ارشيف من :آراء وتحليلات
ميتشل يعود من مولد التسوية بلا حمّص والتركيز على ملء الفراغ بالحركة

كتب المحرر السياسي
يظهر فحص سريع ومكثف لمجمل مواقف حكومة نتنياهو أننا إزاء عملية أقل ما يقال فيها إنها خداع وتضليل للرأي العام، تستهدف ـ في جملة ما تستهدفه ـ القول بأن الكيان الاسرائيلي حريص على تقديم كل ما يلزم من أجل تحريك عجلة التسوية، في ما السلطة الفلسطينية المحاصرة والمقطعة الأوصال، والمستنزفة، والمرتبكة، هي من يضع العصي والعقبات في طريق هذه التسوية، فبحسب نتنياهو فإن "اسرائيل تريد أن تعود الى طاولة المفاوضات، لكن الفلسطينيين يتسلقون شجرة عالية".
الصورة نفسها رسمها أوباما بأسلوب آخر، عندما اعتبر أن مبعوثه الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل قد أمضى أشهراً "في التفاوض على تسوية ورأى بعض التقدم من جانب الاسرائيليين، وربما بهره ذلك لدرجة أنه لم ير أن هذا التقدم لم يكن كافياً للفلسطينيين". المشكلة إذاً، وبكل بساطة، سببها سقف التوقعات العالي عند السلطة الفلسطينية، وعند جورج ميتشل، وهكذا يتقاسم الاثنان مسؤولية مراوحة التسوية مكانها، أمّا مسؤولية نتنياهو، فلا أحد يقف عندها، بالرغم من أن استعراضا بسيطا لتطور الموقف الاسرائيلي من المقاربات الأوبامية للتسوية يكشف أن حكومة نتنياهو هي المسؤول الأول والأخير عن فشل المساعي الاميركية حتى الآن عن تحقيق أي انجاز يذكر، ما دفع أوباما نفسه الى نعي هذه المساعي ومبعوثه الخاص ما زال يجول في المنطقة. لقد اعتبر أوباما في مقابلة له مع مجلة تايم الاميركية أن ادارته "بالغت في تقدير قدرتها على إقناع الفلسطينيين والاسرائيليين باستئناف مفاوضات السلام، وإحداث خرق، بسبب عدم إدراكها المسبق لحجم بعض المشاكل السياسية لدى الطرفين". كلام لا يقنع أحداً، تصوروا أن واشنطن المواكبة والمشرفة على عملية التسوية منذ ما يقارب التسعة عشر عاماً لا تعرف حتى الآن ماهية الصعوبات، ولا نوع المشاكل في التسوية، إنها مجرد ذرائع لإخفاء أوباما عجزه عن ممارسة أي ضغط فعلي على حكومة نتنياهو لحملها على تقديم التنازلات المطلوبة لحفظ ماء أو ما تبقى من ماء وجه للسلطة الفلسطينية، فالجميع يعرف أن نتنياهو بعد موافقته على منح تراخيص لبناء ما يزيد على ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة، أعلن استعداده لتجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية باستثناء القدس، وذلك لمدة لا تتجاوز العشرة أشهر، كما أعلن استعداده لاستئناف فوري للمفاوضات على أساس حل الدولتين، ولكن بشرط أن يبدي الجانب الفلسطيني استعداده للاعتراف بالكيان الاسرائيلي دولة يهودية، وأكملت واشنطن الشروط الاسرائيلية عندما شنت حملة ضغوط على الأنظمة الموالية لها في المنطقة للقيام ببعض خطوات التطبيع مع الكيان الاسرائيلي من قبيل السماح له بفتح بعض القنصليات التجارية أو الثقافية، والسماح لطيرانه باستخدام أجواء هذه الدول وسواها من المطالب، بذريعة تشجيع نتنياهو على وقف الاستيطان، والحقيقة هذا ما جرى، حيث اعادت بعض هذه الدول فتح قنصليات الكيان الاسرائيلي، واستقبلت أخرى وفوداً اسرائيلية في بعض المؤتمرات، كما هناك معطيات مكثفة عن غزو البضائع الاسرائيلية لأسواق هذه الدول، وإن تحت مسميات مختلفة، وعن استخدام الطيران الاسرائيلي لأجواء دولة عربية اقليمية وازنة في الخليج.
