟.

ولماذا لا تتمّ هذه الزيارة في نيسان/ابريل، أو أيّار/مايو، أو حزيران/يونيو، وقبل عطلة الصيف الحار، أم أنّ توقيتها الشباطي ملائم أكثر من سواه؟.

وماذا فعلت هذه المحكمة في السنة الأولى من ولادتها لكي يأتي رئيسها إلى بيروت، خطيباً ومحاضراً عن التحدّيات التي تواجهها؟ فلا القرار الاتهامي أو الظنّي صدر، ولا يوجد متهمّون فعليون، ولا مشتبه بهم، ولا موقوفون، وليس هنالك من أدلّة واضحة عن المجرم الحقيقي الذي لا يزال مختبئاً في سطر من أسرار الاستخبارات العالمية، فما هي هذه التحدّيات التي يراد تظهيرها وتصوير الأمر وكأنّ المحكمة في خطر وتشهد معوّقات لا حصر لها، وإنْ كان الأمر كذلك، فلماذا لا يفتّش عن حلول لها بدلاً من تصديرها بهذه الطريقة المعرقلة لعمل المحكمة نفسها؟.

فالمواطن اللبناني الذي يدفع من جيبه الخاص رسوماً وضرائب إضافية، لتأمين ميزانية المحكمة، يريد أن يعرف من قتل الحريري، لا أنّ المحكمة اشترت مستلزماتها وقرطاسيتها من المتجر الفلاني.

يريد أن يعرف من صمّم على قتل نموه وازدهاره ونهوضه من الحروب، وليس أنّ المحكمة وضعت بتصرّف اللبنانيين تذكارات وهدايا على شكل أقلام وقبّعات وأكواب تحمل شعارها واسمها وباللغات الثلاث، كما هو حاصل في المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة.

يريد اللبناني أن يرى المجرم في قفص الاتهام وليس، مما صنع هذا القفص وبأيّ لون دهن، إلى غيرها من الانشغالات التي لا تقدّم ولا تؤخّر في مسار العدالة، وفي وضع حدّ للإفلات من العقاب كما يتغنّى مبصرو الجرائم قبل وقوعها.

إنّ مجيء كاسيزي ونائبه اللبناني رالف رياشي إلى لبنان عشية الاستعداد لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال الحريري، برأي شريحة واسعة من اللبنانيين، مشابه تماماً لكلّ الأمور التي كانت تحصل في السابق، سواءٌ خلال فترة لجنة التحقيق الدولية المستقلّة أو بعد انتهاء دورها واستمرار رئيسها الثالث والأخير الكندي دانيال بيلمار في القيام بمهام التحقيق توصّلاً إلى سوق المتهمّين إلى قفص الاتهام المنتظر في المحكمة في لاهاي.

فكلّما كان يحين موعد صدور تقرير لجنة التحقيق، كانت تهبّ عاصفة من الافتراءات والتسريبات والتلفيقات على اللبنانيين، يتناوب على التلويح بها ونفخها، مضلّلو التحقيق أنفسهم، والذين سمّاهم اللواء الركن جميل السيّد أكثر من مرّة في تصريحاته ومؤتمراته الصحفية، من دون أن يجرؤ أحد منهم على مواجهته، وذلك لضعف حيلتهم وحجّتهم، وثبات الشواهد على تورّطهم في تحريف التحقيق عن وجهته الأساسية وحصرها بسوريا دون سائر الدول وخلق الله.

ومن يراجع أرشيف الصحف، يلمس بكلّ تأكيد الدور الخطر الذي كان يؤدّيه مضلّلو التحقيق بالتزامن مع صدور التقارير التي كانت تقنية إجرائية في مضمونها، من دون أن تقارب التحقيق، وذلك حفاظاً على سرّيته، هذه السرّية التي كان يهتكها مضلّلو التحقيق ومخترعو الاتهامات الوهمية، وينسبونها إلى مصادر لجنة التحقيق.

والحقّ يقال إنّ هذه اللجنة في عهد بيلمار لم تتوان يوماً عن نفي هذه التسريبات ودحض كلّ المزاعم المساقة، وإعلان براءتها منها، من دون أن تتخذ إجراء واحداً ضدّ القائمين بها، مكتفية بلعب دور النافي والمتلقّي للصدمات.

لا توحي تصرّفات المحكمة الخاصة بلبنان بالثقة، فكلّ ما يصدر عنها ينمّ عن أنّ فأر السياسة يلعب في قراراتها.

وإن لم يكن هذا الفأر السياسي دولياً، فهو على الأقلّ من صنع لبناني يعتاش من جريمة قضّت مضاجع اللبنانيين الذين دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم وسلامتهم وأمنهم واقتصادهم وحياتهم، وربّما يكون هذا الفأر مرتدياً زيّاً قانونياً وهنا مكمن الخطر وصعوبة تصديق قرارات المحكمة في المستقبل إن قيّض لها أن تصدر قرارات وأحكاماً بالمعنى الفعلي لها من الناحية القانونية.

أهلاً وسهلاً بكاسيزي في ربوع لبنان المضياف، ولكنّ زيارته لا تخدم مصداقية المحكمة على الإطلاق، وهذا هو الأساس.

2010-01-31