ارشيف من :آراء وتحليلات
تسوية أوباما وحقائق المنطقة

مصطفى الحاج علي
من يستمع الى تطمينات الزائرين الاميركيين الى لبنان حول أن التسوية في المنطقة لن تكون على حسابه، ولا على حساب ملف اللاجئين الفلسطينيين، يشعر وكأننا على أبواب اطلاق صفارة الانطلاق لعجلة قطار التسوية للصراع العربي ـ الاسرائيلي، خصوصاً ببعده الفلسطيني. هذا الشعور تعزز مؤخراً بجملة من المواقف الاميركية المؤكدة أن إدارة أوباما قد حسمت أمرها بالنسبة لهذا الموضوع، وأنها تريد أن ترى حركة ما خلال الشهر المقبل كأقصى حد، وكذلك تعزز هذا الشعور بحركة الاتصالات العربية ـ العربية على المحور السعودي ـ السوري، والسعودي ـ المصري: والمصري ـ الأردني ـ السوري، والأردني ـ السعودي، وأيضاً من خلال رفع درجة الضغوط المصرية تحديداً على قطاع غزة لإجبار حركة حماس على قبول المصالحة بشروط السلطة الفلسطينية ومعها.
والحقيقة أنه لا نقاش حول جدية إدارة أوباما في السعي لدفع عملية التسوية، والأحرى لإنعاش هذه التسوية التي تعيش نوعاً من الموت السريري تحديداً منذ تسلم إدارة بوش الأب زمام السلطة في البيت الأبيض، والتي مضى عليها حتى الآن ما يزيد على الربع قرن من الزمن، والجدية مبعثها ثلاثة عوامل رئيسية، هي:
أ ـ إشعار أوباما المنطقة بوجود تغيير فعلي في واشنطن.
ب ـ تحويل التسوية الى جزء أساسي من مساعي الإدارة الاميركية لتجميل صورتها إزاء شعوب المنطقة، والتخفيف بالتالي من منسوب الكراهية لها.
ج ـ ان التسوية هي جزء من استراتيجية المقاربة الشاملة لأزمات المنطقة الرئيسة وفي طليعتها العراق، افغانستان، وملف الصراع المفتوح مع ايران وحركات المقاومة، فإدارة أوباما أدركت أنه لا امكان لمقاربة أي من تلك الأزمات على نحوٍ معزول، خصوصاً صراعها المفتوح مع ايران، ولذا، وجدنا أنه ـ ولأول مرة ـ ندخل المؤسسة العسكرية الاميركية كطرف في السياسة الخارجية لواشنطن، وتدفع بقوة باتجاه ابرام التسوية.
وبالرغم من ذلك، يجب ان لا تعني جدية ادارة أوباما في التعامل مع التسوية، ان النجاح في التوصل الى نتائج نهائية أمر مضمون، بل يمكن القول، وقياساً الى التجارب السابقة، إن أقصى ما يمكن تحقيقه هو انعاش نفس "العملية السياسية" لا أكثر، وقد يكون هذا هو المطلوب في هذه المرحلة لإخراج عرب التسوية من مأزق وحراجة الخيارات التي يتبعونها ويصرون عليها حتى الآن.
بكلمة أوضح، في ظل نجاح خيار المقاومة، وفرض صدقيته، وفي ظل استمرار خيار التسوية في مستنقع الفشل الذريع، ستجد هذه الأنظمة نفسها مطالبة بإعادة النظر في خياراتها، وحتى لا تضطر الى هذا الأمر، لا بد من احياء "العملية السياسية" كمخرج لها ويبدو ـ حتى الآن ـ ان طبخة اميركية ما للتسوية هي قيد الاعداد، وترتكز على العناصر الرئيسية التالية:
أ ـ صياغة ضمانات وتطمينات اميركية تقدم لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين.
ب ـ ايجاد الملاءمة لكيفية ترجمة مفهوم "تبادل الأرض" الى خرائط متفق عليها.
هذه العناصر هي موضع تفاوض مكثف اليوم، ويتوقف عليها مصير تحريك العملية السياسية مجدداً لا سيما بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
والتأمل البسيط في هذين العنصرين يقود الى استخلاص النتائج المحمورية التالية:
أولاً: ان هناك أزمة ثقة عميقة بين الأطراف المتفاوضة تحاول واشنطن التغلب عليها من خلال تقديمها الضمانات والتطمينات المطلوبة، هذه الضمانات يراد لها أن تكون بديلاً عن اجراءات بناء ثقة فعلية وعملية، وخصوصاً أن المعني بها الكيان الاسرائيلي بالدرجة الأولى، وإن السلطة الفلسطينية لا تملك أصلاً أي تهديد لهذا الكيان، وهي في موقع العاجز مند مدة طويلة، في حين أن الكيان الاسرائيلي هو من يغتصب الأرض، وهو المحتل، وهو الذي يقوم كل يوم بقضم المزيد من الأراضي، وهو الذي يعتقل ويقصف ويلاحق ويدمر ويقتل.. الخ.