وفي مطلق الأحوال، يبدو واضحاً من عرض نتنياهو أنه لا يتضمن أي تنازل، "بل ويضيف شروطاً جديدة لم ترد في أي من الاتفاقات أو التفاهمات السابقة الموقعة بين اسرائيل والسلطة، فحجم المساكن الجديدة التي وافق نتنياهو على فتح تراخيص ببنائها يزيد عن معدلات البناء العادية خلال الفترة الزمنية التي حددها لوقف الاستيطان، ما يعني أن النشاط الاستيطاني لن يتوقف في حقيقة الأمر، وموافقة السلطة الفلسطينية على قرار نتنياهو باستثناء القدس يعني الاقرار ضمناً بالموافقة على استبعادها من العملية التفاوضية والاعتراف بحق اسرائيل بضمها بقرار منفرد، واشتراط الاعتراف المسبق بيهودية الدولة الاسرائيلية ليس له سوى معنى واحد وهو الاعتراف صراحة بأن عرب 1948 هم مجرد جالية أجنبية يحق لاسرائيل تجريدهم من حقوقهم الوطنية الأصيلة".
ومما شكل مفاجأة وربما صدمة للسلطة الفلسطينية ولعرب التسوية هو اعتبار ادارة نتنياهو أن مجرد قبوله بوقف مشروط للاستيطان انجاز يجب أن يطبل له، وصولاً الى النقلة الأخرى في موقف هذه الادارة عندما تخلت عن مطلبها بوقف الاستيطان كشرط للتفاوض، الى دعوة الطرف الفلسطيني للتفاوض من دون شروط مسبقة.
يضاف الى ما تقدم، الشروط الأخرى التي وضعها نتنياهو، والتي من شأنها أن تجعل أي تسوية خالية من أي معنى فعلي حتى بالمواصفات الاميركية:
ـ الاصرار على الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية.
ـ رفض شمول وقف الاستيطان الموقّت للقدس.
ـ حملة التهجير الواسعة لمحيط القدس تمهيداً لاستيطانها.
ـ رفض بحث مسألة القدس في الأصل.
ـ الاصرار على نشر قوات اسرائيلية على طول الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المزعومة، أي في منطقة غور الأردن.
ـ رفض وضع سقف زمني محدد للتفاوض حتى لو كان سنتين.
إزاء هذه الاشتراطات الاسرائيلية لم تجد واشنطن أفضل من فكرة التبادلية كحل أو كمخرج يوفق بين مبدأ أصل الدولتين المرتكز على حدود عام 1967 والمطالب الاسرائيلية، ما يعني عملياً توجيه ضربة قاصمة لكل المرجعيات الدولية المعتمدة للحل، وتحويل الدولة الفلسطينية الى اسم بدون مسمى، وهذا ما وضع السلطة الفلسطينية في موقع حرج للغاية حيث ان أبو مازن وجد نفسه غير قادر على تلبية كل هذه الشروط الاسرائيلية. من هنا، فالسؤال الذي فرض نفسه هو التالي، إذا كانت الأمور مقفلة الى هذه الدرجة، فما هو المبرر لاستمرار ميتشل في مساعيه؟ ولماذا هذه الحركة الاميركية الدؤوبة على خط التسوية لا سيما في ظل الكلام عن ضرورة احياء المفاوضات ولو بمستويات منخفضة، أو بطريقة غير مباشرة، وبالتالي الكلام عن ضرورة احياء المفاوضات للمفاوضات لا لشيء آخر؟
تتنوع الاجابات هنا، لكن يبقى أقربها الى المنطق وواقع الأمور أن واشنطن لا ترغب ولا تستطيع أن تترك المنطقة وملف أساسي وحساس كملف التسوية في حالة فراغ لاعتبارات كثيرة أبرزها:
أ ـ ان يستغل خصومها وخصوم التسوية هذا الفراغ لمصلحتهم، ولحساب منطقهم.
ب ـ الانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب على وضع الأنظمة الحليفة لها في المنطقة عموماً وعلى السلطة الفلسطينية تحديداً.
ج ـ ان يسارع الأوروبيون وتحديداً الفرنسيين والروس الى استغلال الفراغ لمصلحة مبادراتهم الخاصة.
د ـ أن يؤدي الفراغ الى جولات عنف جديدة في المنطقة لا تريدها واشنطن في هذه المرحلة.
هـ ـ أخيراً وليس آخراً، ان انهيار التسوية سيعني انهيار ركن رئيسي في المقاربة الاميركية الاستراتيجية الشاملة لأزمات المنطقة، ما سينعكس سلباً بدوره على مجمل الأزمات التي تواجهها في العراق وافغانستان، ومع ايران.
من هنا، لا يبقى أمام واشنطن سوى مواصلة الحركة، ولو بمخارج مختلفة، لكن تبقى المنطقة في صورة تسوية، ويبقى خيار التسوية الميت سريرياً ممدوداً بشيء من الاوكسجين الاصطناعي.
