ارشيف من :آراء وتحليلات

اليمن : هل بدأ العد العكسي لاحتواء أزماته المتفجرة؟

اليمن : هل بدأ العد العكسي لاحتواء أزماته المتفجرة؟
مصطفى الحاج علي
هل وضعت أزمة، بل أزمات اليمن، على سكة الاحتواء، تمهيداً لصياغة تسوية سياسية جديدة، تأخذ بالاعتبار الوقائع الجديدة على الأرض؟ وإذا صح هذا التساؤل، فما هي الأسباب التي فرضت أخيراً على الجميع التفكير بالخروج من النفق المظلم الذي دخل فيه اليمن؟ ومن هي الأطراف التي يبدو أنها لعبت دوراً أساسياً في انضاج معالم هذه التسوية المفترضة؟
كل المؤشرات الصادرة مؤخراً وذات الصلة الوثيقة بمجريات الوضع اليمني كانت تشي بأن كلمة سر صدرت في مكانٍ ما، فتحت الطريق أمام عملية انطلاق المساعي الهادفة الى احتواء الوضع المتفجر في اليمن، كلمة السر، هذه ما كانت لتكون لولا المسار المنطقي والموضوعي الذي اتخذته أزمة اليمن المركّبة، والتي يمكن ترتيب وقائعها، وحقائقها، وفق التالي:
أولاً: إن أزمات اليمن لم تكن من النوع البسيط، والتي يمكن حسمها بالقوة، أو التغاضي عنها بالتحايل السياسي، فهناك أزمة نظام عنوانها الفساد، والاستئثار، والفشل في بناء دولة ناجحة لمصلحة تأكيد وتجذير الولاءات الدينية والقبلية وسواهما على حساب الولاء الوطني الجامع.
ثانياً: غضّ النظر عن تغلغل الوهابية في المجتمع اليمني الأمر الذي أدى الى نتيجتين خطيرتين: شعور الهويات الثقافية والدينية للمذهب الزيدي تحديداً بالتهديد، واطلاق عمليات تكاثر للتطرف الديني في بيئة مهيئة أصلاً بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والقبلية... الخ.
ثالثاً: انفجار مجموع الأزمات على نحوٍ تسلسلي: الحرب ضد الحوثيين في صعدة، عودة الروح الى النزعة الانفصالية في الجنوب، بروز القاعدة كتنظيم قوي له حضوره الفاعل، يضاف اليها مجتمعة نمو مجموعة مصالح وتجار الحرب والسلاح، واستشراء الفساد في كل مفاصل النظام، وتركيز السلطة عبر الوسائل الأمنية.
رابعاً: اعتقد نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وبتشجيع مباشر من النظام السعودي كما يبدو، أنه من خلال حسم الأزمة مع الحوثيين بالقوة، سيتمكن من احتواء كل أزمات النظام الأخرى، إلا أن فشل العمليات العسكرية، ودخول النظام في حال استنزاف سياسي وعسكري واقتصادي، وفلتان أمني شامل، وضع اليمن كدولة وكنظام على حافة الانهيار الشامل، وبالتالي، فتح الطريق واسعاً، أمام احتمال تحول اليمن الى دولة رديفة للصومال أو لافغانستان.
خامساً: إن مسارعة الرياض الى نجدة نظام علي عبد الله صالح لم تُفضِ في الحقيقة الى نتائج ايجابية، بل على العكس بدا واضحاً أن اليمن تحول شيئاً فشيئاً الى مأزق للرياض عليها أن تعمل بسرعة على الخروج منه قبل أن يصعب عليها ذلك.
سادساً: دخلت الولايات المتحدة بقوة مؤخراً على خط الأزمة اليمنية انطلاقاً من جملة اعتبارات رئيسية أبرزها: محاولة تفجير الطائرة الاميركية من قبل تنظيم القاعدة، والتي جرى ربطها بتنظيم القاعدة في اليمن، ومن ثم، خشية واشنطن من سقوط اليمن في أيدي هذا التنظيم وتحوله الى جبهة جديدة لها وللدول الحليفة في المنطقة، وهي جبهة بغنى عنها الآن، في ظل الفشل الذريع الذي تواجهه في افغانستان، والعراق ومناطق أخرى في العالم، من هنا، كان على واشنطن أن تفرض اعادة ترتيب الأولويات في ما يخص اليمن، لتكون لمصلحة التصدي لتنظيم القاعدة فيه.
سابعاً: القمة العربية المزمع عقدها في ليبيا، والتي يقتضي نجاحها ترتيب العلاقات العربية ـ العربية، ومن المعروف أن العلاقات السعودية ـ الليبية تشهد أزمة كبيرة منذ مدة، وهذه الأزمة تفاقمت مع كثرة الكلام عن دور ليبي أساسي في تقديم الدعم والعون للحوثيين في صعدة.
هذا الواقع العربي الرسمي، اضافة الى ما تقدم، كان يفرض تحركاً ما، تصدت له دمشق كما يبدو عبر الزيارات التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد الى كل من الرياض وليبيا، أفضت الى البحث عن مخرج ما، ومقايضة ما، هذا المخرج تمثل بمبادرة زعيم الحوثيين عبد الملك، التي سارعت الرياض ـ كما واشنطن ـ الى تلقفها، وصولاً الى اعلان وقف اطلاق النار، والانسحابات المتبادلة، وسواها، مقابل فتح الطريق أمام تسوية للأزمة اليمنية، وتهيئة الظروف الملائمة أمام قمة ليبيا العربية.
ثامناً: واكب هذا كله مواقف اميركية لافتة تمثلت بتبرئة ايران من كل الادعاءات الباطلة حول دور مزعوم لها في اليمن، وفي القول صراحة بأن واشنطن لم تكن راضية عن التدخل السعودي، وبترحيبها السريع والايجابي بمبادرة الحوثي.
تاسعاً: رافق ذلك أيضاً عقد ما يشبه المؤتمر في لندن حول اليمن تركز حول الاجراءات الكفيلة بوقف التدهور الاقتصادي والمالي وتوفير الظروف الملائمة لاطلاق عملية تنمية شاملة، والانفضاض عن دعوة لعقد مؤتمر للدول المانحة في الرياض لاحقاً!!
خلاصة القول هنا، من الواضح ومع بروز خطر تنظيم القاعدة، ووصول الوضع في اليمن الى حافة الانهيار الشامل، ونجاح الحوثيين في إثبات قوتهم وحضورهم، وفشل الرياض وصنعاء في حسم الحرب لمصلحتهما، كل ذلك دفع للبحث عن تسوية ما لا يتوقع أن تكون سهلة، ومن المبكر التكهن بمعالمها، لكن مما لا شك فيه، ان نظام علي عبد الله صالح سيكون الخاسر الأكبر فيها لمصلحة الأخذ بعين الاعتبار مصالح كامل قطاعات ومكوّنات الشعب اليمني، اذا ما أريد لليمن الاستقرار، واعطاء الأولوية للمشاكل الأخطر أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وتنموياً.
2010-02-01