من هنا، فإن هذه الضمانات هي تعويض لفظي لا يسمن ولا يغني من جوع، وبالتالي، تشكل تمويهاً وتغطية للعجز الاميركي على منع توسع الاستيطان وكل أشكال وصنوف العدوان الاسرائيلي على أراضي السلطة الفلسطينية أو ما تبقى منها، وتغطية لما تقوم به حكومة نتنياهو على مختلف هذه الصعد، يضاف الى ذلك أن كل تجارب الضمانات السابقة فشلت، ولم تفض الى أي نتائج فعلية.
ثانياً: ثمة عامل أساسي يحكم مسألة التطمينات، أو الضمانات التي تقدم من جهة ما للمساهمة في فض نزاع أو خلاف بين طرفين، وهو أن تكون هذه الجهة حيادية، لا أن تكون طرفاً، وهذا ما لا ينطبق بأي من الأحوال على الولايات المتحدة، التي سبق للعرب قبيل انعقاد مؤتمري مدريد عام 1991، وأنابوليس عام 2007 أن اختبروا طبيعة الضمانات التي يمكن لواشنطن أن تقدمها، فثبت أنها لم تكن أكثر من حبرٍ على ورق، ولا قيمة لها على الأرض، حيث كان الكيان الاسرائيلي يقبض مقدماً ليترك للعرب مجرد الوعود المعسولة، أو الدفع المؤجل على جناح الوعود المكفولة بالضمانات الاميركية.
ثالثاً: أما مبدأ "تبادل الأراضي" فهو مفهوم بالغ الخطورة لاعتبارات كثيرة أبرزها:
أ ـ أنه يشكل تغطية، بل وتبرئة، لليكان الإسرائيلي من جريمة اغتصابه واحتلاله للأراضي الفلسطينية، عموماً، وأراضي 1967 تحديداً، ذلك أنه يحوّل هذه الأراضي من أراض محتلة يجب الانسحاب منها بلا قيد أو شرط، الى أراضٍ محل خلاف أو متنازع عليها، من ضمن الحق التاريخي للكيان الاسرائيلي "بأراضي فلسطين كل فلسطين" وهنا، يبدو الاسرائيلي وكأنه هو من يمن على الفلسطينيين بأرضٍ هي في الأساس أرضه، ولا يظهر ـ بالتالي ـ كما هو في حقيقة، أي كمحتل وغاصب.
ب ـ ان القبول بمفهوم "تبادل الأراضي" سيعني حكماً تنازلاً من السلطة الفلسطينية حتى عن حدود عام 1967، ما سيعني بدوره تكريساً للأمر الواقع الاسرائيلي، والقبول طوعاً بالكتل الاستيطانية الكبيرة واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أرض الكيان الاسرائيلي، كما يسمح هذا المفهوم لهذا الكيان بوضع يده على الأراضي التي يريد سواء تلك التي تحيط بمدينة القدس، أو تلك التي تتوافر على مصادر المياه، او تشكل مواقع استراتيجية حساسة بذريعة امكان التعويض عنها في أماكن أخرى.
ج ـ خلق انطباع لدى الرأي العام الدولي بأن الكيان الاسرائيلي هو من يقوم بتقديم التضحيات المؤلمة لانجاز التسوية، وبما يعيد تجميل صورته التي تعبت كثيراً مؤخراً.
ما تقدم يفسر لنا المحاولات الاسرائيلية الحثيثة والمكثفة لخلق وقائع جديدة على الأرض، ما دامت هذه الوقائع ستكرس كحقائق نهائية، ويمكن التعويض عنها بثمن بخس في أماكن أخرى، ولذا لا يتوقع أن يتوقف النهم الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي محيط القدس في ظل هذا المفهوم التبادلي، وفي ظل ادراك الاسرائيلي مدى جهوزية الواقع الرسمي والسلطوي والعربي ـ الاميركي لحل كيفما كان.
وفي مطلق الأحوال، لا يتوقع لتسوية مبتذلة بهذا القدر أن تشق طريقها الى النجاح، نظراً لما تختزنه في داخلها من عملية خداع وتضليل كبيرة للنفس، كما أنه لا يمكن بأي حال، القفز بهذه الخفة فوق حقائق صلبة وتاريخية كما هي حال حقائق القضية الفلسطينية ولا سيما في ظل روح المقاومة التي تشهد اليوم مراحل متقدمة فيها الكثير من الأمل بمستقبل مشرق.