يظهر فحص سريع ومكثف لمجمل مواقف حكومة نتنياهو أننا إزاء عملية أقل ما يقال فيها إنها خداع وتضليل للرأي العام، تستهدف ـ في جملة ما تستهدفه ـ القول بأن الكيان الاسرائيلي حريص على تقديم كل ما يلزم من أجل تحريك عجلة التسوية، في ما السلطة الفلسطينية المحاصرة والمقطعة الأوصال، والمستنزفة، والمرتبكة، هي من يضع العصي والعقبات في طريق هذه التسوية، فبحسب نتنياهو فإن "اسرائيل تريد أن تعود الى طاولة المفاوضات، لكن الفلسطينيين يتسلقون شجرة عالية".
الصورة نفسها رسمها أوباما بأسلوب آخر، عندما اعتبر أن مبعوثه الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل قد أمضى أشهراً "في التفاوض على تسوية ورأى بعض التقدم من جانب الاسرائيليين، وربما بهره ذلك لدرجة أنه لم ير أن هذا التقدم لم يكن كافياً للفلسطينيين". المشكلة إذاً، وبكل بساطة، سببها سقف التوقعات العالي عند السلطة الفلسطينية، وعند جورج ميتشل، وهكذا يتقاسم الاثنان مسؤولية مراوحة التسوية مكانها، أمّا مسؤولية نتنياهو، فلا أحد يقف عندها، بالرغم من أن استعراضا بسيطا لتطور الموقف الاسرائيلي من المقاربات الأوبامية للتسوية يكشف أن حكومة نتنياهو هي المسؤول الأول والأخير عن فشل المساعي الاميركية حتى الآن عن تحقيق أي انجاز يذكر، ما دفع أوباما نفسه الى نعي هذه المساعي ومبعوثه الخاص ما زال يجول في المنطقة. لقد اعتبر أوباما في مقابلة له مع مجلة تايم الاميركية أن ادارته "بالغت في تقدير قدرتها على إقناع الفلسطينيين والاسرائيليين باستئناف مفاوضات السلام، وإحداث خرق، بسبب عدم إدراكها المسبق لحجم بعض المشاكل السياسية لدى الطرفين". كلام لا يقنع أحداً، تصوروا أن واشنطن المواكبة والمشرفة على عملية التسوية منذ ما يقارب التسعة عشر عاماً لا تعرف حتى الآن ماهية الصعوبات، ولا نوع المشاكل في التسوية، إنها مجرد ذرائع لإخفاء أوباما عجزه عن ممارسة أي ضغط فعلي على حكومة نتنياهو لحملها على تقديم التنازلات المطلوبة لحفظ ماء أو ما تبقى من ماء وجه للسلطة الفلسطينية، فالجميع يعرف أن نتنياهو بعد موافقته على منح تراخيص لبناء ما يزيد على ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة، أعلن استعداده لتجميد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية باستثناء القدس، وذلك لمدة لا تتجاوز العشرة أشهر، كما أعلن استعداده لاستئناف فوري للمفاوضات على أساس حل الدولتين، ولكن بشرط أن يبدي الجانب الفلسطيني استعداده للاعتراف بالكيان الاسرائيلي دولة يهودية، وأكملت واشنطن الشروط الاسرائيلية عندما شنت حملة ضغوط على الأنظمة الموالية لها في المنطقة للقيام ببعض خطوات التطبيع مع الكيان الاسرائيلي من قبيل السماح له بفتح بعض القنصليات التجارية أو الثقافية، والسماح لطيرانه باستخدام أجواء هذه الدول وسواها من المطالب، بذريعة تشجيع نتنياهو على وقف الاستيطان، والحقيقة هذا ما جرى، حيث اعادت بعض هذه الدول فتح قنصليات الكيان الاسرائيلي، واستقبلت أخرى وفوداً اسرائيلية في بعض المؤتمرات، كما هناك معطيات مكثفة عن غزو البضائع الاسرائيلية لأسواق هذه الدول، وإن تحت مسميات مختلفة، وعن استخدام الطيران الاسرائيلي لأجواء دولة عربية اقليمية وازنة في الخليج.
