ارشيف من :آراء وتحليلات

لمن البقاء على جزيرة الكنز؟

لمن البقاء على جزيرة الكنز؟
ميساء شديد
بعد أسابيع على وقوع زلزال هايتي لا تزال هذه المنطقة وأخبارها محط أنظار العالم ومادة رئيسية في الصحف العالمية، على أن الأخبار الواردة من الجزيرة تجاوزت السياق المتعارف عليه في التغطية الإعلامية للكوارث الطبيعية، حيث حلت مكان أخبار الضحايا والخسائر، الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، إضافة إلى كل من فنزويلا وكوبا.
ففي وقت سابق انتقدت فرنسا التدخل الأمريكي في هايتي عبر المساعدات وجهود الإغاثة، لا سيما في ظل عمليات إنزال لآلاف الجنود الأمريكيين، ثم كانت لكل من فنزويلا وكوبا مواقفهما الشاجبة أيضاً والتي ذهبت إلى حد اتهام الإدارة الأمريكية بالتسبب بهذه الكارثة بالاستناد إلى تقارير تحدثت عن تجارب علمية أمريكية وإسرائيلية حول حروب المستقبل التي ستحدث تدميرا واسعا وستظهر في الوقت ذاته وكأنها كوارث طبيعية.
كل ذلك جعل من هايتي محور اهتمام إعلامي فوق العادة، وأضحى التعرف على هذه المنطقة، بموقعها الجغرافي وتاريخها وسكانها أمراً لا بد منه للوقوف على خلفيات ما يشبه الصراع على النفوذ على "هيسبانولا" (الاسم القديم لهايتي)، وللتذكير فإن "هيسبانولا" هي نفسها "جزيرة الكنز" التي يتحدث عنها الكاتب الاسكتلندي "روبرت لويس إستيفنسون" في قصته العالمية الشهيرة التي تحكي قصة كنز من الذهب دفنه القراصنة في الجزيرة ومغامرة البعض للعثور عليه.
هايتي هي إحدى بلدان البحر الكاريبي التي اكتشفها كريستوف كولمبوس عام 1492، تبعد عن كوبا 80 كيلومتراً، وكان الأسبان أول من وضعوا أيديهم عليها قبل أن يتركوا زمام الأمور فيها للفرنسيين الذين أسرفوا في استغلال العبيد من أصول أفريقية، إلى أن أعلن بعض الحراس والجنود المسلحين من العبيد تحت قيادة "جان جاكويز دي سالينز" الثورة على الفرنسيين.
استمرت الثورة 13 عاماً وفي عام 1804 أعلن زعيم الثوار الوطني "جان جاكويز" نفسه إمبراطواراً على هايتي ، إلا أن حكمه لم يدم سوى عامين حيث قامت ضده ثورة أزاحته عن السلطة ولكن نشبت جراء ذلك حرب أهلية قسمت هايتي إلى جنوب وشمال.
عام 1843 عاشت هايتي فترة من عدم الاستقرار السياسي كان نتيجته حدوث 200 انقلاب عسكري خلال (72 سنة) هي الفترة ما بين 1843 و1915 حيث أمر الرئيس الأمريكي آنذاك وود رو ويلسون قوات المارينز باحتلال هايتي استناداً إلى "مبدأ مونرو" الذي يحظر على الدول الاستعمارية الأوروبية التقليدية التدخل في شئون دول أمريكا اللاتينية والكاريبي واعتبار كل تدخل من هذا القبيل عملا عدائيا موجها إلى الولايات المتحدة مباشرة.
جاء الاحتلال الأمريكي في هايتي لتعزيز مكانة النخبة البيضاء ضد الأكثرية السوداء ثم ما لبثت الولايات المتحدة أن انسحبت فجأة عام 1934 كعادتها حين تفشل في تحقيق أهدافها، تاركة هايتي غارقة في الصراعات الداخلية والانقسامات السياسية العميقة التي استمرت حتى اليوم.
على الرغم من خروجها من هايتي إلا أنه ظلت للولايات المتحدة في البلاد اليد العليا حيث دعمت الرؤساء الذين تناوبوا على السلطة وأمنت الغطاء السياسي للفساد المستشري في وقت كانت البلاد تتحول شيئاً فشيئاً إلى واحدة من أفقر المناطق في العالم، إذ إن مستوى الدخل الفردي لأكثر من نصف السكان لا يتجاوز الدولار الواحد في اليوم على الرغم من موقعها القريب من أضخم الأسواق على مستوى العالم حيث تبعد هايتي عن ميامي مسافة ساعة واحدة من الطيران.
انطلاقاً من هذه المقاربة التاريخية ينظر مراقبون ومحللون إلى السجال الأمريكي الفرنسي على أنه محاولة من قبل كل من الطرفين لتكريس نفوذه في المنطقة، على أن هذا السجال حول هايتي إنما يعبر أيضاً عن العلاقة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي التي يقال إنها ليست في أحسن حالاتها، إذ إن ما يظهر من تبادل للابتسامات والعبارات المنمقة أما عدسات الكاميرا يخفي الكثير من الاختلاف في وجهات النظر تجاه الكثير من الملفات وما هايتي إلا تفصيلاً صغيراً فيها.
وإذا كانت خلفية الاتهام الفرنسي للولايات المتحدة الأمريكية بالاحتلال غير المباشر لهايتي يندرج في إطار الصراع على النفوذ، فإن كلاً من فنزويلا وكوبا ينطلقان في اتهاماتهما من هواجس مشتركة ومبررة بأن تكون الكارثة التي حلت بهايتي الذريعة التي ستبقي من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية قواتها في البلاد وتستحدث قواعد عسكرية ثابتة مما يشكل تهديداً لهذين البلدين. وعلى الرغم من مشروعية هذه الهواجس يرى بعض المراقبين أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الطريقة هو نتيجة غياب أي سلطة أمنية في البلاد في وقت كثرت عمليات السلب والنهب والفوضى. وبعيداً عن الأسباب والخلفيات فإن الوجود الأمريكي في هايتي أياً كان شكله يبدو غائباً عن رؤية عمليات سرقة الأعضاء البشرية من قبل البعثات الإسرائيلية في ما يبدو وكأنه غطاء أمريكي لهذه الجرائم اللاإنسانية. 
2010-02-01