من يستمع الى تطمينات الزائرين الاميركيين الى لبنان حول أن التسوية في المنطقة لن تكون على حسابه، ولا على حساب ملف اللاجئين الفلسطينيين، يشعر وكأننا على أبواب اطلاق صفارة الانطلاق لعجلة قطار التسوية للصراع العربي ـ الاسرائيلي، خصوصاً ببعده الفلسطيني. هذا الشعور تعزز مؤخراً بجملة من المواقف الاميركية المؤكدة أن إدارة أوباما قد حسمت أمرها بالنسبة لهذا الموضوع، وأنها تريد أن ترى حركة ما خلال الشهر المقبل كأقصى حد، وكذلك تعزز هذا الشعور بحركة الاتصالات العربية ـ العربية على المحور السعودي ـ السوري، والسعودي ـ المصري: والمصري ـ الأردني ـ السوري، والأردني ـ السعودي، وأيضاً من خلال رفع درجة الضغوط المصرية تحديداً على قطاع غزة لإجبار حركة حماس على قبول المصالحة بشروط السلطة الفلسطينية ومعها.
والحقيقة أنه لا نقاش حول جدية إدارة أوباما في السعي لدفع عملية التسوية، والأحرى لإنعاش هذه التسوية التي تعيش نوعاً من الموت السريري تحديداً منذ تسلم إدارة بوش الأب زمام السلطة في البيت الأبيض، والتي مضى عليها حتى الآن ما يزيد على الربع قرن من الزمن، والجدية مبعثها ثلاثة عوامل رئيسية، هي:
أ ـ إشعار أوباما المنطقة بوجود تغيير فعلي في واشنطن.
ب ـ تحويل التسوية الى جزء أساسي من مساعي الإدارة الاميركية لتجميل صورتها إزاء شعوب المنطقة، والتخفيف بالتالي من منسوب الكراهية لها.
ج ـ ان التسوية هي جزء من استراتيجية المقاربة الشاملة لأزمات المنطقة الرئيسة وفي طليعتها العراق، افغانستان، وملف الصراع المفتوح مع ايران وحركات المقاومة، فإدارة أوباما أدركت أنه لا امكان لمقاربة أي من تلك الأزمات على نحوٍ معزول، خصوصاً صراعها المفتوح مع ايران، ولذا، وجدنا أنه ـ ولأول مرة ـ ندخل المؤسسة العسكرية الاميركية كطرف في السياسة الخارجية لواشنطن، وتدفع بقوة باتجاه ابرام التسوية.
وبالرغم من ذلك، يجب ان لا تعني جدية ادارة أوباما في التعامل مع التسوية، ان النجاح في التوصل الى نتائج نهائية أمر مضمون، بل يمكن القول، وقياساً الى التجارب السابقة، إن أقصى ما يمكن تحقيقه هو انعاش نفس "العملية السياسية" لا أكثر، وقد يكون هذا هو المطلوب في هذه المرحلة لإخراج عرب التسوية من مأزق وحراجة الخيارات التي يتبعونها ويصرون عليها حتى الآن.
بكلمة أوضح، في ظل نجاح خيار المقاومة، وفرض صدقيته، وفي ظل استمرار خيار التسوية في مستنقع الفشل الذريع، ستجد هذه الأنظمة نفسها مطالبة بإعادة النظر في خياراتها، وحتى لا تضطر الى هذا الأمر، لا بد من احياء "العملية السياسية" كمخرج لها ويبدو ـ حتى الآن ـ ان طبخة اميركية ما للتسوية هي قيد الاعداد، وترتكز على العناصر الرئيسية التالية:
أ ـ صياغة ضمانات وتطمينات اميركية تقدم لكل من الفلسطينيين والاسرائيليين.
ب ـ ايجاد الملاءمة لكيفية ترجمة مفهوم "تبادل الأرض" الى خرائط متفق عليها.
هذه العناصر هي موضع تفاوض مكثف اليوم، ويتوقف عليها مصير تحريك العملية السياسية مجدداً لا سيما بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
والتأمل البسيط في هذين العنصرين يقود الى استخلاص النتائج المحمورية التالية:
أولاً: ان هناك أزمة ثقة عميقة بين الأطراف المتفاوضة تحاول واشنطن التغلب عليها من خلال تقديمها الضمانات والتطمينات المطلوبة، هذه الضمانات يراد لها أن تكون بديلاً عن اجراءات بناء ثقة فعلية وعملية، وخصوصاً أن المعني بها الكيان الاسرائيلي بالدرجة الأولى، وإن السلطة الفلسطينية لا تملك أصلاً أي تهديد لهذا الكيان، وهي في موقع العاجز مند مدة طويلة، في حين أن الكيان الاسرائيلي هو من يغتصب الأرض، وهو المحتل، وهو الذي يقوم كل يوم بقضم المزيد من الأراضي، وهو الذي يعتقل ويقصف ويلاحق ويدمر ويقتل.. الخ.