وفي مطلق الأحوال، يبدو واضحاً من عرض نتنياهو أنه لا يتضمن أي تنازل، "بل ويضيف شروطاً جديدة لم ترد في أي من الاتفاقات أو التفاهمات السابقة الموقعة بين اسرائيل والسلطة، فحجم المساكن الجديدة التي وافق نتنياهو على فتح تراخيص ببنائها يزيد عن معدلات البناء العادية خلال الفترة الزمنية التي حددها لوقف الاستيطان، ما يعني أن النشاط الاستيطاني لن يتوقف في حقيقة الأمر، وموافقة السلطة الفلسطينية على قرار نتنياهو باستثناء القدس يعني الاقرار ضمناً بالموافقة على استبعادها من العملية التفاوضية والاعتراف بحق اسرائيل بضمها بقرار منفرد، واشتراط الاعتراف المسبق بيهودية الدولة الاسرائيلية ليس له سوى معنى واحد وهو الاعتراف صراحة بأن عرب 1948 هم مجرد جالية أجنبية يحق لاسرائيل تجريدهم من حقوقهم الوطنية الأصيلة".
ومما شكل مفاجأة وربما صدمة للسلطة الفلسطينية ولعرب التسوية هو اعتبار ادارة نتنياهو أن مجرد قبوله بوقف مشروط للاستيطان انجاز يجب أن يطبل له، وصولاً الى النقلة الأخرى في موقف هذه الادارة عندما تخلت عن مطلبها بوقف الاستيطان كشرط للتفاوض، الى دعوة الطرف الفلسطيني للتفاوض من دون شروط مسبقة.
يضاف الى ما تقدم، الشروط الأخرى التي وضعها نتنياهو، والتي من شأنها أن تجعل أي تسوية خالية من أي معنى فعلي حتى بالمواصفات الاميركية:
ـ الاصرار على الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية.
ـ رفض شمول وقف الاستيطان الموقّت للقدس.
ـ حملة التهجير الواسعة لمحيط القدس تمهيداً لاستيطانها.
ـ رفض بحث مسألة القدس في الأصل.
ـ الاصرار على نشر قوات اسرائيلية على طول الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية المزعومة، أي في منطقة غور الأردن.
ـ رفض وضع سقف زمني محدد للتفاوض حتى لو كان سنتين.
إزاء هذه الاشتراطات الاسرائيلية لم تجد واشنطن أفضل من فكرة التبادلية كحل أو كمخرج يوفق بين مبدأ أصل الدولتين المرتكز على حدود عام 1967 والمطالب الاسرائيلية، ما يعني عملياً توجيه ضربة قاصمة لكل المرجعيات الدولية المعتمدة للحل، وتحويل الدولة الفلسطينية الى اسم بدون مسمى، وهذا ما وضع السلطة الفلسطينية في موقع حرج للغاية حيث ان أبو مازن وجد نفسه غير قادر على تلبية كل هذه الشروط الاسرائيلية. من هنا، فالسؤال الذي فرض نفسه هو التالي، إذا كانت الأمور مقفلة الى هذه الدرجة، فما هو المبرر لاستمرار ميتشل في مساعيه؟ ولماذا هذه الحركة الاميركية الدؤوبة على خط التسوية لا سيما في ظل الكلام عن ضرورة احياء المفاوضات ولو بمستويات منخفضة، أو بطريقة غير مباشرة، وبالتالي الكلام عن ضرورة احياء المفاوضات للمفاوضات لا لشيء آخر؟
تتنوع الاجابات هنا، لكن يبقى أقربها الى المنطق وواقع الأمور أن واشنطن لا ترغب ولا تستطيع أن تترك المنطقة وملف أساسي وحساس كملف التسوية في حالة فراغ لاعتبارات كثيرة أبرزها:
أ ـ ان يستغل خصومها وخصوم التسوية هذا الفراغ لمصلحتهم، ولحساب منطقهم.
ب ـ الانعكاسات السلبية التي يمكن ان تترتب على وضع الأنظمة الحليفة لها في المنطقة عموماً وعلى السلطة الفلسطينية تحديداً.
ج ـ ان يسارع الأوروبيون وتحديداً الفرنسيين والروس الى استغلال الفراغ لمصلحة مبادراتهم الخاصة.
د ـ أن يؤدي الفراغ الى جولات عنف جديدة في المنطقة لا تريدها واشنطن في هذه المرحلة.
هـ ـ أخيراً وليس آخراً، ان انهيار التسوية سيعني انهيار ركن رئيسي في المقاربة الاميركية الاستراتيجية الشاملة لأزمات المنطقة، ما سينعكس سلباً بدوره على مجمل الأزمات التي تواجهها في العراق وافغانستان، ومع ايران.
من هنا، لا يبقى أمام واشنطن سوى مواصلة الحركة، ولو بمخارج مختلفة، لكن تبقى المنطقة في صورة تسوية، ويبقى خيار التسوية الميت سريرياً ممدوداً بشيء من الاوكسجين الاصطناعي.