من هنا، فإن هذه الضمانات هي تعويض لفظي لا يسمن ولا يغني من جوع، وبالتالي، تشكل تمويهاً وتغطية للعجز الاميركي على منع توسع الاستيطان وكل أشكال وصنوف العدوان الاسرائيلي على أراضي السلطة الفلسطينية أو ما تبقى منها، وتغطية لما تقوم به حكومة نتنياهو على مختلف هذه الصعد، يضاف الى ذلك أن كل تجارب الضمانات السابقة فشلت، ولم تفض الى أي نتائج فعلية.
ثانياً: ثمة عامل أساسي يحكم مسألة التطمينات، أو الضمانات التي تقدم من جهة ما للمساهمة في فض نزاع أو خلاف بين طرفين، وهو أن تكون هذه الجهة حيادية، لا أن تكون طرفاً، وهذا ما لا ينطبق بأي من الأحوال على الولايات المتحدة، التي سبق للعرب قبيل انعقاد مؤتمري مدريد عام 1991، وأنابوليس عام 2007 أن اختبروا طبيعة الضمانات التي يمكن لواشنطن أن تقدمها، فثبت أنها لم تكن أكثر من حبرٍ على ورق، ولا قيمة لها على الأرض، حيث كان الكيان الاسرائيلي يقبض مقدماً ليترك للعرب مجرد الوعود المعسولة، أو الدفع المؤجل على جناح الوعود المكفولة بالضمانات الاميركية.
ثالثاً: أما مبدأ "تبادل الأراضي" فهو مفهوم بالغ الخطورة لاعتبارات كثيرة أبرزها:
أ ـ أنه يشكل تغطية، بل وتبرئة، لليكان الإسرائيلي من جريمة اغتصابه واحتلاله للأراضي الفلسطينية، عموماً، وأراضي 1967 تحديداً، ذلك أنه يحوّل هذه الأراضي من أراض محتلة يجب الانسحاب منها بلا قيد أو شرط، الى أراضٍ محل خلاف أو متنازع عليها، من ضمن الحق التاريخي للكيان الاسرائيلي "بأراضي فلسطين كل فلسطين" وهنا، يبدو الاسرائيلي وكأنه هو من يمن على الفلسطينيين بأرضٍ هي في الأساس أرضه، ولا يظهر ـ بالتالي ـ كما هو في حقيقة، أي كمحتل وغاصب.
ب ـ ان القبول بمفهوم "تبادل الأراضي" سيعني حكماً تنازلاً من السلطة الفلسطينية حتى عن حدود عام 1967، ما سيعني بدوره تكريساً للأمر الواقع الاسرائيلي، والقبول طوعاً بالكتل الاستيطانية الكبيرة واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أرض الكيان الاسرائيلي، كما يسمح هذا المفهوم لهذا الكيان بوضع يده على الأراضي التي يريد سواء تلك التي تحيط بمدينة القدس، أو تلك التي تتوافر على مصادر المياه، او تشكل مواقع استراتيجية حساسة بذريعة امكان التعويض عنها في أماكن أخرى.
ج ـ خلق انطباع لدى الرأي العام الدولي بأن الكيان الاسرائيلي هو من يقوم بتقديم التضحيات المؤلمة لانجاز التسوية، وبما يعيد تجميل صورته التي تعبت كثيراً مؤخراً.
ما تقدم يفسر لنا المحاولات الاسرائيلية الحثيثة والمكثفة لخلق وقائع جديدة على الأرض، ما دامت هذه الوقائع ستكرس كحقائق نهائية، ويمكن التعويض عنها بثمن بخس في أماكن أخرى، ولذا لا يتوقع أن يتوقف النهم الاستيطاني في الضفة الغربية، وفي محيط القدس في ظل هذا المفهوم التبادلي، وفي ظل ادراك الاسرائيلي مدى جهوزية الواقع الرسمي والسلطوي والعربي ـ الاميركي لحل كيفما كان.
وفي مطلق الأحوال، لا يتوقع لتسوية مبتذلة بهذا القدر أن تشق طريقها الى النجاح، نظراً لما تختزنه في داخلها من عملية خداع وتضليل كبيرة للنفس، كما أنه لا يمكن بأي حال، القفز بهذه الخفة فوق حقائق صلبة وتاريخية كما هي حال حقائق القضية الفلسطينية ولا سيما في ظل روح المقاومة التي تشهد اليوم مراحل متقدمة فيها الكثير من الأمل بمستقبل مشرق.